قالت المحكمة كلمتها فى قضية قتل متظاهرى السيدة زينب .. وأصدرت أحكامًا بالبراءة لصالح ضباط قسم الشرطة الذين اتهموا بقتل الثوار!! وقرار المحكمة لم يلق قبولا بالطبع من أسر الشهداء الذين تجمعوا فى ميدان التحرير ليعبروا عن استيائهم، ويؤكدون أنهم سيثأرون من قتلة أولادهم بأنفسهم .. وذهب بعضهم إلى القول بأن القضاء قد تقاعس فى الحصول على حقوقهم وأنهم سوف ينفذون قانون الله كما جاء فى القرآن، فمن قُتل يقتل. والحكم القضائى يمثل صدمة لأسر الشهداء ولكنه كان متوقعًا من الناحية القانونية، فالقضاة لا يصدرون أحكامهم طبقاً لقناعتهم أو عواطفهم الشخصية، وإنما طبقا للأوراق والمستندات والحجج القانونية. ومن الناحية القانونية فإن المتهمين كانوا يؤدون واجبهم فى الدفاع عن قسم الشرطة فى مواجهة ما وصفه الدفاع بأنه نوع من الهجوم على القسم ومحاولة اقتحامه والاستيلاء على السلاح الموجود بداخله. ومن الناحية السياسية والثورية فإن الذين أطلق الرصاص عليهم كانوا ثوارًا يتظاهرون من أجل قضية عادلة، وماتوا وهم شهداء يبحثون عن الحق ويسعون إلى مقاومة المنكر والباطل. وسوف يستمر الجدل فى ذلك طويلاً، فهناك من سينظر إليهم على أنهم من الشهداء الذين ضحوا بأرواحهم فى سبيل الوطن، وهناك من سيدفع ويتساءل عن علاقة الثورة بمحاولتهم اقتحام أو حرق أقسام الشرطة. وأيا ما كان الجدال، فإن هذا الحكم القضائى فى هذا التوقيت سيكون نوعاً من الوقود لمشاعر غاضبة من أسر الشهداء فى كل محافظات مصر، والذين سينظرون إلى حكم البراءة على أنه إهدار لدماء الشهداء .. وعلى أنه مقدمة لبراءة جميع المتهمين فى قضايا مماثلة، وعلى أن التمهيد أيضا لصدور حكم بالبراءة فى حق الرئيس المخلوع ونجليه من التهم المنسوبة إليهم. وحقيقة الأمر فإنه وضع بالغ التعقيد والحساسية ، فلابد من احترام أحكام القضاء مهما كان اختلافنا معها، وإلا تحولنا إلى حكم الغاب حيث لا شريعة ولا قانون ولا سلطة .. ولابد أيضا من ابتعاد رجال القضاء فى أحكامهم عن كل المؤثرات والضغوط التى يمكن أن تدفع بالعدالة فى اتجاه مغاير .. كما أنه من المهم فى كل الحالات أن يبتعد الإعلام عن تقييم أحكام القضاء سواء كان ذلك سلبًا أو إيجابًا، فقبول رجال القضاء بالمديح يستوجب عليهم قبول الانتقاد والذم، وفى كلتا الحالتين انتقاص لهيبة القضاء ومكانته. غير أن هذا لا يعنى أن نتوقف عن المطالبة بالإسراع فى إجراء المحاكمات لمبارك ورموز نظامه، وكل الذين احتجزوا فى سجن طرة لاتهامات تتعلق بالفساد أو التورط فى قتل والتحريض على قتل المتظاهرين ، فالتأخير المستمر فى النظر فى هذه القضايا، وعدم إصدار أحكام قاطعة بشأنها يثير أجواءً من الشكوك ليست فى صالح العدالة، لأن البعض ينظر إلى التأجيل المستمر على أنه امتصاص للوقت حتى يهدأ الثوار وحتى تبرد هذه القضايا ..!! [email protected]