في توصيف مشهد الأزمات التي تلاحق الرئيس عبد الفتاح السيسي، وآخرها رفض معارضين ومؤيدين له اعتبار جزيرتي "تيران" و"صنافير" سعوديتين، ذهب خبراء مصريون إلى أن هذا المشهد يصب في طريق "التآكل المستمر لشرعية" السيسي، بينما رأى آخرون أنها أزمات "مؤقتة"، سيتجاوزها النظام. وشهدت مصر، علي مدار الأشهر الأخيرة، أزمات عدة، من أبرزها انخفاض سعر الجنيه المصري بشكل كبير أمام الدولار الأمريكي، علاوة على ندرة الأخير في السوق المصري، ما أدى لارتفاع أسعار السلع الرئيسية، بالإضافة إلى أزمة مقتل الشاب الإيطالي جوليو ريجيني، الذي عثر على جثمانه بالقاهرة، في فبراير الماضي، وإعلان بلاده سحب سفيرها بالقاهرة ماوريسيو ماساري، للتشاور منذ أيام، احتجاجاً على الأداء المصري في القضية. غير أن الأزمة التي كانت أكثر تأثيرا وزخما في الشارع المصري، هي مسألة توقيع اتفاقية ترسيم الحدود مع السعودية والتي بموجبها، اعترفت مصر بسعودية جزيرتي "تيران"، و"صنافير"، حيث لاقت الاتفاقية معارضة واسعة للنظام المصري حتي بين مؤيديه، الذين اعتبروا أن النظام "تنازل" عن الجزيرتين.
وخرجت مظاهرات صباحية اليوم الجمعة بالقاهرة وعدة محافظات، وفق رصد الأناضول، رفضًا لما يعتبرونه "تنازل" مصر عن الجزيرتين، مطالبين برحيل النظام، وسط ترقب لخروج مظاهرات بعد أداء صلاة الجمعة، باتجاه ميدان التحرير(وسط العاصمة المصرية)، الذي يشهد تشديدات أمنية كبيرة، ورفض وزارة الداخلية لما أسمته دعوات الخروج عن الشرعية. ولم يفلح خطاب رئاسي، بثه التليفزيون الحكومي أمس الأول الأربعاء، للسيسي، الذي كان يتحدث وسط مجموعة من مؤيديه، في احتواء الداعين للمظاهرات وفي وقف الجدل بين المؤيدين والمعارضين، حيث تصدر موقع التواصل الاجتماعي "تويتر"، هاشتاغات (وسوم) #ارحل، و"#سحبت_الثقة_من_السيسي"، و "كمل يا سيسي الشعب معاك"، و#ادعم_السيسي_وقراراته"، رغم تحذير السيسي نفسه، في خطابه مما تبثه مواقع التواصل الاجتماعي، وإشارته لوجود مخططات (لم يوضحها) تواجه البلاد. حسن نافعة أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة، قال للأناضول، في تعليقه على الأزمة الأخيرة وما سبقها من أزمات داخلية أو خارجية، إن "السيسي بكل تأكيد تتآكل شرعيته".
وحول إمكانية أن يفقد النظام المصري شرعيته بالكامل حيال تلك الأزمات،أشار نافعة إلى أن ما يعيق تحقيق ذلك "وجود حالة استقطاب في المجتمع بين مؤيد ومعارض وووجود قطاع من المصريين لديهم حالة ثقة في السيسي، رغم فقدان تلك الحالة لدى كثيرين". سعيد صادق، أستاذ علم الاجتماع السياسي، اتفق مع نافعة، في أن "نظام السيسي تلقي ضربة عنيفة في شرعيته وشعبيته مع الأزمات التي يواجهها لاسيما مع تناول موضوع تيران وصنافير". وقال للأناضول عبر الهاتف: "النظام بدأ يفقد شرعيته أكثر لدى مؤيديه، لسوء الإدارة وسوء إخراج القضايا للرأي العام، رغم اعترافنا أن مصر تواجه تحديات مختلفة في الأمن والاقتصاد على سبيل المثال"، مدلالا بمشهدين في خطاب السيسي الأربعاء، أولهم مطالبة المصريين بالتوقف عن الحديث عن مصرية الجزيرتين، وقطع البث التلفزيوني للقاء الذي كان يتابع على الهواء مباشرة، قائلا:" هذا يخلق أجواء سلبية مع الرأي العام كما قلنا". وحول مستقبل النظام المصري، بين