يروى أن أحد الملوك جمع كل الرسامين في البلدة وعرض مكافأة كبيرة لمن يستطيع أن يرسم له صورة لا تظهر فيها عيوبه فقد كان هذا الملك أعرجا و أعوراً. ونظرا لصعوبة رسم صورة لا يظهر فيها هذين العيبين فقد اعتذر جميع الرسامين عن تنفيذ طلب الملك، إلا رساما واحدا وافق على ذلك مقابل حصوله على المكافأة. وظل الملك في شوق شديد وتلهف كبير – وكذلك باقي الرسامين – لرؤية تلك الصورة التي لا يظهر فيه عور الملك ولا عرجه ، وأنهى الرسام لوحته وجاء ليعرضها على الملك ويتسلم مكافأته و يا لها من لوحة رائعة حقا بدا فيها الملك كأنه في رحلة برية وهو يمسك ببندقيته ويصوبها ليصطاد غزالا، وفي وضعية الصيد هذه فإن الملك سيجثو على إحدى ركبتيه ويغمض إحدى عينيه ويركز النظر بالعين الأخرى على فريسته وفي ظل هذا المنظر يختفي عوره وعرجه. ونال الرسام مكافأته. كلنا نستطيع أن نكون مثل هذا الرسام فنرسم لغيرنا من معارف وأصدقاء وأقارب صورا في أذهاننا تختفي فيها عيوبهم لنحصل على مكافآتنا باكتشاف مزاياهم والاستمتاع بها. من منا ليس له عيوب ومن منا لا يخطئ ولكن هذه العيوب والأخطاء لا تعد شيئا إذا ما قورنت بالمزايا والحسنات عند كثير من الناس ولذلك يقول بعض البلغاء (لا يزهدنك في رجل حمدتَّ سيرته، وارتضيت وتيرته، وعرفتَ فضله، وبطنت عقله؛ عيبٌ خفيٌّ تحيط به كثرة فضائله، أو ذنبٌ صغيرٌ تستغفر له قوة وسائله، فإنك لن تجد ما بقيت مُهذَّبًا لا يكون فيه عيب، ولا يقع من ذنب( وقال يزيد المهلبي: ومن الذي ترضى سجاياه كلها كفى المرء نبلا ان تعد معايبه كثير منا يضع سلبيات الآخرين وأخطاءهم تحت المجهر ويحللها ويضخمها ويتخذ قرارا بالابتعاد عن فلان وعدم مسامحة علان وووو ، ولو أنه نظر إلى مميزاتهم وحسناتهم لاستقرت نفسه وهدأ باله وحافظ على علاقاته وتعلم منها ومن مزاياها. ما دمنا متفقين انه لا يوجد إنسان بدون عيوب إذن فأولى شخص في هذه الدنيا بأن نذكر عيوبه ونلومه عليها هو نفسك لأنها هي النفس الوحيدة التي ستحاسب عليها أمام الله تعالى قال تعالى "كل نفس بما كسبت رهينة" ولهذا كان من العقل والحكمة الانشغال بعيوب النفس عن عيوب الغير ومحاولة إصلاح النفس والارتقاء بها. قبيح من الإنسان أن ينسى عيوبه ويذكر عيبا في أخيه قد اختفى ولو كان ذا عقل لما عاب غيره وفيه عيوب لو رآها قد اكتفى لقي زاهد زاهداً فقال له: يا أخي! إني لأحبك في الله، فقال الآخر: لو علمتَ مني ما أعلم من نفسي لأبغضتني في الله، فقال له الأول: لو علمتُ منك ما تعلم من نفسك لكان لي فيما أعلم من نفسي شغل عن بغضك. وهذا لا يتعارض أبدا مع تقديم النصيحة للغير والسعي لإصلاحه برفق وحكمة لكن المقصود عدم الانشغال بالغير انشغالا يفضي إلى ترك عيوب النفس بالكلية . وقبل أن أختم أود أن أذكر بقول الحافظ بن رجب "المنصف من اغتفر قليل خطأ المرء في كثير صوابه" وختاما أقول: لا تنس أن تبدع الليلة لوحة لكل شخص تعرفه لتحصل على مكافئتك مثل ذلك الرسام دمتم بحفظ الله