يتساءل كثير من الناس لماذا يريد صندوق النقد الدولي والدول الكبرى تخفيض العملة المحلية ويشجعون ذلك على الدوام ولا يقنعهم تخفيض واحد للعملة ولكن على الدوام يستمر هذا المطلب فى اغلب المؤتمرات واللقاءات الاقتصادية الدولية لمصر وغيرها من الدول النامية إن كثير من مؤسسات التمويل الدولية ترهن منح العديد من القروض والتسهيلات الائتمانية إلى مصر بشرط تخفيض العملة المحلية بدعاوى تشجيع الصادرات وخفض الواردات ولكن فى حقيقة الأمر أن هذا يخفى وراءه مطامع الإمبرالية الجديدة العالمية للشركات عابرة الجنسيات ومطامعها وهى صورة جديدة من صور استعباد الأيدي العاملة فى البلاد النامية ومنها مصر . فعندما تقوم الدولة بتخفيض قيمة عملاتها لمستويات متدنية للغاية كلما أصبحت الشركات متعددة الجنسيات قادرة على تشغيل اكبر عدد من عمالة هذه الدول فى شركاتها بأجور زهيدة قد تصل إلى عشر ما يمكن أن تدفعه فى دولها . فلو أن الجنيه يساوى دولار والعامل فى مصر يتقاضى 1000 جنيه فهو يتقاضى 1000 دولار أما إذا حدث تخفيض للعملة المحلية وأصبح الدولار يساوى 10 جنيهات فان آلاف جنيه التي يتقاضاها العامل المصري أصبحت تساوى 100 دولار فقط وبالتالي فالشركات الدولية الكبرى والدول الكبرى تقوم بتشغيل العامل أو الموظف فى الدول النامية فى خطوط إنتاجية تتبع شركاتها فى الدول العظمى بأجور تقل فى بعض الأحيان عن عشر ما تدفعه للعامل فى بلدها و ما يتطلبه من رعاية صحية وتأمين ومزايا تكلفها تكاليف طائلة هي فى غنى عنها . . فهذه المطالب الدولية المستمرة لتخفيض العمله هى نوع من انواع الاستعباد الجديد لشعوب الدول الناميه وهى الامبراليه الاستعماريه فى ثوبها الجديد مغلفه بنصائح الخبراء الاقتصاديين زوى الياقات البيضاء الذين يقدمون النصيحه فى صورة نظرية اقتصاديه وتحليل اقتصادى يخبرك ان افضل الحلول على الدوام هو خفض قيمة عملتك الوطنيه لكى احصل على عمالتك وخدماتك ومرافقك باسعار زهيده تخفض تكاليفى الاستثماريه كشركات انتاجيه كبرى . ولكن حتى هذا لا تحسب اننى سوف اقدم اليك ارقى التكنولجى واخر ما توصلت اليه الصناعه ،، ان هذا النوع من التكنولوجى والصناعه المتقدمه هو لا يخرج خارج حدودى كدولة عظمى ،،، ان فقط ما يمكن ان ارسله لك لاستفيد من ايدى العبيد العامله لديك هو صناعات اوليه ومواد خام وصناعت ملوثه مثل الاسمنت والاسمده وغيرها ،، او صناعات التجميع ، اما الصناعات المتقدمه عالية التقنيه فانا اسف عزيزى فحتى وانت اجر الايدى العامله لديك هى تساوى اجر العبيد الا انى لا استطيع ان ارسل ليك هذه الصناعات التكنولوجيه عالية التقنيه . ان تخفيض قيمة العمله المحلية قد يكون ناجعا فى حالة دوله مثل الصين لديها قوة و مرونة فى جهازها الانتاجى تستطيع ان ترفع قدراتها الانتاجيه وزيادة صادراتها لكن فى معظم الدول الناميه منها مصر فان قدراتها الانتاجيه المحدوده والمعتمده على المواد الخام و الاوليه تحد من قدراتها على زيادة الصادرات وبالتالى لن تستفيد بالقدر المناسب من تخفيض العمله المحلية وانما المستفيد الاكبر هو الشركات عابرة الجنسيه التى يمكنها ان تنقل خطوط انتاجها القديمه الى هذه الدول وتستغل رخص الايدى العامله والاجور الزهيده و انخفاض اسعار الخدمات والمرافق ليكون بذلك شكل جديد من اشكال الامبريالية الاستعمارية التى لا تحتاج الى جيوش لتسخر العمال فى المصانع وانما تحتاج الى خبراء اقتصاديين و برامج اقتصاديه توصيك دائما بان الحل الامثل لك هو تخفيض قيمة العملة المحلية على الدوام .
فى كتابه النظرية العامة للتوظيف والنقود وسعر الفائدة يتحدث كينز عما يسميه فرضية الخداع النقدى ، وهى الاداة التى تستخدمها الحكومات لخفض المرتبات دون ان يقابل ذلك تذمر او اعتراضات عارمه ، وهى ان تقوم الحكومة برفع الاسعار ( او خفض قيمة العمله المحلية ) ، ففى حالة لو ان الحكومة اقدمت على خفض المرتبات النقديه فسيقابل ذلك باعتراضات عارمه ومظاهرات و لن تستطيع ذلك ، لكنها تستطيع ان تفعل العمليه العكسيه لذلك برفع الاسعار او خفض قيمة العمله الوطنيه دون ان تقابلها نفس الاعتراضات والمظاهرات حيث تزحف الاسعار ببطئ لتأكل من القيمة الحقيقة للمرتبات والاجور وهو الذى سيقابل باعتراض اقل مما يحدث لو اعلنت خفض القيم النقديه للمرتبات . . ان عملية خفض قيمة العمله الوطنيه استخدمت احيانا اخرى بغرض تحديد النسل او خفض نمو عدد السكان ايضا اذ انها تعد ارغاما و الزام على الاسر المتوسطه التى ستجد نفسها مندفعه تحت خط الفقر اذا طاوعت رغباتها فى انجاب عدد اكبر من الاولاد فهو يستخدم كبديل عن خفض برامج الرعاية الاجتماعية او تخفيض مستحقات صناديق التقاعد .
لذلك وكما رأينا فى السابق فان خفض قيمة العملة الوطنيه له فوائد جمه تصب فى صالح الرأسمالية العالميه باستعباد العمال وارغامهم على العمل فى حطوط انتاجية فى دولهم باجور زهيده تخفض التكاليف وتعظم ارباح هذه الشركات العابره للجنسيه وله فوائد اخرى للحكومات تستطيع من خلالها خفض المرتبات او خفض برامج الرعايه الاجتماعيه ومستحقات صناديق التقاعد او حتى تستخدمها كوسيله واسلوب ايضا لتحديد النسل .