أثار توقيع السلطات المصرية والسعودية، قبل يومين، على اتفاقية إعادة ترسيم الحدود البحرية بين السعودية ومصر، والتي تضمنت إقرار السلطات في القاهرة بأحقية الرياض في جزيرتين بالبحر الأحمر، معارضة واسعة في الشارع المصري. ومن بين المرات القليلة في ظل الانقسام السياسي الحالي على الساحة المصرية جاءت المعارضة من قبل أطراف أيدت مظاهرات "30 يونيو 2013"، التي مهدت لإطاحة الجيش في يوليو من العام ذاته بمحمد مرسي، أول رئيس منتخب ديمقراطيا، ومن قبل أطراف عارضت تلك الخطوة. وبالتزامن مع زيارة يجريها الملك سلمان بن عبد العزيز إلى مصر، أعلنت الحكومة المصرية، أول أمس الجمعة، توقيع اتفاقية لإعادة ترسيم الحدود البحرية مع السعودية، والتي تضمنت إقرار السلطات في القاهرة بأحقية الرياض في جزيرتي "صنافير" و"تيران"، اللتين تقعان شمالي البحر الأحمر عند مدخل خليج العقبة. ومبررة موقفها، قالت الحكومة المصرية، في بيان، إن "العاهل السعودي الراحل عبد العزيز آل سعود كان قد طلب من مصر في يناير 1950 أن تتولى توفير الحماية للجزيرتين، وهو ما استجابت له، وقامت بتوفير الحماية للجزر منذ ذلك التاريخ". وتمثل الجزيرتان أهمية استراتيجية كونهما تتحكمان في حركة الملاحة في خليج العقبة، وكانتا خاضعتين للسيادة المصرية؛ فهما جزء من المنطقة (ج) المحددة في معاهدة "كامب ديفيد" للسلام بين مصر وإسرائيل. وكانت القاهرة أعلنت الجزيرتين محميتين طبيعيتين منذ عام 1983. سياسيون معارضون للسلطات المصرية الحالية أعلنوا بشدة رفضهم لخطوة الاعتراف بأحقية الرياض في جزيرتي "صنافير" و"تيران". وأكدوا في بيان وصل "الأناضول" نسخة منه، على "رفضهم القاطع لكافة الاتفاقيات التي يبرمها النظام غير الشرعي في البلاد (حسب وصفهم)، والتي تتضمن تنازلا عن حقوق تاريخية في المياه أو الأراضي أو الأجواء أو إدارة المطارات أو الثروات أو الاختصاص القضائي والسيادي للبلاد". وأضافوا: "الشعب المصري لا يتوقع من أشقائه وأصدقائه سوى دعمه للخروج من أزمته والتخلص من كبوته، التي تسببت فيها سلطة اختطفت البلاد وتتصرف في حقوقه تصرف المالك في مُلكه"، حسب تعبير البيان. ووقع على البيان نواب في البرلمان الذي قام قادة الجيش بتعليق عمله عقب الإطاحة بمرسي، وهم ثروت نافع وجمال حشمت وحاتم عزام، بجانب وزراء من آخر حكومة في عهد مرسي هما عمرو دراج ويحيى حامد ومحمد محسوب، وسياسيون رافضون لخطوة الإطاحة به وهم سيف عبد الفتاح (مستشار سابق لمرسي)، وعبد الرحمن يوسف (شاعر وكاتب صحفي)، وطارق الزمر (رئيس حزب البناء والتنمية/ إسلامي معارض)، وأيمن نور رئيس حزب "غد الثورة" (ليبرالي معارض) وإيهاب شيحة (رئيس حزب الأصالة/ إسلامي معارض). وكانت "جماعة الإخوان المسلمين" استبقت الإعلان رسميا على اتفاقية إعادة ترسيم الحدود بين القاهرةوالرياض، بإعلان رفضها لأي خطوة تتضمن ما تعتبره "تنازلا" من السلطات لأراض مصرية. وفي بيان عنونته ب"ماذا تبقى ليضيعه السيسي؟"