دخلت تركيا فعلا مرحلة يبدو أنها ستكون عصيبة جدا, فتهديدات فلاديمير بوتين زعيم روسيا جارنا في الشمال وصلت إلى درجة تنفيذ مناورات عسكرية! وفي شرقنا تقع إيران، وفي جنوبنا الشرق الأوسط الغارق في بحر من الدماء!وفي أوروبا تعلو موجة اليمين المتطرف، وشاهدنا آخر مثال على ذلك في فرنسا. وأفاد نائب رئيس الوزراء المسؤول عن الشؤون الاقتصادية محمد شيمشك بأن الاقتصاد العالمي أيضا يعاني من مشاكل وذلك يتعلق بالدول النامية مثل تركيا. فاز حزب الجبهة الوطنية اليميني المتطرف في فرنسا بقيادة "ماري لوبان بالمركز الأول في الجولة الأولى من الانتخابات المحلية في فرنسا بحصوله على 29.5% من الأصوات. وهذا بحد ذاته يشكل خطرا حقيقيا من حيث نظرة الاتحاد الأوروبي إلى تركيا. ومن المتوقع أن تشهد القمة الأوروبية في 17-18 ديسمبر تطورات إيجابية بالنسبة لتركيا. ولكننا إذا تذكرنا كيف شكلت فرنسا في عهد اليمين المعتدل برئاسة ساركوزي عقبةً أمام تركيا، يمكن لنا أن نتوقع ما قد يظهر أمامنا من العراقيل في ظل تصاعد اليمين المتطرف في هذه الدولة. وثمة سببان لتصاعد موجة اليمين المتطرف في ظل حكومة اشتراكية تحكم فرنسا منذ 4 سنوات. الأول هو الذعر الذي تمخض عن الإرهاب الممارس باسم الإسلام، ومن ذلك قيام داعش بتفجير جريدة شارلي إيبدو الذي راح ضحيته 14 قتيلا، والتفجير الأخير الذي راح ضحيته 153 بريئا في 14 نوفمبر. أما الثاني فهو انتقال أصحاب الدخل المحدود في فرنسا من الأحزاب اليسارية إلى الأحزاب اليمينية المتطرفة. كما أن معظم المحللين في الصحافة الغربية يلفتون إلى انتقال الأصوات الانتخابية من الأحزاب اليسارية إلى الأحزاب اليمينية المتطرفة. وذلك ليس مجرد انتقال من اليسار إلى اليمين بل من الأحزاب اليسارية الشيوعية إلى الأحزاب اليمينية المتطرفة. حيث وصلت أصوات لوبان إلى 40% في المنطقة الشمالية التي كانت تُعد قلعة اليساريين.
وأفادت مجلة "أيكونوميست" بأن الشيوعيين السابقين واليساريين يدلون بأصواتهم الانتخابية لصالح لوبان". وكان المحلل السياسي لوران بوفيه أفاد في تحليله المطول بأن اليسار لم يعد يعبر عن آمال وهوية أصحاب الدخل المحدود. وبالإضافة إلى ذلك فإن المخاوف من الإرهاب والمهاجرين قد أسهمت في انتقالهم من اليسار إلى اليمين المتطرف. فحين تركز البروليتاريا اليمينية المتطرفة على الهوية من الناحية النظرية، تتعطل آلة الطبقية الاشتراكية. وهذه الصورة توافق النظرية التي يمكن تلخيصها كما وصفها المحلل السياسي سيمور مارتين ليبزت بقوله: "استبداد الطبقات الاجتماعية السفلى ونظرتهم النمطية". (الإنسان السياسي 156). فالإسلاموفوبيا في أوروبا، والمخاوف من تدفق المهاجرين، وظن الأوروبيين بأن المهاجرين سيتسببون بانتشار البطالة عندهم، كل هذه الأوهام ثمرة هذه النظرة النمطية وتقوي اليمين المتطرف بنسب مختلفة في كل واحدة من الدول الأوروبية. وعلى الرغم من أن حزب ماري لوبان خفف من سمته البارزة المتمثلة في عدائه لليهود إلا أنه وصل إلى القمة في عدائه للمسلمين، وذلك ليس باسم المسيحية بل باسم الشعب الفرنسي العلماني الذي يؤيده بقوة. ولكن لاحظوا مايقوله في المسلمين الفرنسيين: "لا يمكن للمسلمين أن يصبحوا فرنسيين ما لم يتبنوا سلوكنا ونمط حياتنا المستقى من تقاليدنا المسيحية". وهذه العقلية مناهضة لانضمام تركيا إلى الاتحاد الأوروبي. إن المشاكل التي تقف كعقبات أمام انضمام تركيا للاتحاد الأوروبي، ستزداد أكثر في حال وصول ساركوزي إلى السلطة بعد أولاند في فرنسا.وهذا فضلا عن معاناتنا من القيصر بوتين، وإراقة الدماء في الشرق الأوسط، وإرهاب داعش والعمال الكردستاني. حسنا ما الذي يجب علينا فعله؟ لا داعي لإحداث مشكلة جديدة حول شكل نظام الحكم في البلاد في هذه المرحلة المشحونة بكل هذه المشاكل. يجب التخفيف من المشاحنات السياسية في الداخل، وتقوية العقل السليم. ويجب أن يوجه سلوكنا العقل والعلم، بدلا من الطفرات العاطفية.