لاشك ان استشراء الفساد في مصر بهذا الشكل «الفاجر» في السنوات العشرين الاخيرة كان أحد أهم الأسباب المباشرة لانفجار الشعب المصري المعروف عادة بصبره الشديد على الظلم، وتحمله الكثير من الغبن، غير ان «فجور الفساد».. وبجاحة الفاسدين.. ووقاحة المفسدين.. كل ذلك كان فوق كل تحمل.. وكل تصور. واغرق طوفان الفساد جميع مظاهر الحياة في مصر خلال حكم «الرئيس المخلوع حسني مبارك» وشمل جميع الصعد، والشرائح، وتم «نسجه» و «تضفيره» في شتى الامور الحياتية، فلم ينج من قاذوراته الا من رحم ربي، وضاعت القدوة، وتقزمت مُثل الحق والعدل والخير والجمال، امام جحافل الظلم والرشوة والشر والقبح. وفي عهد مبارك تسبب الفساد في تدهور الاقتصاد، وتم فرض الضرائب المجحفة، وخصوصاً في عهد يوسف بطرس غالي، وتضاعف عدد المواطنين المصريين تحت مستوى خط الفقر، وعرفت مصر طوابير الخبز في اغلب محافظاتها، وشهدت المخابز ازدحاماً غير مسبوق، حتى كانت الناس «تتقاتل» بالمعنى الحرفي للكلمة فيسقط القتلى والجرحى في طوابير الخبز، فضلا عن كبار السن والمرضى الذين ماتوا نتيجة الاجهاد وعدم تحمل الوقوف ساعات طويلة. ووصل الفساد الى «الدم» الذي يجري في العروق، مع ما عرف بقضية توريد الدم الفاسد لوزارة الصحة والتي اتهم فيها احد المقربين من سدة الحكم وعضو مجلس الشعب عن الحزب الوثني المنحل. وتفجرت المفاسد فيما عرف بالعشوائيات التي احاطت بمدن واحياء مصر، احاطة السوار بالمعصم في انتظار لحظة الفتك والانتقام، مع الخوف الدائم من «ثورة الجياع»، .. وجاء سقوط «صخرة الدويقة» ووفاة واصابة 174 مصرياً من ساكني العشوائيات ليكشف عن تغلغل الاهمال كعرض اصيل للفساد، وهو نفس الاهمال الذي اغتالت يده السوداء ركاب العبارة «السلام 98» الذين فاقوا ال 1000 مصري، ليلحقوا بإخوانهم غارقي العبارة «سالم اكسبرس» ال 464 مصرياً، دون ان يرمش للحكومات الفاسدة المتعاقبة جفن. ولو كان لدى النظام الحاكم السابق احساس بمشاعر الشعب، لتحرك هذا الاحساس مع احتراق اجساد مئات المصريين في قطارات الموت التي استمرت منذ 1992 وحتى 2002 بشكل شبه سنوي، لتلتهم ألسنة الفساد والاهمال اجساد المصريين البسطاء من مستخدمي القطارات المتهالكة. ووسط هذا الكم الزاكم للانوف من الفساد والاهمال كان على المصريين التعايش مع خليط هائل مفزع من اخبار الثراء الفاحش الناجم عن الفساد الفاجر، من عمولات بعشرات الملايين تذهب لاشخاص بعينهم، وسرقات هائلة، واستيلاء على اغلب اراضي المحروسة القابلة للاستيلاء، وظهرت طبقة المليارديرات، و«السوبر» مليارديرات الذين سارعوا لحماية فسادهم بحصانات برلمانية، وتزاوج غير شرعي بين الفساد والسلطة، ادى لعدم الالتفات للعديد من البلاغات والاستجوابات ضد الفساد والمفسدين والفاسدين. ... وبينما أستعد للتعمق أكثر في «مسألة الفساد» في بر مصر وقع بين يدي كتاب رائع للخبير الاقتصادي المحترم عبدالخالق فاروق، يحمل عنوان «اقتصاديات الفساد في مصر (1974 – 2010)، يلقي الضوء على العالم السفلي للاقتصاد في مصر منذ بداية تطبيق سياسة الانفتاح الاقتصادي وحتى عام 2010. وللحديث بقية غداً باذن الله، حسام فتحي [email protected] twitter@hossamfathy66 أدخلُ هذه الواحةَ.. ليس ثمة مرسومٌ وطنيّ، أو نداءاتٌ لشُرَط جوالين.. يتحلقون المساءات؛ «من يحمل إذن المرور؟» أدخلُ لا أرى الجنود عند المنافذ.. بقلوبهم الإسمنتية، وخياشيمهم الممطوطة! لا أحسُ لأحذيتهم العملاقة.. قعقعةً فوق طينتي الهشّة.. أتأكد أن جسدي منطقة حُرّة؛ فقد توارى البصاصون، ونسي المصوُر.. بللورته - ذات الاثنى عشر ضلعا - معلقة.. كسروال قديم.. على ذراع السؤال! مختار عيسى (بينهما برزخ)