، ونشرته عبر موقعها الإلكتروني، يوم الجمعة الماضي، قالت الجماعة: "لم يعد حديث التفريط في حقوق المصريين ومقدراتهم من قبل (..) السيسي ومنظومته أمرًا طارئا ولا عابرًا، فمنذ إهدار كرامة المصريين وحريتهم ودمائهم وحقهم في العيش الكريم مقابل المزيد من إحكام السيطرة الكاملة على الاقتصاد المصري وتأميم ما تبقى منه لصالح منظومته العسكرية، أصبح الحديث الآن عن ماذا تبقى للسيسي ومنظومته ليفرطوا فيه بجانب ما فعلوه وضيعوه". وأضافت: "حديث الحدود ومقدرات الشعب المصري أصبح الآن في الغرف المغلقة، وآخرها الحديث عن الحدود المائية وإعادة ترسيمها فيما يخص جزيرتي تيران وصنافير المصريتين، بما قد يؤدي الي التفريط في مقدرات اخري للشعب المصري بالعمل على التوقيع علي اتفاقية ترسيم حدود المياه الاقتصادية مع المملكة العربية السعودية ". وتابعت مؤكدة على موقفها الرافض لمثل هذه الاتفاقات، قائلة إن "الإخوان المسلمون يعلنون بوضوح أنه لا يحق لأحد التفريط في مقدرات وثروات الشعب المصري مقابل حفنة من الأموال أو دعم سياسات القتل والاعتقالات والانتهاكات والإخفاء القسري والقتل خارج إطار القانون". وتابعت: "نعلنها صراحة أن كل ما يقوم به السيسي و(..) من سياسات واتفاقات ومباحثات – السري منها والمعلن – للعبث بحقوق المصريين وثرواتهم لهو أمر لا شرعية له، وهو حق أصيل للشعب المصري الذي يسعى ليملك حريته ويستعيد كرامته ويختار ممثليه وحكّامه، وسينظر في مواقف من قدّم الدعم لسياسات القمع والقتل والتنكيل ومن ساند الثورة ونداء الكرامة والعدالة والحرية"، حسب نص البيان. سياسيون كانوا من المؤيدين ل"مظاهرات 30 يونيو" رفضوا أيضا قرار السلطات في القاهرة الاعتراف بأحقية الرياض في جزيرتي "صنافير" و"تيران". ومن هؤلاء المحامي والحقوقي، خالد علي، الذي قال في تصريحات صحفية إن "تنازل" مصر عن جزيرتي "تيران" و"صنافير" "أمر مرفوض تماماً من خلال القانون والدستور". وأضاف موضحا أن هناك نوعين من السيادة، وهما إما أن تكون الجزيرتان تابعتين للأراضي المصرية، وإما أنهما تحت السيادة المصرية، وفي كلتا الحالتين لا يحق لأحد التنازل عنهما، وإن كان رئيس الجمهورية، إلا بعد أخذ رأي البرلمان وطرح الموضوع لاستفتاء شعبي، طبقا لنص المادتين 1 و151 من مواد الدستور المصري الذي تم التصويت عليه بعد الإطاحة بمرسي في عام 2014. في السياق ذاته، قال الناشط السياسي زياد العليمي مستنكرا إقرار السلطات المصرية أحقية السعودية في الجزيرتين: "النيل لأثيوبيا، والأرض للسعودية، والاستثمار للإمارات، والقرار للي (لمن) هيدفع، والتصالح للفاسدين، والسجن للأحرار". العليمي، الذي كان من المشاركين في "مظاهرات 30 يونيو"، أوضح أن المادة الأولى من الدستور المصري تنص على أن "جمهورية مصر العربية دولة ذات سيادة، موحدة لا تقبل التجزئة، ولا يٌنزل عن شيء منها". مقدم البرامج الساخر المصري باسم يوسف كان من الرافضين لخطوة الحكومة المصرية. وعبر حسابه على "تويتر"، قال يوسف، الذي كان من أبرز الداعمين ل"مظاهرات 30 يونيو"،ساخرا: "بيع أرضك بيع جزرك شوف الشاري مين؟"