قال الكاتب الصحفي عبد الحليم قنديل معلقًا على حجم الفساد في مصر إن الحملة المسعورة التي تجرى الآن ضد المستشار هشام جنينة رئيس الجهاز المركزي للمحاسبات والتي تضم العشرات من المحامين إياهم، تكلفهم الجهات إياها، ويقدمون بلاغات تطالب بعزل جنينه ومحاكمته، وبدعوى إضراره بمصالح الدولة,جاء ذلك خلال مقالة له اليوم ب"القدس العربى" الذى كان نصه كالتالى: وأضاف أن كتائب جرارة من الكتاب والصحفيين والمذيعين، كلها تفتح النار على رئيس جهاز المحاسبات، بسبب أنه يؤدى مهام وظيفته، ويتحدث عن فاتورة وتكلفة الفساد الذي يهد حيل البلد، وينخر في بدن الدولة، والذي وصلت تكلفته كما قال جنينة إلى 600 مليار جنيه في السنوات الأربع الأخيرة وحدها، بناء على تقرير رسمي موضوع على مكتب الرئيس، وبطلب مباشر من الرئاسة عبر وزارة التخطيط. وأضاف قنديل أن الخطة بدأت بخبر منشور على موقع إلكتروني أمني، حرف تصريحًا لهشام جنينة، ونسب إليه قوله إن ال600 مليار جنيه هو فاتورة الفساد في عام 2015 وحده، ورفض الموقع إياه نشر بيان تصحيح لاحق، يؤكد أن الرقم المذكور عن حساب أربع سنوات لا سنة واحدة، وكان القصد واضحًا بلا شبهة التباس، وهو توريط جنينة في وقيعة مباشرة مع الرئيس السيسي، وتصوير السيسى كما لو أنه يرعى الفساد المتفاقم، وتصوير جنينة، وهو موظف كبير فى الدولة، كمتآمر خطير على الدولة، وداعية للإثارة العامة، والانقلاب على الرئيس، وإلى آخر معزوفة اللغط الذى يثيره كهنة "الجهلوت" و"الهبلوت"، والذين يعملون فى خدمة مصالح مريبة، وفى فضائيات وصحف ومواقع إلكترونية، تمثل التحالف الأسود بين البيروقراطية الفاسدة ومليارديرات النهب العام المتحكمين فى الاقتصاد والإعلام، والذين يحاصرون الرئيس، ويسيطرون على مفاصل الحكومة، وعلى قطاع لا بأس به من الأجهزة الأمنية، إضافة لأغلب مقاعد "المينى برلمان" الجديد، ويخوضون حربا شرسة للدفاع عن مصالح تتصالح، وتضاعف سطوة وتأثير دولة الفساد التى تحكم وتعظ، وتدين بالولاء المطلق الظاهر لمؤسسها "أبو الفساد" حسنى مبارك، الذى جرى خلعه بدون أن يُخلع نظامه. ولا شبهة فى هوية هؤلاء، فهم يريدون الإيقاع بهشام جنينة، ويريدون بإزاحته «ذبح القطة» للرئيس السيسي، ويسعون إلى توريط الرئيس فى ذبح نفسه بنفسه سياسيا، وهكذا جرى تشكيل لجنة غاية فى العجب، يمثل فيها الجهاز المركزى للمحاسبات بنائب رئيسه، وليس برئيسه هشام جنينة، وتضم رئيس جهاز «الرقابة الإدارية» رئيسا للجنة، وإلى هنا يبدو الأمر مفهوما، فالمهمة المعلنة هى تقصى حقائق الفساد، وبيان حقيقة المنسوب للقاضى جنينة، لكن غير المفهوم هو وجود ممثلين لوزراء فى اللجنة العتيدة، بينما الحكومة هى نفسها المتهمة برعاية وارتكاب الفساد، وكأننا نعطى القط "مفتاح الكرار"، وقد أعطى قرار تشكيل اللجنة مدة شهر كمهلة عمل تنتهى بنهاية يناير 2016، وبما يوحى بأن الهدف شيء آخر، هو الإيحاء بأنها لجنة تحقيق مع هشام جنينة، وليس التحقق