نحو مشروع عربي لقيم التنمية والنهوض نحلم بوطن عربي واحد يستعيد للعروبة قوتها ومنعتها وكرامتها وعزتها بيد أن لكل رؤية طموحة يلزمها خطة إستراتيجية دقيقة ويحتاج الاثنان الى بنية قيمية ملائمة تتحقق في العنصر البشرى العربي لضمان تحقيقها وترجمتها من عالم الأفكار والنظريات الى الأرقام والحقائق . تؤكد الحقائق العلمية والتاريخية أهمية وحتمية البناء القيمى كمكون تأسيسي يمتد كعمود فقرى لنهضة المجتمعات الحديثة حيث يعيد بناء وتنظيم ورفع كفاءة وتأهيل العنصر البشرى أفرادا ومجتمعات للوفاء باستحقاقات التنمية والنهوض للمؤسسات والمجتمعات والأمم الساعية للنهوض . ذلك ما أكدته تجارب المجتمعات الحديثة كاليابان والصين بريطانيا وفرنسا و ماليزيا واندونيسيا ...الخ التي انتقلت نقلات نوعية بفضل قوة بنائها القيمى. ونحن في عالمنا العربي كدول ساعية للتنمية والنهوض وفى سياق سعينا المنهجي العلمي الحثيث لبناء مجتمع يجيد بناء مقومات الاستمرار والتجديد وتقوية الذات بحاجة لبناء قيمي علمي واع لواقعه وتحدياته ومستشرف لمستقبله بشكل جيد وواعي. أهم إشكاليات الواقع القيمى العربي سطحية وهشاشة وعشوائية وارتباك البنية والواقع القيمى حيث أن : أولا : اغلب الأدبيات والإصدارات التي المتاحة عن القيم التربوية ودورها في التنمية والنهضة دارات في فلكين اثنين أ : التأكيد على أهمية القيم وتوثيق ذلك شرعيا ومنطقيا وتاريخيا ومهنيا ب : استعراض الواقع القيمى والسلوكي الحالي والاستغراق في توصيفه وتحليله والكشف عن دورها في التخلف الحالي الذى تعانيه المجتمعات العربية. وتحليل وتفسير أسبابه ومآلاتها الحالية والمستقبلية ، ومن ثم لم تتمكن من تجاوز مساحات محدودة جدا مما يجب تحقيقه وانجازه. ومن ثم الدوران حول الموضوع دون الدخول في صلبه والموضوع الحقيقي الذى يترجمه الى أدوات فعل حقيقية للتنمية والنهوض حيث لم تنطلق الى البحث في آليات إعداد وصف منظومات القيم النوعية المختلفة بحسب الخطط والأهداف العامة التي تقررها الدولة أو المؤسسة خلال المراحل التنموية المختلفة واستراتيجيات وسياسات ومشروعات بنائها في نفوس المجتمعات والمؤسسات ثانيا : أحادية المنطلقات والمداخل التي تم من خلالها التعاطي مع موضوع القيم حتى تم التعاطي مع موضوع القيم من خلال الموروث الديني فقط مع إهمال بقية المداخل التنموية الأخرى التي يجب الدخول من خلالها هذا مع ما يعانيه من حالة كبيرة من جمود وتخلف وتقادم حيث يعانى العقل والفكر الاسلامى عامة من حالة كبيرة من الجمود والتخلف والتقادم عن العالم منذ القرن العاشر الميلادي تقريبا مما أسهمت في ضعف المعالجة والتناول ومن ثم الأثر والفعل في واقع الحياة . ثالثا : غياب الجرأة على مواجهة إشكاليات الجمود والتخلف الكبرى التي يعانى منها العقل المسلم المؤثر في البناء القيمى والتربوي في العالم العربي راجع تاريخ ومكونات المقررات التعليمية في العالم العربي خلال الخمسون عاما الماضية ومدى تأثير الفكر الاسلامى الجامد فيها والتي يعد من أهمها وأخطرها خطأ فهم التراث الاسلامى على انه ثابت ومقدس واجب الإتباع وإعادة الأحياء بالرغم من تقادم وتخلف مساحات كبيرة جدا منه رابعا : العزلة والانكفاء الكبير على الذات والعيش والجمود الكبير الذى تعيشه المنطقة العربية خاصة فيما يتعلق بالعلوم الانسانية عامة وموضوع التربية والقيم بوجه خاص تحت دعوى أن لدينا كل شيء ولا حاجة لنا في هذا الجانب من العلوم ناهيك عن نظرية العداء المستبطنة