عيش.. حرية.. عدالة اجتماعية، هكذا كان شعار الثورة الذى انطلق فى 25 يناير 2011، وجلسنا نحلم بالعيش أو الحرية أو العدالة فلم نجد منها إلا سراباً هكذا يقول ممدوح إبراهيم شديد عامل بقطاع التشجير والبحوث الزراعية بوزارة الزراعة بمركز أبو قرقاص المنيا. ممدوح مثل غيره من آلاف العمال ربط نفسه بالوظيفة على أمل التعيين والاستقرار، وزيادة راتبه، ولكن لم يجد شيئاً قبل أو بعد الثورات. يقول ممدوح: مكافآتى لا تتجاوز 40 جنيها فى الشهر، وننتظر التعيين منذ أكثر من 15 سنة، ولا حياة لمن تنادي، فالدولة تعتبرنا طفيليات، لا تنظر إلينا، وكل ما كانت تفعله هو أن تضع فى سجلاتها عناوين ومانشيتات عن محاربة البطالة وتعيين الشباب، ويطالب ممدوح رئيس الوزراء حازم الببلاوى الاقتصادى بأن يعطى له وصفه للعيش ب40 جنيها هو وأسرته المكونة من 7 أفراد. والغريب أن حتى هذا المبلغ لم يكن يتقاضاه بصورة منتظمة وانقطع منذ أعوام. ممدوح لن يطبق عليه الحد الأدنى للمرتبات، لأنه فى نظر الحكومة من العمالة المؤقتة، فقد قرر مجلس الوزراء فى اجتماعه يوم الأربعاء 18 سبتمبر 2013 وضع حد أدنى لمتوسط الأجر الشامل الشهرى للأجور بالقطاع الحكومى قدره 1200 جنيه، يسرى فى يناير 2014 القادم، وكان القضاء الإدارى فى أبريل 2010 ألزم الحكومة المصرية بإقرار حد أدنى للأجور يرتبط بالأسعار وتفعيل دور المجلس القومى للأجور. المركز المصرى للحقوق الاقتصادية والاجتماعية على موقعه الإلكترونى يشير إلى أن 70% من العمال يعملون لصالح القطاع الخاص (حوالى 18 مليون عامل) فى مقابل 30% يعملون بالقطاعين الحكومى والعام، وهو ما يتطلب ضرورة أن يشمل القرار كل عمال مصر، ويجب وضع حد أقصى لا يتجاوز 15 ضعف الحد الأدني، بالإضافة إلى علاج الخلل فى الأجور، فالأجور المتغيرة تمثل 83% من إجمالى الأجور بما يشير إلى حالة من الفوضى وانعدام الشفافية فيما يتعلق بمكونات أجر كل عامل. وتستحوذ الأجور والتعويضات للعاملين بالدولة والبالغة 175.9 مليار جنيه على 25% من إجمالى المصروفات العامة البالغة 692.4 مليار جنيه فى موازنة العام المالى الجارى 2013/2014. بند الأجور بالموازنة العامة يكشف عن خلل كبير وعلى الرغم من عدم الرضا عن الأجور فى معظم قطاعات الدولة نجد فى موازنة العام المالى الجاري، أن الأجور والتعويضات للعاملين تستحوذ على 83% من إجمالى الإنفاق على التعليم والبالغ 67.5 مليار جنيه فى موازنة العام الجارى 2013/2014، وعلى 56% من الإنفاق على الصحة، البالغ 18.4 مليار جنيه، وعلى 65% من قطاع الشباب والثقافة والشئون الدينية البالغة 15.3 مليار جنيه، وعلى 4% من الإنفاق على الاسكان والمرافق المجتمعية البالغة 799 مليون جنيه وعلى 1% من قطاع الحماية الاجتماعية البالغة 1.8 مليار جنيه، وهو ما يعنى أنه لا يوجد انفاق حقيقى على جودة الخدمات التى تقدم للمواطن سواء تعليمية أو صحية. تشير أرقام الحسابات الختامية والموازنة للعام الجارى خلال الفترة من العام المالى 2007/2008 إلى 2013/2014 إلى أن مفارقة غريبة وهو تراجع نصيب الوظائف الدائمة من الأجور والتعويضات بالمقارنة بارتفاع نصيب المكافآت من إجمالى بند الأجور والتعويضات، فقد