من حجم الفساد فى البلد، وبما أعطى الضوء الأخضر لحيتان الفساد، وروابط محبيه ومناصريه فى وسائل الإعلام، الذين بدأوا حملة عاتية ضد جنينة بما يشبه التفويض الرسمى لم يلتفت فيها أحد إلى حقيقة تصريحه، الذى دافع فيه بجرأة وشجاعة وشرف عما قاله، وأكد أن جهاز المحاسبات يراقب التصرفات المالية فى كل مكان، حتى فى مؤسسة الرئاسة، وفى الهيئات الاقتصادية التابعة للجيش نفسه، وأن الرئيس السيسى يعلم ويوافق ويسمح ويرحب، بينما يمتنع «نادى القضاة» على رقابة جهاز المحاسبات، رغم أنه مجرد ناد اجتماعى وتشكيل شبه نقابي، لا هيئة قضائية محصنة، وأمواله فى حكم الأموال العامة، ولم تراقب التصرفات المالية فيه منذ أن تولاه أحمد الزند، وظلت أحواله المالية مغلقة مبهمة حتى بعد أن تركه الزند، وصدر القرار القاتل بتوليه وزارة العدل، وهو القرار الذى وصفناه وقتها بأنه حكم إعدام للعدالة. ولم يعد أحمد الزند قاضيا، ولا له حصانة القضاء بعد توليه وزارة العدل، فقد صار عضوا فى السلطة التنفيذية، لا يخفى ميوله وصلاته الشخصية، فهو واحد من كبار «الفلول» بالمعنى السياسي، وهؤلاء ليسوا مجرد فلول لنظام المخلوع مبارك، الذى لم يتغير إلى الآن، بل هم «أصول» فى لعبة حصار وتعطيل وتفشيل عمل الرئيس السيسي، وقد اعترف السيسى نفسه بأن الناس لا يحسون بأى تغيير، وربط نجاح حملة مكافحة الإرهاب بالتغيير فى حياة الناس، وبالقضاء على الفساد الذى يشكو من تضخمه فى كل مناسبة، وكان توجيهه الأول فى اجتماعه الأخير مع المحافظين، مما لا يحتمل الجدل، فقد طلب إعطاء الأولوية لمحاربة الفساد، وبدون ثقة عظيمة فى إمكان تحقق الهدف، وذهب بعدها لمعاينة الانتاج الأول لشركة محاجر ورخام فى سيناء، وقال بحسب تصريحات منشورة إن شيئا لم يتغير، وعبر عن مرارته بقوله «أنتم تقولون لى الآن ما سمعته منكم قبل سنة» (!)، فالسيسى لا يفتأ يعبر عن ضيقه وتبرمه من فساد وبؤس الجهاز الإدارى للدولة، وقد سبق له أن قال «منه لله مبارك. خرب البلد»، وأضاف فى مناسبة لاحقة «ما عدش فيه حاجة فى البلد تتسرق»، كان التعبير عفويا، وعكس صدمته من الحجم المهول للنهب والسرقات العامة، وسعى إلى تنشيط دور جهاز الرقابة الإدارية، ولم يخضع لضغوط ألحت عليه بإقالة القاضى هشام جنينة، وتدجين دور الجهاز المركزى للمحاسبات، وهى الضغوط ذاتها التى تتدافع الآن، وتريد الإجهاز على هشام جنينة، وبتشكيل لجنة عجيبة، لا تبدو فيها مصلحة منظورة للسيسى، بل لا تبدو فيها سوى المصلحة الشخصية المباشرة للوزير أحمد الزند، الذى يطارد خصومه الشخصيين باسم الدولة هذه المرة، فزكريا عبد العزيز الرئيس الأسبق لنادى القضاة يحاكم الآن بتهمة التحريض على اقتحام مبنى أمن الدولة، ويراد عزله من القضاء بالتهمة المصطنعة المثيرة للسخرية والأسى، بينما التهمة الحقيقية لزكريا عبد العزيز يعرفها القاصى والداني، وهى تهمة تشرف صاحبها، فقد كان خصما عنيدا لحكم مبارك، وكان خصما لأحمد الزند