لكل ثقافة يمكن أن ترد من الخارج مما انتج حالة كبيرة جدا من الضعف والتخلف والتراجع الحضاري الكبير عن العالم . خامسا : قصر تطبيقات ومجالات الاستفادة من القيم التربوية على مجالات التربية والتعليم فقط دون النظر الى تطبيقاتها المهنية الهامة والمؤثرة في كافة مجالات الحياة الاقتصادية والسياسية والإعلامية والفنية والرياضية ... الخ كل ذلك وأكثر منه بكثير يؤكد حقيقة أننا في عالمنا العربي نعانى من حالة كبيرة من التخلف والتقادم في مجال البناء القيمى عامة على مستوى الفلسفة والأفكار الخطط والاستراتيجيات المشروعات والوسائل والأعمال مجالات تطبيق واستثمارا لبناء القيمى في تطوير العملية الاقتصادية والإعلامية والفنية والرياضية .... الخ كافة مجالات التنمية والنهوض . الكفاءات البشرية المتخصصة في مجال تخطيط وبناء القيم الأدبيات والمراجع والخبرات خاصة المعاصرة القابلة للتطبيق في حين أن البناء القيمى يمثل العمود الفقر المؤسس والمستمر لاى عملية تنمية ونهضة يمكن أن تتم ، وأن جهود التنمية والنهوض السارية الآن في العالم العربي ينقصها هذا العمود الفقري والداعم الاساسى الكبير لإتمامها ونجاحها. أسباب والبواعث المشروع مجموعة من البواعث بالغة الأهمية والخطورة بعضها داخلي والجزء الآخر خارجي داخلي : مرتبط بالمكون الثقافي التاريخي للمجتمع العربي الذى ينتمي بجذوره التاريخية الممتدة الى الثقافة العربية والإسلامية وما يعتريها من اختلالات عميقة في البنية الفكرية التأسيسية وما تلاها من انحرافات ومبالغات على مدار العصور المتعاقبة في فهم الإسلام وتطبيق مفاهيمه وقيمه على الواقع ومن ثم تكونت بنية قييمة تعانى حظا وافرا من الانغلاق والجمود والارتباك والعشوائية والتخلف في أحيان كثيرة منه وبمراجعة مراحله التاريخية المتعاقبة لا تكاد تجد بنية قيمية منتظمة ومركبة بشكل منظم ومخطط في شكل منظومة قيمية معدة خصيصا لتحقيق أهداف تنموية محددة بل مجموعة من القيم المتناثرة العشوائية التركيب تكونت وتعمقت وتجذرت في وجدان الأفراد والمجتمع بفعل مجموعة من العوامل المختلفة . ومن ثم تكونت بنية قيمية هشة وضعيفة وغير قادرة على إنتاج العنصر البشرى الحضاري القادر على ان يتحول من سوق بشرى استهلاكي لحضارة وإنتاج العالم من حوله والى استهلاك واستنفاذ موارده الخاصة الى مورد بشرى حضاري يساهم في إنتاج وتطوير الحضارة الانسانية ويحسن استثمار موارده الخاصة بشكل جيد . والبعض الآخر منه خارجي يتعلق بالتطورات الإقليمية والعالمية المستمرة والسريعة في مجالات البحث والعلم والتكنولوجيا وما أعقبها من ثورة في الادارة و الاقتصاد والسياسة والسلم والحرب أثمرت نتائجها فى تغيير الكثير من المفاهيم الكلية للبشر وفرضت واقعا قيميا عالميا جديدا يجب التعاطي معه بشكل جيد لمن أراد أن يعيش في هذا العالم الذى يتميز بسرعة الحركة والتغيير خلاصة المشهد القيمى الحالي مكون قيمي عربي متقادم و ضعيف ومرتبك شديد التأثر في عالم قوى ومنتج لقيمه التي تحقق مصالحه عظيم التأثير في كل من حوله الأسباب والبواعث التفصيلية لإعداد المشروع 1 عشوائية وارتباك البنية القيمية للمجتمع العربي حيث تتشكل من مجموعة من القيم المتباينة المتناثرة النشأة والتكوين بين الثقافة العربية والإسلامية والغربية والفارسية والهندية تكونت تاريخيا ، ولا يوجد بينها منطق رابط يجمعها في سياق واحد ويرسم لها طريق محدد الى هدف معين تسعى إليه ( أشبه بوعاء جمعت فيه مجموعة من الأشياء المتباينة التي لا علاقة لبعضها ببعض ) . 