كان نصيب الوظائف الدائمة من الأجور 22% فى العام المالى 2007/2008 مقابل 35% نصيب المكافآت ثم انخفض نصيب الوظائف الدائمة فى الموازنات التالية حتى وصل إلى 16% خلال العام المالى 2011/2012 مقارنة بارتفاع نصيب المكافآت ليصل إلى 43%، وبلغ فى موازنة العام المالى الجارى 17% للوظائف الدائمة لتصل إلى 28.4 مليار جنيه مقارنة بنصيب المكافآت البالغ 43% ليصل إلى 74.2 مليار جنيه من إجمالى بند الأجور وتعويضات العاملين المقدر بنحو 171.2 مليار جنيه. يأتى ذلك رغم النمو الذى ارتفع من 9% إلى 22% إلا أنه صاحبه نمو فى المكافآت من 22% إلى 23%. أما الوظائف المؤقتة فحصتها 1% فقط لتصل إلى 2.4 مليار جنيه. تؤكد نتائج الحساب الختامى المبدئى لموازنة العام المالى 2012/2013 إلى ارتفاع نسبة العجز الكلى للناتج المحلى الإجمالى إلى 13.8% ليصل إلى 239.9 مليار جنيه مقارنة بعجز قدره 166.7 مليار جنيه خلال العام المالى السابق، وجاء ذلك نتيجة إلى ارتفاع باب الأجور وزيادة المكافآت والإثابة للعاملين ب 7.8 مليار جنيه، لتصل إلى 60.5 مليار جنيه، وارتفعت المرتبات الدائمة ب 3.4 مليار جنيه لتصل إلى 23.3 مليار جنيه وارتفعت البدلات النوعية 5.9 مليار جنيه لتصل إلى 17 مليار جنيه. وارتفعت مصروفات الحكومة بنسبة 23.7% لتصل إلى 582.7 مليار جنيه مقارنة بنحو 471 مليار جنيه، نتيجة لارتفاع باب الأجور وتعويضات العاملين بنسبة 14.8% ليصل إلى 141 مليار جنيه مقارنة ب 122.8 مليار جنيه، وارتفاع مدفوعات الفوائد بنسبة 40.7% لتصل إلى 147 مليار جنيه مقارنة بنحو 104 مليار جنيه (تمثل الفوائد 25.2% من المصروفات) وارتفع باب الدعم والمنح والمزايا الاجتماعية بنسبة 31% ليصل إلى 197 مليار جنيه مقارنة بنحو 150.2 مليار جنيه (تمثل 33.8% من المصروفات). الأجور والفقر عاصم عبد المعطي، وكيل الجهاز المركزى للمحاسبات سابقا، أكد أن بند الأجور وتعويضات العاملين بالموازنة والذى يمثل 27% من إجمالى النفقات يعد أحد العوامل التى تحول دون تحقيق العدالة الاجتماعية لكافة فئات المجتمع، كما أن الارتفاع السنوى للأجور لا يتناسب مع الارتفاع الجنونى فى أسعار السلع والخدمات وخاصة الغذائية منها، مشيرا إلى أن الأجور أدت إلى زيادة الفقر وعدم جدوى إجراءات تحقيق العدالة الاجتماعية للفئات المهمشة فى الدولة، وذلك بسبب الأخطاء الفادحة التى ارتكبتها الأنظمة السابقة فى ظل قوانين عقيمة، فى الوقت الذى تركت الدولة الأجور فى القطاع الخاص لاستغلال رجال الأعمال وأصحاب المصانع، وترتب على ذلك زيادة حجم البطالة وعدد الخريجين، مما دفع الكثير منهم لقبول وظائف متدنية وأجور زهيدة. وقال عاصم: إن الإعلان عن تطبيق الحد الأدنى تم بدون دراسة، فرئيس الوزراء أعلن أن الحد الأدنى 1200، قبلها بيوم فقط قال إنه 800 جنيه، بما يشير إلى أن الهدف منه سياسى وليس اقتصادي، خاصة أن أحد الوزراء قال إن الحد الأدنى يكلف 12 مليار جنيه وخرج وزير آخر يقول إن تكلفته 67 مليار جنيه سنويا. مضيفاً أن بعض المنظمات العمالية بالهجوم على هذا القرار لأسباب موضوعية أهمها عدم وجود آليات لتنفيذ هذا القرار وعدم إجراء دراسات موضوعية تتعلق بالأجر والأسعار، وعدم