، مستخدما رتما لإحدى الأغاني المصرية الشهيرة. من جانبه، قال السياسي المصري ممدوح حمزة، الذي كان من أبرز الداعمين "مظاهرات 30 يونيو"، في سلسلة تغريدات عبر حسابه على "تويتر": "بعد تجميع معلومات مؤكدة، والرجوع إلى أهم الخبراء، تيران وصنافير مصريتان، ونحن لسنا في حاجة إلى ترسيم حدود؛ لأن الحدود موجودة على جميع الخرائط". وأضاف: "مجرد قبول فكرة ترسيم حدود لحدود قائمة ومستقرة ومعترف بها دوليا علي جميع الخرائط المصرية والدولية هو تفريط في أرض مصر لا نتوقعه من مسؤول مصري". وفي السياق ذاته، أطلق عدد من مستخدمي مواقع التواصل الاجتماعي حملة توقيعات شعبية لرفض التنازل عن جزيرتي «تيران وصنافير». ودعا مجموعة من النشطاء المواطنين إلى مساندة الحملة التي أطلقت تحت اسم "الرافضون لتنازل مصر عن جزيرتي تيران وصنافير بالبحر الأحمر: وقعوا لإنقاذ الجزيرتين". وتستهدف الحملة وصول عدد الموقعين إلى 20 ألف مواطن، في حين أن عدد الموقعين الفعليين عليها تجاوز الألف مؤيد بعد إطلاقها بساعات. من جانبه اعتبر هلال عبدالحميد، عضو الهيئة العليا للحزب المصري الديمقراطي الاجتماعي (معارض)، أن التنازل عن جزيرتي تيران وصنافير للسعودية يخالف المادة 151 من الدستور، معتبرا أنه يجب استفتاء الشعب على ترسيم الحدود بين البلدين. وفي بيان صدر اليوم، طالب الحزب مجلس النواب (البرلمان) برفض الاتفاقية عندما تعرض عليه، مضيفا: "الرئاسة والحكومة فاجأتا الشعب المصري كله باتفاقية ترسيم الحدود والادعاء بأن الجزيرتين سعوديتان في إعلان مفاجئ صدم الشعب المصري كله وجعله يعتقد أن التنازل جاء مقابل حفنة من المال". وحسب الدستور المصري، فإن اتفاقية ترسيم الحدود التي وقعت عليه مصروالسعودية، يجب أن تعرض عبر مجلس النواب الذي يهيمن عليه أغلبية تؤيد النظام المصري، من أجل المناقشة والتصديق أو الرفض. وتنص المادة 151 من دستور مصر لعام 2014 على أن "رئيس الجمهورية يمثل الدولة في علاقاتها الخارجية، ويبرم المعاهدات، ويصدق عليها بعد موافقة مجلس النواب، وتكون لها قوة القانون بعد نشرها وفقا لأحكام الدستور، ويجب دعوة الناخبين للاستفتاء على معاهدات الصلح والتحالف وما يتعلق بحقوق السيادة، ولا يتم التصديق عليها إلا بعد إعلان نتيجة الاستفتاء بالموافقة، وفي جميع الأحوال لا يجوز إبرام أية معاهدة تخالف أحكام الدستور، أو يترتب عليها التنازل عن أي جزء من إقليم الدولة". وتقع جزيرة "تيران"، فى مدخل مضيق تيران، الذى يفصل خليج العقبة عن البحر الأحمر، وتبعد 6 كم عن ساحل سيناء الشرقي، وتبلغ مساحتها 80 كيلومترا مربعا، أما جزيرة "صنافير" فتقع بجوار جزيرة تيران من ناحية الشرق، وتبلغ مساحتها حوالى 33 كيلومترا مربعا.