ساركوزى مع اقتراب انتخابات الرئاسة الفرنسية المقرر عقدها في أبريل القادم، وفي ظل تراجع شعبيته وتزايد عدد خصومه، يسعي الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي لكسب أصوات اليمين المتطرف واللوبي اليهودي من خلال طرح حزبه "الاتحاد من أجل الحركة الشعبية" لمشروع قانون بين الحين والآ خر يفرض مزيدا من القيود علي الجالية المسلمة ويهمشها بدءاً بحظر النقاب مروراً بمنع الصلاة في الشوارع وعرقلة توسيع المساجد حتي سريان قانون جديد مع مطلع العام يضيق فرص المهاجرين في الحصول علي الجنسية الفرنسية والتي يراها المحللون أنه يستهدف المسلمين، هذا بالإضافة إلي قانون يجرم إنكار الإبادة الجماعية للأرمن علي أيدي العثمانيين في الحرب العالمية الأولي مما أدي إلي تدهور العلاقات التركية الفرنسية. من جديد يطل علي مسلمي فرنسا بوجه عام والمهاجرين بشكل خاص قانون جديد أقره البرلمان مع مطلع العام يضيق فرص المهاجرين في الحصول علي الجنسية وحقوق المواطنة الفرنسية بعدما تم تقديمه كمشروع قانون من قبل الحزب الحاكم الفرنسي بقيادة ساركوزي خلال يوليو الماضي. وكانت الحكومة الفرنسية قد أعلنت عن اتخاذها إجراءات لتطبيق القانون أبرزها اجتياز اختبارات جديدة شاملة في اللغة وأداء قسم الولاء للقيم الفرنسية، التي تشمل علمانية الدولة والمساواة بين الرجال والنساء، كما أن القانون ينص علي أن النقاب والجنسية لا يتفقان. ولهذا اتضح أن المسلمين هم المقصودون بشكل رئيس بهذا الإجراء عن غيرهم، لأن من نصوصه احترام العلمانية والمساواة بين الجنسين. لكن خصوم ساركوزي السياسيين اتهموه بازدواج المعايير لكسب أصوات اليمين المتطرف، لأنه هو نفسه ابن مهاجر مجري، وزوجته إيطالية. وعلقت آلين بوبيل كريمير، الناطقة باسم جماعة "نجدة من العنصرية" التي تحارب مختلف أشكال التمييز، علي هذا القانون قائلة إنه من المخيف أن نري الساسة يتحدثون علناً بلهجة عنصرية من أجل أصوات اليمين المتطرف. فيما أرجع بعض المسؤولين تنامي العداء ضد المسلمين والمهاجرين بصفة عامة في فرنسا علي طبيعة الخطاب العدائي الذي يتبناه اليمين المتطرف. واختلف وزير الداخلية كلود جيان عن الآخرين وأيد إقرار القانون الجديد، حيث قال إن علي المهاجر الالتزام الكامل بمسألة الاندماج في المجتمع الفرنسي عبر اللغة واحتضان المبادئ والقيم والرموز التي تميز ديمقراطيتها. وفي إشارة واضحة إلي المهاجرين المسلمين، الذين يشكلون الغالبية، وسط 100 ألف مهاجر يتلقون الجنسية كل عام، قال إن علي المتقدمين للحصول عليها استيعاب معني الدولة العلمانية وأهميتها والاحترام الكامل لمسألة المساواة بين الرجل والمرأة. ومن المعروف عن جيان هو الآخر تصريحاته العدائية لمسلمي فرنسا، فمع بدء تطبيق حظر النقاب قال إن بعض ممارسات المسلمين، الذين تتراوح أعدادهم اليوم لأكثر من خمسة ملايين، تسبب مشاكل وتحتاج لمناقشتها كالصلاة في الشارع تصيب عددا من مواطنينا بصدمة، فالفرنسيون لم يعودوا يشعرون أنهم في بلدهم. وكان ساركوزي قد دعا في وقت سابق لعقد