2 إشكالية تخلف وانحراف العقل المسلم في فهمه للتراث الاسلامى الذى يعد المكون الأكبر لقيم المجتمع العربى حيث يخلط في التناول بين النص الديني المقدس وبين النص البشرى الذى يمثل اجتهادا بشريا للأقدمين وفق معطيات عصرهم الذى عاشوا فيه ومن ثم يتعامل مع كل ما في تراثه الاسلامى على انه مقدس وثابت ومن ثم ينقل منه بلا مراجعة ولا تقييم ولا فهم بالإضافة الى أن هذا التراث يعتريه الكثير من الدخن والضعف والهشاشة والتخلف بفعل مراحل الصعود والهبوط المتتالية التي عاشتها الدولة الإسلامية عبر التاريخ وبفعل فاعل أحيانا . 3 عشوائية البنيان القيمى للمجتمع وارتباكه وتناقضه في أحيان كثيرة من خلال تكونه من خلال الفعل التراكمي التاريخي وليس الفكر و التخطيط الاستراتيجي والرؤية والأهداف الواضحة التي تنسج وتنظم لها منظومة قيمية خاصة في كل محطة من محطاتها التاريخية المختلفة. 4 العصر الحديث وما فرضه من مجموعة من القوانين الحاكمة ( التخصص والمؤسسية والاحتراف والفكر الاستراتيجي والتكتلات الدولية ...الخ ) ومن ثم لم تعد التربية القيمية وإعداد وحشد وتوجيه وتفعيل المجتمعات والشعوب لم تعد مسألة عادية يمكن لمؤسسات التربية والتعليم وأجهزة الإعلام وعلماء الدين أن يقوموا بها بل أصبحت تحتاج الى مؤسسات وأجهزة إستراتيجية متخصصة ( تعتبر التربية والتعليم والإعلام والأوقاف جزء من أدواتها) التنمية البشرية عامة ودراسة وتحليل سلوكيات المجتمعات والشعوب والبحث في منظومتها القيمية التي تنطلق منها وأسباب ودوافع تكونها ومآلاتها الحالية والمستقبلية وكيفية تفكيكها وإعادة تركيبها وفق المصالح الوطنية العليا . 5 تكون وسيادة ثقافة وقيم العولمة سواء أكانت أحادية أو متعددة الأقطاب وفرضها لثقافتها وقيمها على بقية العوالم الأخرى بالوسائل الناعمة والصلبة أحيانا خاصة في مسحات الفراغ والضعف القيمى من هذا العالم لخدمة مصالحها وأجنداتها الخاصة في ظل صراع انسانى فطرى محدود على المصالح ينتصر فيه الأقوى دائما. وهذا ما يطلق عليه البعض صراع حضارات هو في حقيقته صراع للقيم البعض يدخله بسلاح قوى متمثل في منظومة قيم محددة ، والآخر يدخله بدون سلاح وربما بسلاح عكسي متمثل في جملة من القيم العشوائية المفككة بعضها يخدم الآخر. 6 تجارب النهضات السابقة قديما وحديثا والتي تؤكد حتمية ومحورية البناء القيمى في نجاح اى تجربة تنموية ونهضوية حدثت أو يمكن أن تحدث خاصة في عالمنا المعاصر القريب في أمريكا و اليابان والصين وحديثا ماليزيا . 7 الفجوة الكبيرة بين ما تتطلع إليه الكثير من الحكومات العربية وما وضعته من رؤى وأهداف إستراتيجية بالغة الارتفاع والسمو وبين الواقع الموارد البشرية العربية وما تعتقده وتمتلكه من قيم تحتاج الى إعادة تفكيك جزء كبير منها ، وتركيب جزء كبير آخر في سياق منظومة قيمية واضحة ومحددة تنطلق من رؤية وخطة إستراتيجية واضحة . حتى يتمكن المجتمع العربي بما يمتلكه من موارد وقوة بشرية واعدة من أن يكون رافعة حقيقية لرؤية وأهداف الدول وتحقق معدلات التنمية والنهوض . 8 التحديات القيمية المتوقعة خلال الفترة القادمة وما تتضمنه من الموازنة الحساسة بين - التحديث والمحافظة على التقاليد - النمو المستهدف والتوسع غير المنضبط - احتياجات الجيل الحالي واحتياجات الأجيال القادمة - التنمية الاقتصادية والاجتماعية وحماية البيئة وتنميتها د / إبراهيم الديب استشاري تخطيط القيم والمحافظة على الهوية