وضع حل للمشاكل العمالية المؤقتة، كما لم يتطرق الحديث إلى الحد الأقصى بما يشير إلى أن هناك ضغوطاً على الحكومة لعدم تطبيق الحد الاقصي. تعديل القوانين طالب وكيل الجهاز المركزى للمحاسبات سابقاً، بضرورة تعديل جدول المرتبات بالقانون 47 لسنة 78 الصادر بشأن العاملين المدنيين بالدولة والقانون 48 لسنة 78 الصادر بشأن العاملين بالقطاع العام، حيث تلاحظ أن العلاوة الدورية للعامل لم يتخيلها عقل، حيث تتراوح بين جنيه ونصف جنيه وتنتهى إلى 6 جنيهات و25 قرشاً للمدير العام ووكيل الوزارة، كما طالب بضرورة فتح نهاية ربط الدرجة بكل وظيفة على مستوى ارتفاع الأسعار إلى جانب تضييق الفوارق بين مرتبات العاملين بالحكومة والعاملين بوحدات قطاع الأعمال العام وبين العاملين بالشركات المساهمة والبنوك، موضحاً أن المدير العام فى الحكومة الحد الأقصى لعلاوته الدورية 6.25 جنيه، فى حين نجد الخدمات المعاونة (الساعي) فى الشركات المشتركة تكون علاوته نسبة فى المائة تصل إلى 58 جنيهاً (أى 9.6 ضعف)، وهو ما يؤدى إلى زيادة راتب الساعى بنحو 240 جنيها بعد خمس سنوات فى حين أن راتب المدير العام ووكيل الوزارة يزيد فقط بنحو 31.5 جنيه!! وأوضح عبدالعاطى أن موظف الحكومة لن يتمتع بأى ميزة من الحد الأدني، خاصة أنه لم يتناول الدرجات الوظيفية للعامل حتى الدرجة النهائية له، ما يتحدد له هو العاملين فى بداية مربوط عمله، أما الموظف الذى تدرج فى الوظيفة فلم يتناوله موضوع الحد الأدنى للأجور، أما العامل فى الشركات المساهمة والمشتركة فيحصل على كامل بدلاته بحيث تكون بداية الربط، بالإضافة إلى العلاوة الخاصة، فمثلا المهندس فى الحكومة يأخذ بدل تفرغ هندسى 17.5 جنيه، بينما زميله المتخرج فى نفس الدفعة ونفس التخصص يتحصل من الشركات المساهمة على 240 جنيها بدل تفرغ، كما أن القرار الصادر عن رئيس الوزراء بدل حضور الجلسات بالنسبة لأى عضو من الحكومة يصل إلى 400 جنيه، بالإضافة إلى 200 جنيه بدل انتقال، أما زميله فى الشركات المساهمة فيتحصل على 4000 جنيه بدل حضور الجلسة الواحدة، بالإضافة 1000 جنيه مصاريف الانتقال لكل جلسة والعضوان يجلسان على منصة واحدة (وهما أعضاء مجلس إدارة ممثلين على منصة واحدة). طالب عاصم عبد المعطي، بضرورة تقليل الفوارق فى المرتبات داخل مصر فى كافة مؤسسات الدولة، وذلك بربط الأجر بالإنتاج ومستوى الأسعار، ومراعاة ارتفاع الأسعار الجنوني، وخفض ضريبة الدخل على المرتبات على صغار الموظفين بالإضافة إلى إخضاع كبار الموظفين للضرائب بدون إعفاء، ورد الفروق التى تزيد على 35 ضعفاً من العاملين تنفيذاً لأحكام قرار المجلس العسكرى فى 2011 بوضع حد أقصى للأجور بطريقة مباشرة دون مطالبة من الجهات الرقابية أو إقامة الدعوى الجنائية ضدهم، مع اتخاذ الإجراءات القانونية ضده وضد المؤسسة التى يتنمى إليها. والحد من تعيين المستشارين بعد سن الستين أو خبراء قبل سن الستين والاعتماد على أبناء الهيئة أو الإدارة أو المؤسسة والاستعانة بمجلس الدولة أو الأجهزة الرقابية أو الشئون القانونية حال طلب فتوى أو رأى وهذا يتم بدون مقابل. وأشار إلى أن العاملين داخل مصر ينقسمون إلى نصفين أولهما يخضع مرتباته