انتشرت دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب سريعا في أنحاء نجد و ما حولها و أصبحت أغلب قبائلها و مدنها و قراها و قد دخلتها دعوته و تأثر معظم أهلها بها حتى دخل أتباع الشيخ مكة و المدينة بعد ذلك و أزالوا كثيرا من القباب الأثرية في مكة ، كقبة السيدة خديجة ، وقبة كانت على المكان الذي وُلِدَ فيه النبي صلى الله عليه وسلم ، وقبة مولد أبي بكر وعلي رضي الله عنهما. وفي المدينة رفعوا بعض الحلي والزينة الموضوعة على قبر رسول الله صلى الله عليه وسلم . توفي الشيخ محمد بن عبد الوهاب في ربيع الآخر عام (1206ه = 1792م) و لم تمت دعوته بل زاد انتشارها و انتشار نفوذ أتباعه في أنحاء الجزيرة العربية كلها و كان الشيخ محمد بن عبد الوهاب قد خاطب شيوخ و علماء الاستانة في ذلك الوقت يدعوهم إلى انكار المنكر و الشركيات التي كانت تحدث في بلاد العالم الاسلامي و يدعوهم إلى تبني منهج التوحيد و نبذ الشرك و الخرافة و يحملهم مسئولياتهم تجاه هذا الأمر الخطير ، إلا أنه لم يجد منهم تجاوبا بل بدأو يثيرون السلطان العثماني عليه و على دعوته . شعرت الدولة العثمانية التي كان يسيطر على فكر مشايخها و علمائها الطرق الصوفية و خراب العقيدة ، فكانوا لا يغارون لتوحيد ينتهك و لا لعبادة توجه لغير الله من ذبح و نذر و دعاء و استغاثة ، شعرت أن سلطانها و خاصة في مكة و المدينة اهتز و بدأ نفوذها يزول عنهما فمكةوالمدينة موطن الحرمين الشريفين وموطن الرسول صلى الله عليه وسلم . أرسل السلطان العثماني ( محمود الغازي ) إلى محمد على باشا حاكم مصر الرجل القوي في أن يبعث قوات لتأديب الوهابيين باعتبارهم خارجين عن طاعة السلطان . بدأت متزامنة مع ذلك دعاية مسمومة ضد الشيخ و دعوته تحذيرا و تكفيرا لهم و وصفهم بالخوارج تزامن ذلك مع غرض المستعمرين ( المستخربين ) الذين كانوا يسيطرون على معظم العالم الاسلامي و لهم الكلمة في معظم بلدانها ، و قد علموا من تجاربهم و خبرتهم أن أخطر شيء عليهم هو الاسلام الخالي من شوائب الشرك ، فهو بمثابة القوة الدافعة إلى التحرر من سيطرتهم ، و كانت تجربة صلاح الدين الأيوبي الذي ما استطاع أن ينتصر عليهم و يعيد الشام و القدس إلى حظيرة الاسلام إلا بعد أن طهر مصر من الرافضة العبيديين الذين أفسدوا و نشروا الأضرحة و الشركيات في الأمة – و ما زالت آثار فعالهم حتى الآن - ، و تحول الأزهر الذي نشأ رافضيا إلى مذهب أهل السنة و الجماعة. فخاف المستعمرون من دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب من إعادة الكرة عليهم إذا تعدت دعوة الشيخ بن عبد الوهاب حدود الجزيرة و بدأت تنتشر في أرجاء العالم الاسلامي . و معلوم أن المستعمرين ( المستخربين ) لم يدخلوا بلدا إلا و قربوا أهل البدع و الشرك لأن هؤلاء هم مطيتهم في الوصول إلى أغراضهم ( انظر ما فعلوا بالعراق بتمكين الرافضة من الدولة ، و انظر ما يفعله سفراء أمريكا من الحرص على حضور الموالد الصوفية و مؤازرتهم ) تلاقت تلك الأمور لتكوّن جبهة ضد دعوة الشيخ بخلع ألقاب التكفير و الوهابية علي دعوته – فهم الذين أطلقوا ذلك الاسم على دعوة الشيخ - ، و عمدوا إلى مفكرين و علماء – يراهم الناس كذلك- لهذا الغرض استطاع محمد علي باشا بعد عدة