نقاش بشأن الإسلام والعلمانية لبحث مخاوف من أن بعض الممارسات العلنية للمسلمين كالصلاة في الشوارع وارتداء النقاب تقوض الطابع العلماني لفرنسا. وأثار هذا النقاش بشأن الإسلام في محاولة لخطب ود الناخبين اليمينيين الذين يتزايد ميلهم نحو مارين لوبان زعيمة الجبهة الوطنية التي تمثل اليمين المتطرف وتدني شعبية حزبه إلي أدني مستوي له قبل عام الانتخابات الرئاسية. وجدير بالذكر أن لوبان هي ابنة جان ماري لوبان الذي لم يخف عداءه ضد المهاجرين وعرب شمال إفريقيا علي وجه التحديد. ورغم ما عرف عن الرئيس الفرنسي بعدائه للإسلام ورفضه انضمام تركيا إلي الاتحاد الأوروبي لأنها دولة مسلمة، إلا أنه لم يتوقع أحد أن يضحي ساركوزي بعلاقات بلاده مع أنقرة لكسب أصوات اليمين المتطرف واللوبي اليهودي في انتخابات 2012. فمعروف أن ساركوزي. ففي ديسمبر الماضي، أقرت الجمعية الوطنية الفرنسية "مجلس النواب" مشروع قانون قدمه حزبه الحاكم يجرم إنكار الإبادة الجماعية للأرمن في تركيا بين 1915 و1917. وتضمن القانون الذي تم رفعه إلي مجلس الشيوخ لإقراره معاقبة الأشخاص الذين ينكرون أو يقللون من عمليات إبادة الأرمن بالسجن لمدة تصل إلي عام واحد وغرامة 45 ألف يورو. واللافت للانتباه أن التصويت لصالح مشروع القانون جاء رغم التحذيرات التركية من عواقب إقراره علي علاقات البلدين، الأمر الذي دفع كثيرين بوصف هذه الخطوة الجديدة التي أقدم عليها ساركوزي بالاستفزازية وتتسم بالعنصرية والتمييز وأكدوا أنها لن تكون الأخيرة ضد العرب والمسلمين في عام الانتخابات الرئاسية الفرنسية. ورغم أن هناك من ربط بين التصويت لصالح قانون "الأرمن" ورغبة ساركوزي في كسب أصوات الجالية الأرمنية في فرنسا التي تصل لما يقرب 500 ألف شخص في الانتخابات المقبلة، الذين يعتبرون مصدراً أساسياً للتأييد لدي ساركوزي وحزبه قبل الانتخابات الرئاسية والتشريعية في أبريل ويونيو 2012. إلا أن ما يجمع عليه كثيرون أن الأمر يرتبط أيضاً بسعي ساركوزي ذي الجذور اليهودية للضغط علي تركيا لتحسين علاقاتها مع إسرائيل لكسب أصوات اللوبي اليهودي، هذا بالإضافة إلي محاولته استمالة اليمين المتطرف عبر خطوة عنصرية جديدة ضد المسلمين . ويري رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان أن مثل هذه القوانين التي تلعب علي مشاعر كراهية المسلم بمثابة محاولات من قبل الرئيس الفرنسي لتحقيق مكاسب انتخابية، حيث يعيش نحو خمسة ملايين مسلم، أظهر بوضوح الحدود الخطرة الذي بلغتها العنصرية، والتمييز، وكراهية المسلمين في فرنسا وأوروبا. وبصفة عامة ، ورغم التوقعات باستفزازات جديدة للعرب والمسلمين من قبل ساركوزي في عام انتخابات الرئاسة الفرنسية، إلا أن الانتقام التركي الفوري دفع البعض في فرنسا وبينهم وزير الخارجية آلان جوبيه للتحذير من عواقب إقرار قانون الأرمن علي الاقتصاد الفرنسي وبالتالي التأثير علي حظوظ ساركوزي في الانتخابات المقبلة، خاصة أن فرنسا هي خامس أكبر سوق للصادرات التركية وسادس أكبر بلد مستورد للبضائع والخدمات منها