وما يتقاضاه إلى ضريبة الدخل، والبعض الآخر معفى منها بالقانون، فرئيس مجلس الإدارة أو أعضاء مجلس الإدارة بالشركات المساهمة يتقاضون جميع رواتبهم المقطوعة معفية من الضرائب والرسوم، وفقاً لأحكام قانون الشركات المساهمة رقم 159 لسنة 1981، أما الشركات فى الحكومة فمرتباتهم تخضع للضرائب الأجور كارثة وصف حلمى الراوى، المدير التنفيذى لمرصد الموازنة العامة وحقوق الإنسان، الأجور فى ميزانية الدولة بأنها كارثة، ففى بعض القطاعات تصل إلى 80% وميزانية التعليم 75%، ورغم ذلك فإن الأجور لا تحقق رضا العاملين بالجهاز الحكومي، ولا يوجد حد أقصي، وهناك بعض العاملين تصل رواتبهم إلى 500 ألف جنيه، مشيرا إلى الدولة تحتاج إلى جهاز رقابى تحقيقى يعمل على مصلحة الغالية العظمى من العاملين بالدولة وينفذ الحد الاقصى بما يحقق وفراً لتطبيق الحد الأدنى. وطالب «الراوي» بضرورة التحول إلى موازنة البرامج، وترك موازنة البنود، وذلك حتى توضح ماذا نحتاج فى كل قطاع ومن ضمنها الأجر، كما تمكن من المحاسبة عن الأداء وتكشف الانحرافات بما يحافظ على المال العام وموازنة البرامج معمول بها فى ماليزيا منذ 1968، وفى تركيا منذ أكثر من 20 سنة، ومصر من الدول القليلة التى تطبق موازنة البنود فى العالم، مشيرا إلى أنه لا يوجد ما يمنع من تطبيق موازنة البرامج فمعظم عمليات وزارة المالية تمت ميكنتها وتم تعديل القانون عام 2005 نص على التحول إلى موازنة خمس سنوات وانتهت فى 2010 ولم يتم تطبيقها، موضحا أنها تحتاج إلى إرادة سياسية لأنها يكافح الفساد وتكشفه وتحطم مراكز القوى داخل الجهاز الدولة. حياة كريمة الدكتور عزت عبد الله، الخبير المصرفى، أستاذ الاقتصاد بأكاديمية طيبة، يرى أن صدور القرار جاء بطريقة عشوائية دون أن تدبر الحكومة قيمة تطبيق الحد الأدنى والتى تشير الأرقام إلى أنه يكلف الموازنة 18 مليار جنيه، مشيرا إلى ضرورة أن يرتبط الحد الأدنى بإنتاجية العامل مع الأخذ فى الاعتبار الخبرة. وأشار إلى أن الأجور تكلف خزانة الدولة حوالى 180 مليار جنيه لنحو 6.5 مليون عامل فى الدولة وهى عبارة عن حوالى 170 ملياراً أجوراً ومرتبات و10 مليارات مكافآت وإكراميات وهدايا وتقسم إلى 170 مليار جنيه إلى 120 ملياراً لكل العمال والموظفين و50 ملياراً تذهب لنحو 200 ألف موظف فقط، كما أن ال180 ملياراً من أجل 6.5 مليون موظف وعامل ومنهم 2 مليون يأخذون أقل 1200 جنيه. موضحا أن الحد الأدنى هدفه حياة كريمة للمواطن من خلال تعظيم دور الدولة فى تخفيض أو تثبيت الأسعار والعمل على مراقبة الأسعار، وهو نوع من التخوف أو التوقع فى ارتفاع تكلفة الإنتاج، وارتفاع زيادة الأسعار بأكثر من 50% والتمويل اللازم لزيادة الحد الأدني، إما طبع بنكنوت أو زيادة فى عجز الموازنة أو الدين. وطالب بإعادة النظر فى تعيين المستشارين عن طريق عمل توصيف لهذا المستشار ومدى احتياج الدولة له، وهل يتم تقييمه كل فترة مع وضع حد أقصى من 30 إلى 35 مرة من الحد الأدني، وإعادة هيكلة للرواتب فى إطار نوع العمل والخبرات وإعادة هيكلة الدعم وخاصة قطاع الطاقة دعم الطاقة 130 مليار جنيه مع ضرورة وجود ضريبة تصاعدية على دخل الأفراد من خلال عمل شرائح جديدة.