منطقتنا العربية ومصر بالذات مليئة بأسباب القوة الجيوستراتيجية والبشرية والمادية والتاريخية ما يؤهلها بل يرشحها لاحتلال مكانة عالمية متميزة فى القريب المنظور. ومن أهم الملفات الإستراتيجية التى يجب أن تحتل مكانا متقدما فى أولويات الاهتمام والعمل فى هذه المرحلة هو ملف رسم هوية الدولة المصرية الصاعدة ، أو بمعنى أصح رسم هوية القطب المصرى القادم إن شاء الله ، بما يجسد تفصيلا صفات وملامح ومعايير جودة ومقومات الشخصية المصرية المعاصرة ، أى القوة البشرية المصرية صانعة التنمية والنهضة المنشودة ، فهوية المجتمع والدولة هى القاطرة التى ستنادى على الجماهير من داخل ذاتها وتحشدهم نحو مشروعهم التنموى النهضوى الكبير ، وتحثهم على تفجير طاقاتهم الإبداعية وتقديم أفضل ما لديهم لخدمة شأنهم العام وهم سامين متعالين على حظ نفوسهم وشأنهم الخاص ، فهويتهم تمنحهم الوعى الكافى بأن حظهم الخاص لن يتحقق إلا من خلال نمو وتعاظم حظهم العام . وبطبيعة الحال هى مهمة المفكر السياسى يترجمها المفكر التربوى الإعلامى والثقافى والفنى على أرض الواقع فى شكل استراتيجيات ومشاريع وبرامج عمل تغذى عقل ووجدان الشعب يوما بعد يوم وكلما زاد ونما تخطيط وفعل وإنجاز الهوية نما معها سلوك وفعل وإنجاز وأرقام ونسب ومعدلات التنمية شبرا بشبر وذراعا بذراع . ومما أعتقده وأومن به ( عقائديا ، وعلميا ، وتاريخيا ) أن تخطيط وبناء وإدارة واستثمار الهوية يتم عبر مسارين أساسيين : المسار الأول : عبر حراك التدافع الطبيعى بين القوى السياسية التى خاضت تجربة مقاومة الاستبداد والتحرر منه ، واجتهاداتها الفردية فى إعادة بناء وتشكيل ذاتها الحقيقية فى عصر الحرية والبناء وهذا ما يحدث الآن كقوى إسلامية وقبطية وعلمانية وليبرالية واشتراكية ويسارية ..الخ حيث تتحرك جميعها فى إطار من الوطنية المصرية الخالصة، ونحو هدف واحد فقط هو بناء مصر الحديثة . بطبيعة الحال سيحتاج ذلك إلى فترة زمنية لا تتجاوز سنوات معدودة تستعيد فيها كل قوة قدرتها على بناء وتطوير نفسها مؤسسيا وفكريا وبشريا وماديا بشكل جيد حتى تكون قادرة على الحركة والتواصل مع المجتمع وإعادة تشكيل وحداته ثقافيا فكريا وسياسيا . المسار الثانى : مسار الدولة كنظام سياسيى ومؤسسات حكومية قادرة على التفكير والتخطيط والتنفيذ على المستوى القومى ، يجب أن تتحمل الدولة مسئوليتها سريعا ،بتأسيس مؤسسة قومية كبرى وزارة تتولى مهمة تخطيط القيم وبناء الهوية الحضارية المصرية الجديدة ، وتتولى مهمة الإشراف على تنفيذها وتطويرها ، خاصة أن هذه المهمة تعد من أولى المهمات ، وأولها فى أى مشروع تنمية يمكن أن يتم ولنا فيمن سبقنا من الأمم الناهضة الدرس والخبرة. كل هذا يدعونا لضرورة إضافة وزارة جديدة للقيم والهوية فى التشكيل الوزارى الجديد الأهداف الأساسية لوزارة القيم والهوية ، تكن مهمتها : 1 توفير كيان مؤسسى متخصص ومحترف يقوم على إعادة ضبط وتنظيم البنية القيمية للمجتمع المصرى ومراجعاتها باستمرار والعمل على تطويرها بحسب معطيات العصر وتطلعات الجماهير. 2 مراجعة وتحليل وتنقيح البنية القيمية للمجتمع المصرى حاليا والوقوف على أسباب ومصادر تشكلها وتكونها وتداعياتها القريبة والبعيدة. 3 تولى مهمة القيام بأبحاث القيم اللازمة للتنمية والنهوض وفق المعطيات المحلية والإقليمية والعالمية. 4 تولى مسئولية التخطيط القيمى السابق والمصاحب لخطط التنمية فى مصر ، وصف منظومة قيمية واضحة ومحددة للهوية القادرة على إنتاج الإنسان المصرى الربانى الوطنى المحترف القادر على التنمية والنهوض . 5 تولى مهمة مرصد لمتابعة الواقع السلوكى للمجتمع المصرى ورصد حركة التفاعل القيمى فيه وتحليلها تمهيدا لإعادة ضبطها وترشيدها وتوجيهها فى الاتجاه الصحيح للمصالح الوطنية. 6 جهة فنية واستشارية ومرجعية عليا للتخطيط والاعتماد ومشروعات البناء والتعزيز القيمى لكل أجهزة ومؤسسات الدولة الحكومية والخاصة ، وداعم أساسى للقطاع الخاص نحو التوجه إلى الإدارة بالقيم المهنية. 7 إعداد وصياغة الاستراتيجيات اللازمة لنشر وتعزيز والتمكين لمنظومة القيم الجديدة وترجمتها عمليا فى سلوك وإنتاج وإنجاز المجتمع المصرى. 5 المشاركة التأسيسية كعامل مشترك فى صياغة الإستراتيجيات الخاصة بكل المؤسسات الحكومية المختصة وممثلى القطاع الخاص والمجتمع المدنى والتى ستشارك فى إعداد الإستراتيجية الوطنية المزمع إطلاقها فى العهد الوزارى الجديد. 6 الجهة المسئولة عن إعداد وامتلاك نظرية عمل متكاملة لتنقية وتحديث وتطوير البنية القيمية المصرية ، والاستراتيجيات اللازمة لبنائها وتعزيزها لتنمية وتطوير الموارد البشرية المصرية القادرة على تحقيق التنمية والنهوض . فى المقال القادم إن شاء الله نتناول الدوافع العشر التفصيلية لإنشاء وزارة للقيم والهوية. [email protected]