وتقدر التبادلات التجارية بينهما بنحو 12 مليار يورو سنوياً. وسيباشر ساركوزي معركته الانتخابية لفترة رئاسة ثانية وهو في وضع سياسي سيئ مع تراجع شعبيته لدي الناخبين وزيادة المرشحين المنافسين له من داخل اليمين والوسط حيث يترشح يميناً رئيس الوزراء السابق دومينيك دو فيلبان ووزير الدفاع السابق هيرفيه موران ووزيرة شؤون العائلة السابقة كريستين بوتان. علي الرغم من أن هؤلاء قد لا يتجاوز نسبة تأييد 5٪ فإنهم يشتتون أصوات اليمين ويحرمون الرئيس المنتهية ولايته منها وبالتالي فإنهم يقلصون فرص فوزه بفترة ولاية أخري. ولا يزال ساركوزي قبل أربعة أشهر من الاقتراع متخلفاً عن المرشح الاشتراكي فرنسوا هولاند الذي يشير آخر استطلاع أجراه معهد "سي أس آ" نشر في ديسمبر الماضي إلي فوز الأخير في الجولة الثانية بنسبة 62٪ من الأصوات. وأظهر الاستطلاع أنه في حال جرت الانتخابات فإن هولاند سيحصل في الدورة الأولي علي 35٪ من الأصوات مقابل حصول ساركوزي من بين 24٪ إلي 25٪ من الأصوات. ومن ناحية أخري، يري بعض المحللين أن استراتيجية ساركوزي الحالية لا تخدم مصالحه ولا مصالح الحكومة بل تؤجج الأوضاع وتقلص من فرص فوزه بولاية ثانية، خاصة بعد نشر صحيفة ليبيراسيون الفرنسية تقريرا جديدا حول قضية كراتشي يبرز هذه المرة اسم الرئيس الفرنسي في حيثياتها كأحد المتورطين فيها، بعد أن كشف مسؤول سابق في وزارة الدفاع الفرنسية ساركوزي كان علي علم ببيع ثلاث غواصات إلي باكستان، واستغلال أموال عمولات هذه الصفقة في تمويل الحملة الانتخابية للمرشح الرئاسي ادوارد بلادور. وترجع هذه القضية لعام 2002 عندما كان ساركوزي وزيرا للمالية ومؤيدا لبلادور. ففي عام 1994 أدي هجوم في مدينة كراتشيالباكستانية إلي مقتل أربعة عشر شخصاً بينهم أحد عشر فرنسياً وظهرت فرضية تتهم الاستخبارات الباكستانية بتنفيذ الهجوم، انتقاماً لوقف فرنسا دفع عمولات كانت وعدت بها خلال إبرام صفقة بيع غواصات لباكستان عام 1994. غير أن الضربة الحالية التي يحاول ساركوزي الفرار منها التي تكمن في الحالة الاقتصادية المتردية وارتفع معدل البطالة إلي 9و3 ٪ وهي أسوأ معدلات بطالة منذ 12 عاماً. وبحسب التوقعات الاقتصادية، فإن البطالة مرشحة للارتفاع في الأشهر القادمة خصوصا أن العديد من الشركات الكبري والمتوسطة أعلن عن خطط لتسريح آلاف الموظفين. ويترافق ارتفاع البطالة مع تراجع القدرة الشرائية للفرنسيين وتراجع الخدمات الاجتماعية وارتفاع في مستوي الضرائب وازدياد الاختلال في الميزان التجاري. وبسبب كل المؤشرات السلبية، فإن فرنسا قادمة علي خسارة فئتها التصنيفية الأولي لدي الوكالات الدولية الأمر الذي أصبح مسلماً به. ورغم أن الرئيس الفرنسي يستطيع القول إن المسؤولية تعود للأزمة العالمية وليست بسبب إدارته للبلاد، فإنه بحاجة إلي شبه معجزة ليقلب الميزان السياسي لصالحه وللفوز بالانتخابات القادمة إلا إذا ارتكب المرشح الاشتراكي أخطاء سياسية فاضحة أو أثبت أنه ليس منافساً متمرساً بوجه ساركوزي المعروف عنه صلابته وخبرته الكبيرة .