حروب - مني في بعضها بالفشل - الانتصار على اتباع دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب حتى كانت حملة ابنه ابراهيم عام 1818م التي حطم فيها الدرعية ، و نكل بأتباع دعوة الشيخ ، و قبض على الأمير عبد الله بن سعود و أرسله إلى الأستانة ليلقى حتفه هناك . اتُهمت الدعوة الوهابية في جملة الحملة الفكرية و الاعلامية ضدها بالخروج على الدولة العثمانية . يقول الدكتور عبد الله الفقيه في رده على سؤال هل خرج الشيخ محمد بن عبد الوهاب على السلطان في الفتوى رقم (38667) بموقع فتاوى الشبكة الاسلامية : " ولم يخرج الشيخ محمد عبد الوهاب على الخلافة العثمانية، هذا كذب محض واختلاق، فمعلوم لكل من قرأ شيئاً من التاريخ أن الأشراف في مكة كانوا هم نواب السلطان العثماني في بلاد الحجاز، وهؤلاء الأشراف ما كادوا يسمعون بدعوة ابن عبد الوهاب في الجزيرة حتى خافوا على أنفسهم منها، ورأوا أنها ستسلبهم الإتاوات والسحت الذي يأخذونه من القبور المقامة في بلاد الحجاز، وعلموا أن من دعوة ابن عبد الوهاب هدم القبور وتحريم الذبح لها والصلاة عندها، ولذلك سيروا جيوشهم الجيش تلو الجيش يحارب ابن عبد الوهاب في نجد، ولم يقم الشيخ بأكثر من رد العدوان عن نفسه وعن دعوته.. فأين كان في هذا خارجاً على السلطان!؟" . و رسائل الشيخ ، و عبد الله بن سعود إلى السلطان العثماني و إلى الشريف أحمد بن سعيد شريف مكة ، و إلى والي مصر محمد علي تنضح بالرفق و الولاية و الدعوة إلى الله و الدفاع عن التهم التي قيلت في حقهم و لا يتسع المقام لذكرها ( راجع هذا الرابط http://saaid.net/monawein/sh/1.htm) و بالرغم من الانتصارات العسكرية و بشاعة التنكيل الذي ارتكبته كتائب ابراهيم باشا في الدرعية و غيرها ، لم تستطع أن تقضي على فكر و منهج الشيخ محمد بن عبد الوهاب ، بل كانت من أهم أسباب انتشار فكره و الثناء عليه من كثير من المفكرين و العلماء في العالم الاسلامي و من غير المسلمين ، وقد بقيت دعوة الشيخ كامنة في النفوس يتدارسها علماء نجد والحجاز وغيرهم" حتى قامت الدولة السعودية الحديثة عام 1902م على يد الأمير عبد العزيز بن عبد الرحمن آل سعود ، مؤكدة تمسكها بدعوة الإمام محمد بن عبد الوهاب ، و قامت على نشرها ، و كانت دعوة الشيخ هي عماده الفكري في تأسيس الدولة ، و كان أنصار و أتباع الدعوة الوهابية هم رجاله و قوته التي بسط بها سيطرته على نجد و الحجاز فيما سمي بعد ذلك بالدولة السعودية عام 1932م . و من تعليقات بعض المؤرخين عن انتشار دعوة الإمام محمد بن عبد الوهاب : يقول العقاد (( ولم تذهب صيحة ابن عبدالوهاب عبثا في الجزيرة العربية ولا في أرجاء العالم الإسلامي من مشرقة إلى مغربه , فقد تبعه كثير من الحجاج وزوار الحجاز , وسرت تعاليمه إلى الهند والعراق والسودان وغيرها من الأقطار النائية ,و أدرك المسلمون أن علة الهزائم التى تعاقبت عليهم إنما هي في ترك الدين لا في الدين نفسه . وأنهم خلفاء أن يستردوا ما فاتهم من القوة والمنعة باجتناب البدع , والعودة إلى دين السلف الصالح في جوهره ولبابه )) عباس محمود العقاد , الإسلام في القرن العشرين , ص 86 و يقول أرنولد في كتابه ( الدعوة إلى الإسلام) (( وفي القرن العشرين نشطت حركة الدعوة