الاستمرار والرحيل كما يطالب المؤيديون والمعارضون خلال الأيام الماضية مع تزايد الأزمات المصرية، قال صادق: "الولاياتالمتحدة والاتحاد الأوروبي يعتبران بقاء السيسي مهمًا لهما، لأن رحيله بدون وجود بديل سيكون أضراره من وجهة نظرهما أكبر من بقائه، وبالتالي في ظل غياب بديل حقيقي، وقوى ثورة يناير (25 يناير 2011) الضعيفة فاحتمال بقاءه واستمراره يجب وضعه في الاعتبار". وأشار صادق، إلى إمكانية حدوث مظاهرات الجمعة بشكل ملفت، دون أن تتحول لثورة شعبية مثل ثورة 25 يناير 2011 في الوقت الراهن الذي فيه تشديدات أمنية كبيرة. ولفت صادق، إلي أن السيسي حينما تحدث عن المخططات التي تواجهه أثناء خطابه الأربعاء، كان يستشعر خطورة ظهور المنافسين له إعلاميًا خلال اليومين الماضيين مثل حمدين صباحي (مرشح سابق)، وأحمد شفيق (مرشح سابق)، وقادة عسكريون متقاعدون، للحديث عن مصرية جزيرتي "تيران" و"صنافير" وهو ما يخالف توجهات النظام ويقلقه، وفق تعبيره. صادق أشار أيضا، إلى أن الأزمات السابقة التي شهدتها مصر، أساءت لها لاسيما قضية "ريجيني"، وسببت حرجًا كبيرًا لدى النظام، الذي يواجه أزمة اقتصاد كبيرة، وفي كل الأمرين، يتحمل المسؤولية عن ذلك نظام لم يستطع أن يخاطب رأيه العام بحقيقة الأوضاع وبات يقوم بإجراءات مريبة في قضية ريجيني، جعلت من أجهزته الأمنية متهمًا، رغم نفيها أكثر من مرة قتلها الباحث الإيطالي. في المقابل، رأى يسري عزباوي، عضو وحدة الرأي العام بمركز الأهرام الاستيراتيجي (حكومي)، أن النظام المصري "استطاع أن يتجاوز أزمات كثيرة متعلقة به بشرعيته في الخارج فترات ماضية مع توحد الداخل معه ونال ثقة كبيرة". وحول آخر الآزمات المصرية بسبب جزيرتي "تيران" و"صنافير"، أضاف للأناضول: "أزمة ترسيم الحدود هي من أهم الأزمات التي يواجهها النظام الآن، لأنها متعلقة بالداخل، وخلفت احتقانًا في الشارع". وأشار إلى أن الأمر في الأزمة الأخيرة يتوقف على دور للبرلمان المصري، وسيناريو موضوع لكيفية امتصاص الأزمة لتجاوزها كسابقيها بما يحقق مصلحة مصر والمصريين. ومنذ تولي السيسي، منصبه في يونيو 2014، واجهته أزمات متعلقة بالوضع الاقتصادي الذي يوصف من جانب الحكومة المصرية بأنه صعب، والوضع الحقوقي الذي يعتبره حقوقيون بأنه متدهور، وأعلن في أكثر من مرة إمكانية تركه الحكم إذا طلب الشعب ذلك، وتصاعدت الفترة الأخيرة مطالبات برحيله، مقابل دعوات ببقائه. وكانت أزمة "تيران" و"صنافير" فرصة كبيرة لتحرك مناهضي السيسي، كما جعلت بعض أنصاره الرئيسيين يعلنون بوضوح انتقاده، حيث رفض رئيس مجلس صحيفة الأهرام الحكومية، أحمد النجار، قرار الحكومة باعتبار الجزيرتين سعوديتين، بخلاف انتقادات كثيرة لاحقت النظام من إعلاميين محسوبين على نظامه بينهم يوسف الحسيني، وابراهيم عيسى، وسياسيون بارزون، أبرزهم عمرو موسى المرشح الرئاسي السابق، وفق موادة متلفزة وبيانات. وعادة ما يقول النظام المصري، إنه يواجه "أهل الشر"، وهذا ظهر في خطاب السيسي الأخير، دون أن يوضح دلالة المصطلح الذي قاله خلال لقائه الذي جمعه بممثلين مؤيدين للنظام، وغابت عنه المعارضة، التي أعلنت أبزر قواها الشبابية النزول في مظاهرات الجمعة، تحت عناوين عديدة بينها"الأرض هي العرض"، ورفعت مطالب رحيل النظام في الواجهة.