وجماعته فى نادى القضاة، وهى التهمة ذاتها التى تلاحق هشام جنينة، فقد كان هو الآخر خصما عنيدا لعدوان سلطة المخلوع على استقلال القضاء، وترشح لرئاسة نادى القضاة ضد الزند بعد نهاية فترة زكريا عبد العزيز، وقد روجت جماعة الزند لإقصاء جنينة من جهاز المحاسبات، ونشروا توقعات عن إقالة جنينة مع أول يوم للزند فى وزارة العدل، وبدعاوى كاذبة ركيكة، روجت لها تقارير أمنية ملفقة، قصدت إزاحة جنينة من طريق دولة الفساد المسيطر، وهو ما نشهد ذروته الآن، مع تشكيل اللجنة التى تمثل فيها وزارة الزند، وهو ما قد يوحى للناس بما يتخوفون منه، وهو أن تصبح اللجنة أداة انتقام من جنينة، كأن تنتهى أعمالها مثلا إلى حديث عن حجم أقل للفساد مما ذكره، أو أن فاتورة الفساد لا تصل إلى رقم الستمئة مليار جنيه، وكأن خفض الرقم إلى نصفه أو حتى ربعه يعد خبرا طيبا، لا مبرر معه للانزعاج أو شن حرب تطهير، وأنه لا بديل عن التصالح مع الفساد، وعلى نحو ما جرى فى القانون رقم 4 لسنة 2012 زمن برلمان الإخوان، وفى تعديلات قانون جهاز الكسب غير المشروع، التى تحمس لها أحمد الزند، وقضت بالتصالح مع الفاسدين من كبار رجال جماعة مبارك، وروج لها أحمد الزند بعد أن صار وزيرا للعدل، وبشر المصريين بعشرات، وربما مئات المليارات التى ستعود إليهم بعد التصالح، ومرت الأسابيع والشهور، بدون أن يعود مليم واحد مما وعد به الزند، وبدون أن يسائله أحد عن تصالحات جهاز الكسب غير المشروع التابع لوزارته، فقد صمت الكل، ولم يشكل الرئيس لجنة تحقيق فى تصالحات أحمد الزند، ولا فى تصريحاته التى وعدت المصريين باللبن والعسل يجرى أنهارا، ثم لم نجن من ملياراته الموعودة سوى الحصرم، ولم يهرش فاسد واحد جيبه، بل فركوا جميعا أياديهم فرحا بفرصة الهروب من المحاكمات إلى المصالحات، بينما لا محاكمة أعادت مليما، ولا أعادت المصالحة، واكتفى الكل بالنصر المحقق، و»كفى الماجور» على خبر الفساد وسنينه. وقد لا تكون من صعوبة فى توقع نتائج العبث الذى يجرى الآن، وسواء ظل هشام جنينة محاصرا فى موقعه إلى نهاية مدته بعد شهور، أو جرت إقالته بحسب الخطة الموضوعة، التى تدرجت من حصاره بتعيين نائبين له بدون علمه، وحتى الإعداد لإقالته بتشكيل لجنة الانتقام بعضوية ممثل عن الزند، وهو أمر وارد الحدوث للأسف، ويشكل لو جرى انتصارا عظيما لدولة الفساد، وخصما عظيما من رصيد الرئيس السيسي، يجعل الفساد جيشا لا يهزم، اللهم إلا إذا أخلف الله الظنون، وظهرت الحقيقة التى نعرفها ويعرفها الرئيس، وهى أن القاضى جنينة أعد تقرير فساد الأربع سنوات بتكليف شخصى مباشر من السيسي، وأن فاتورة الستمئة مليار جنيه هى التكلفة المباشرة لفساد إدارى فى الهيئات والوزارات والمحليات، ولا تشمل فساد رجال الأعمال المقدر بالتريليونات لا بالمليارات، وأن الرقم الحقيقى للفساد الإدارى وحده أكبر بكثير من الرقم الذى ذكره جنينة علنا، ويصل إلى 900 مليار جنيه بحسب مصادر موثوقة، ولك الله يا مصر.