«خدش الحياء العام» هي التهمة التي تم توجيهها للكاتب الروائي أحمد ناجي، صاحب رواية «استخدام الحياة»، والصحفي طارق الطاهر رئيس تحرير أخبار الأدب؛ لنشرهما جزءا من الرواية التي اعتبرته المحكمة مقالا جنسيا، وهو ما تسبب في حالة من الغضب والاستياء بين عدد كبير من المثقفين الذين طالبوا بحرية الإبداع. وفي هذا الإطار، أمرت محكمة الجلاء أول أمس، بتأجيل المحاكمة لجلسة 2 يناير 2016، للنطق بالحكم، واستمعت المحكمة خلال المرافعة، لشهادة ثلاثة من الكتاب الكبار، وهم: صنع الله إبراهيم، والدكتور جابر عصفور وزير الثقافة الأسبق، الكاتب محمد سلماوي رئيس اتحاد الكتاب العرب؛ للحكم على أدبية الرواية. وحصلت «فيتو» على نص شهادة محمد سلماوي، التي بدأت بسؤال القاضي عما إذا كان سلماوي قد قرأ الرواية، فأجاب سلماوي بالإيجاب، موضحًا موقعها من الأدب الروائي، قائلا: «هي تنتمي لاتجاه جديد في الرواية العالمية يسمى graphic novel؛ حيث تمزج بين الكتابة الروائية والرسوم الفنية، وكاتبها هو أحد أبرز الكتاب الروائيين من جيل الشباب الذين ينعقد عليهم الأمل في مستقبل الأدب الروائي في البلاد، وله أعمال إبداعية سابقة». وأضاف سلماوي، خلال شهادته، أن ما نشر في الجريدة لا يمت لفن المقال بصلة، وإنما هو فصل من الرواية، قائلا: «البون واسع بين الأدب الروائي والمقال الصحفي». ورفض سلماوي خلال شهادته، قراءة جزء مما نشر في الجريدة، نافيًا أن يكون رفضه للقراءة بسبب أن ما نشر خادش للحياء، قائلا: «هذا لا يجوز في الأدب، فاجتزاء مقطع وحده هكذا وقراءته مستقلا عن الرواية إنما يخرجه عن السياق الذي كتب فيه، ومن المبادئ الراسخة في النقد (لمن درسوه) أن العمل الفني لا يؤخذ إلا في مجمله؛ لأن المقصود منه هو تأثيره الكلي على المتلقّي وليس تأثير جزء واحد منه منفصلا عن السياق الذي جاء به، لذلك لا يمكن لنا أن نجتزئ قطعة من تمثال لرائد فن النحت المصري الحديث محمود مختار، مثل ثدي الفلاحة في تمثال نهضة مصر الشامخ أمام جامعة القاهرة ونعرضه وحده على الملأ، وإلا كان بالفعل خادشا للحياء؛ لأنه خرج عن المعنى الوطني الذي يرمز له التمثال ليصبح تأثيره حسيا بحتا، فما يخدش الحياء في الحياة لا يكون كذلك في السياق الفني الذي ورد فيه، لذلك ففي الوقت الذي يخدش حياءنا مشهد العري في الطريق العام، فإننا نرسل طلبة المدارس إلى المعارض والمتاحف التي تضم لوحات فنية قد يكون بها بعض العري، دون أن يكون في ذلك ضرر عليهم». تابع سلماوي: «صودرت أعمال كثيرة ربما كان أشهرها رواية "عشيق الليدي تشاترلي" للكاتب البريطاني الكبير د. ه. لورنس، لكنهم عادوا وصرحوا بها؛ لأن ذلك كان في عهود تخلف غابرة يتندرون بها الآن، فالمصادرة بهذا الشكل ولهذه الأسباب منافية للفهم الصحيح للأدب ووظيفته، إضافة إلى أنه مناقض للدستور، وإلا كان علينا أن نصادر الكثير من تراثنا الفني العظيم الذي نباهي به بين الأمم مثل "ألف ليلة وليلة"، أو من أمهات أدبنا الحديث الذي تربينا عليه مثل رائعة عميد الأدب العربي الدكتور طه حسين "دعاء الكروان"، التي يغتصب فيها البطل عذرية الفتاة الريفية البريئة هنادي، وهو ما لا يكون فقط خادشا للحياء في حياتنا العادية خارج العمل الفني، وإنما هو أيضا جريمة يعاقب عليها القانون، لكن في إطار الرواية المذكورة هو ضرورة تفرضها الاعتبارات الفنية التي لا يجب أن تغيب عن نظر من يعطي لنفسه الحق في تقييم العمل الفني». وعند سؤال سلماوي عما إذا كان «الأدب» علما؟، أجاب سلماوي بالنفي، قائلا: «الأدب فن.. لكن النقد علم، وهو علم شاق يتعلمه الناقد ولا يجوز لغير المتخصص أن يتعرض له، فهناك من يمضون السنوات الطوال في دراسته وينالون فيه أرفع الدرجات العلمية، هؤلاء هم الخبراء الذين علينا أن نلجأ إليهم في تقييم العمل الفني، وإذا سمحت لي المحكمة فإني أود أن أعرب عن سعادتي للإدلاء بشهادتي هذه، فقد تعودنا أن يتم اللجوء للخبراء في الدعاوى القضائية الخاصة بالموضوعات الاقتصادية أو في النزاعات الضرائبية أو ما شابه ذلك، لكن لجوء المحكمة الموقرة للخبراء في هذه الدعوى الأدبية، إنما يستوجب توجيه التحية الكاملة للمحكمة».