الحمد لله أن نجد شيئا صحيحا وسط ما نعيش فيه من ضبابية.. سبق وكتبت مقالا اعتراضا على الرواية وكاتبها وناشرها وشهود الزور فيها.. أحيي النيابة التي استأنفت على حكم البراءة ولم يثنها قيمة شهود الزور وكبيرهم الذي علمهم السحر.. ولمن لا يعرف فقد قضت محكمة جنح مستأنف بولاق أبو العلا، المنعقدة بالعباسية، بقبول استئناف النيابة العامة على حكم براءة أحمد ناجي، الصحفي بجريدة أخبار الأدب، ورئيس تحرير الجريدة، في اتهامهما بنشر مواد أدبية تخدش الحياء العام، وتنال من قيم المجتمع، وأصدرت حكمها بحبس الأول عامين، وتغريم الثاني عشرة آلاف جنيه. وقالت النيابة، في أمر الإحالة للقضية رقم 1945 لسنة 2015 إداري بولاق أبو العلا، إن الاتهام ثابت على المتهمين وكافٍ لتقديمهما إلى المحاكمة الجنائية، وأيده المتهم الثاني، عندما سألته النيابة عما إذا كان قد راجع المقال فقال: "إنه راجع العنوان دون قراءة النص كاملا، وإنه ما كان ليسمح بنشره إذا قرأه تفصيليا".. اتخذ من فيه ومن حيث أراد تخليص نفسه، وقالت النيابة أنهما قاما، بنشر مادة كتابية نفث فيها شهوة فانية ولذة زائلة وأجر عقله وقلمه لتوجه خبيث حمل انتهاكا لحرمة الآداب العامة وحسن الأخلاق، والإغراء بالعهر خروجا على عاطفة الحياء.
وكانت النيابة من قبل قد استدعت ثلاثة من كبار الأدباء بمقاييس العصر، وهم، جابر عصفور، وصنع الله إبراهيم، ومحمد سلماوي للإدلاء بالشهادة فأولهم تأخر، وثانيهم جلس بالخارج ولم يدلي برأيه رغم أن رأيه معروفا فهو صاحب رواية بيروت بيروت التي تحمل من القبح الأدبي والوصف العربيد ما تحمل، أما الثالث وهو كبيرهم الذي علمهم السحر فهو محمد سلماوي الذي وقف يتفزلك ويتزاكى أمام وكيل النيابة، ويصف الرواية بالعبقرية وبأنها تنتمى لاتجاه جديد فى الرواية العالمية يسمى "جرافك نوفل" وهي تمزج بين الكتابة الروائية والرسوم الفنية، ويصف كاتبها بأنه أحد أبرز الكتاب الروائيين من جيل الشباب الذين ينعقد عليهم الأمل في مستقبل الأدب الروائى في البلاد. ولما طلبت منه النيابة أن يقرأ أمام الحضور جزءا منها؟ قال لا يجوز فى الأدب، اجتزاء مقطع وحده وقراءته مستقلا عن الرواية إنما يخرجه عن السياق الذى كتب فيه، وكلاما كثيرا يدل على استخفافه بعقلية مستمعيه. وقال إن الأدب فن، لكن النقد علم، وهو علم شاق يتعلمه الناقد ولا يجوز لغير المتخصص أن يتعرض له، فهناك من يمضون السنوات الطوال فى دراسته وينالون فيه أرفع الدرجات العلمية. هؤلاء هم الخبراء الذين علينا أن نلجأ إليهم في تقييم العمل الفني!! وكأن الكاتب يكتب فقط للناقد المتخصص الذي يجب أن نلجأ إليه، وليس لكل الناس بجميع المستويات، فبمنطق سلماوي أيها القاريء عندما تقرأ كلاما قبيحا فجا سافلا عليك تذهب للناقد المتخصص فيقول لك أنه كلام جميل فتقتنع، فهل يعقل إذا أوجعتك بطنك أن تذهب لطبيب الأسنان!!.
المهم أن البعض اعتبر هذا الهراء شهادة تاريخية في وجه التخلف والتعنت والجهل.. والبعض هاجم مقالتي التي قلت فيها: إن الرواية خادشة لفنِّيَّات الكتابة الأدبية، وللأساليب البلاغية التي تُقام من أجلها الأقسام في كليَّات اللغة العربية، وتوضع لها المناهج، وتُنفَق فيها السنوات؛ لدراستها، وتعلُّم الأساليب البلاغية، والمحسِّنات البديعية، من طِباق، وجِناس، وكناية، واستعارة، وتَوْرِية.... إلخ.. وقلتُ: ولما كانت البلاغة هي إدراكَ الغاية، والبليغ: هو الشخص القادر على إيصال المعنى بأرفع لغة؛ فقد وصفها النبيُّ (صلى الله عليه وسلم) بقوله: ((إن من البيانِ لسِحرًا))، وهذا لا يندرج تحتَه هذا اللون من اللا فنّ.
تركوا كل هذا وقالوا إن اعتراضي جاء عن معايير دينية ويرون بضرورة الفصل بين الفن والدين وأرى أن من يفصلون بين الدين والفن هم أناس مهترؤون نفسيا وفنيا ولم تسعفهم القريحة بما هو فن وسموا، فتنزف أقلامهم القبح، لأنهم انفلتوا من معيار الأخلاق، وما الدين إلا الأخلاق. والحمد لله أنهم شرزمة قليلة في حين أن الرأي العام الحقيقي مع موقف النيابة وأن الخروج على الدين هو خروج على القانون وهذا ما لا يمكن أن يقبله مواطن حقيقي، له فكر المتزن.
فحرية التعبير شيء وحرية وصف الجنس بين العاهرات والعاهرون شيء آخر، وحرية الوصف في المجتمعات الفاسدة في اللحظات الفاسدة شيء وكتابته ليدخل البيوت ويشوه الجمال شيء آخر إنما النفوس الوضيعة هي التي لا تعرف تلك الفروقات.