جاء فوز مارين لوبان ابنة الزعيم التاريخى لليمين المتطرف الفرنسى جان مارى لوبان بزعامة حزب الجبهة الوطنية الذى اسسه والدها قبل 40 عاماً ليكون بمثابة عملية تجميل للحزب الذى ملأته الندوب بفعل الافكار المتشددة للأب والتى جعلت الشعب الفرنسى يتبرأ من حزبه وأفكاره العنصرية فى بلد الحرية والعدالة والمساواة. ولم تجد الزعيمة الجديدة والتى تبلغ من العمر 42 عاماً وتمثل جيل الشباب بالحزب صعوبة فى تحقيق فوز ساحق على نائب والدها «برونو جولنيش» الذى يمثل الحرس القديم للحزب والذى يتمسك بنفس أفكار مؤسسه من العداء للمهاجرين والحفاظ على العرق الفرنسى ورفض الاتحاد الاوروبى خاصة بعد أن حصلت لوبان الابنة على أكثر من 67% من أصوات أعضاء الحزب الذى يبدو انه على موعد مع عهد جديد يتمنى كثير من المراقبين ان يكون أكثر انفتاحاً أقل وتشدداً. وعلى الرغم من أن مارين نفسها أعلنت بعد انتخابها أنها ترغب فى تحطيم الصورة التقليدية للحزب المعادية للإسلام والأجانب وأنها ستعمل بأقصى جهدها على دمج حزبها مع الاتجاهات السائدة فى الحياة السياسية الفرنسية بتحويله إلى حزب يمينى محافظ وليس متشددا كما هو الحال الآن. فإن الأمر ليس بالسهولة التى فازت بها برئاسة حزبها ليس فقط لأنها ستواجه مقاومة شرسة من الحرس القديم لليمين المتطرف. ولكن أيضاً لأنه وكما يبدو من بعض أفكارها التى أعلنتها أثناء الانتخابات أنها لا تختلف كثيراً عن افكار والدها ولكنها فقط تضعها فى صورة براقة وليست صادمة كما يفعل لوبان الأب الذى كان قد حقق مفاجأة صادمة للعالم والفرنسيين عندما احتل المرتبة الثانية فى الجولة الأولى لانتخابات الرئاسة عام 2002 قبل أن يلقى هزيمة ساحقة أمام الرئيس السابق جاك شيراك فى الجولة الثانية للانتخابات عندما اتحدت جميع الاطياف السياسية والشعبية الفرنسية ضد لوبان وافكارة المتطرفة.. فعلى الرغم من أن مارين عضوة بالبرلمان الأوروبى منذ عام 2004 فإنها تتوقع أن يكون مصير الاتحاد الأوروبى هو نفس مصير الاتحاد السوفيتى الذى انهار فى أوائل التسعينيات من القرن الماضى وهى لا تخفى مشاركتها لوالدها فى أفكاره التى تدعو لوقف الهجرة وترفض قانون الجنسية الذى ينص على منح الجنسية الفرنسية طبقاً لمكان الميلاد، بل تقترح سياسات تحول دون قدوم المهاجرين أصلاً إلى بلادها رافعة شعار «فرنسا أولاً» وقد غازلت التيار المتشدد فى حزبها قبل انتخابها بأيام بتشبيه صلاة المسلمين فى الشوارع الفرنسية بالاحتلال النازى وهى نفس الافكار المتطرفة للوبان الأب الذى على حد قوله «مارين لديها شخصية مختلفة ولكن مرجعيتنا واحدة» اى ان العملية كلها ما هى الا عملية تجميل للجبهة الوطنية المتطرفة بوجه جديد يستطيع ان يتعامل مع الاعلام وجذب مزيد من الاصوات بأفكار ظاهرها التسامح وباطنها التطرف. ومع ذلك وحتى وإن كان هذا التغيير لا يعدو عملية تجميل للظاهر وليس للباطن فانه يقلق وبشدة ساكن الإليزية خاصة أن الرئيس الفرنسى نيكولا ساركوزى على مشارف انتخابات رئاسية غير مضمونة فى العام القادم وسط انهيار كبير فى شعبيته ولا يهم ساركوزى بالطبع احتلال اليمين المتطرف المرتبة الثالثة لدى الشارع الفرنسى فى استطلاعات الرأى. ولكن الاخطر بالنسبة لساركوزى هو ان عملية التجميل التى تقوم بها لوبان قد تعنى عودة كثير من المؤيدين للجبهة الوطنية والذى تمكن الرئيس من الحصول على اصواتهم فى انتخابات 2007 نتيجة تبنيه سياسات متشددة تجاه قضايا مثل المهاجرين والأمن خاصة مع اصداره قانونا يخول للدولة سحب الجنسية من المهاجرين اذا لم يندمجوا فى المجتمع الفرنسى، ومع تبنى لوبان الابنة نفس الافكار وبصورة ناعمة بخلاف والدها ذات الافكارالمتطرفة التى جعلت الجميع فى فرنسا ينفر منه فأنها قد تكون قادرة ليس فقط على استعادة اصوات هؤلاء ولكن ايضاً استعادة كثير من اصوات اليمين الفرنسى عموماً وحزب «الاتحاد من اجل حركة شعبية» الذى يتزعمة ساركوزى بصفة خاصة، وهو الامر الذى إذا حدث فانه قد يسبب مشكلة كبيرة لساركوزى الذى يعانى بالفعل من انخفاض كبير فى شعبيته فى مواجهة اليسار المتصدر استطلاعات الرأى حتى الآن وهو ما يعنى ان لوبان الابنة لديها فرصة العام القادم لتحقيق مفاجأة الاب فى انتخابات 2002 ولكن هذه المرة سيكون الضحية الرئيس ساركوزى نفسه!