إلى الإسلام في البنغال نشاطا ملحوظا , و أرسلت طوائف كثيرة ينتمي أهلها إلى تأثير الحركة الوهابية الإصلاحية , دعاتهم يتنقلون في هذه المناطق , ويطهرون البلاد من بقايا العقائد الهندوكية بين الكفار)) توماس أرنولد , الدعوة إلى الإسلام , ص 239 و من أقوال بعض المنصفين عن دعوة الشيخ محمد بن عبدالوهاب يقول طه حسين في كتابه (( الحياة الاسلامية في جزيرة العرب )) ص13،14 واصفا دعوة محمد بن عبدالوهاب ((قلت إن هذا المذهب الجديد قديم معنى ، والواقع أنه جديد بالنسبة إلى المعاصرين ، ولكنه قديم في حقيقة الأمر ، لأنه ليس إلا الدعوة القوية إلى الإسلام الخالص النقي المطهر من شوائب الشرك والوثنية . هو الدعوة إلى الإسلام ، كما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم خالصاً لله ، ملغياً كل واسطة بين الله وبين الناس . هو إحياء للإسلام العربي وتطهير له ، مما أصابه من نتائج الجهل ، ومن نتائج الاختلاط بغير العرب. فقد أنكر محمد بن عبد الوهاب على أهل نجد ، ما كانوا قد عادوا إليه من جاهلية في العقيدة والسيرة ، ... ولولا أن الترك والمصريين ، اجتمعوا على حرب هذا المذهب وحاربوه في داره بقوى وأسلحة لا عهد لأهل البادية بها – لكان من المرجو جداً أن يوحد هذا المذهب كلمة العرب في القرن الثاني عشر ، والثالث عشر الهجري ، كما وحد ظهور الإسلام كلمتهم في القرن الأول).)) وقال أيضا : "إذا كان الوهابيون لم يستطيعوا تكرار الفتح الإسلامي ، فقد استطاعوا أن يُبرهنوا على إمكانية تحقيقه ، أو على الأقل استطاعوا أن يدعموا حجة الرافضين للحل التغريبي ". كتاب خواطر حول الوهابية. و كتب علامة الشام محمد كرد علي بحثا بعنوان ( اصل الوهابية ) اختتمه بقوله (( وما ابن عبدالوهاب إلا داعية هداهم من الضلال وساقهم إلى الدين السمح , وإذا بدت من بعضهم فهي ناشئة من نشأة البادية , وقلما رأينا شعبا من أهل الإسلام يغلب عليه التدين والصدق والإخلاص مثل هؤلاء القوم , وقد اختبرنا عامتهم وخاصتهم سنين طويلة فلم نرهم حادوا عن الإسلام قيد غلوة ، أما الغزوات التي يغزونها فهي سياسية محضة ، ومذهبهم برئ منها، وما يتهمهم به أعداؤهم زور لا أصل له " )) القديم والحديث , محمد كرد علي , ص 120 و يقول الزركلي في كتابه ( الأعلام - الجزء السابع ) عن الشيخ محمد بن عبدالوهاب (( وكانت دعوته , الشعلة الأولى للنهضة الحديثة في العلم الإسلامي كله , تأثر بها رجال الإصلاح , في الهند ومصر , والعراق , والشام وغيرها )) و قال السيد محمد رشيد رضا عن محمد بن عبدالوهاب (( قام يدعو إلى تجريد التوحيد , وإخلاص العبادة لله وحده , بما شرع الله في كتابه , وعلى لسان رسوله خاتم النبيين عليه الصلاة والسلام , وترك البدع والمعاصي وإقامة شعائر الإسلام المتروكة وتعظيم حرماته المنتهكة )) و من غير المسلمين يقول لوثروب ستودارد في كتابه (حاضر العالم الإسلامي ) (بلغ العالم الإسلامي في القرن الثاني عشر الهجري , أعظم مبلغ من التضعضع و الانحطاط , فأربد جوه ,وطبقت الظلمة كل صعق من أصقاعه , ..... وبينما العالم الإسلامي مستغرق في هجعته , ومترنح في ظلمته , إذا بصوت يدوي في قلب الصحراء في شبه الجزيرة العربية , مهد الإسلام , فيوقظ المؤمنين ويدعوهم إلى الإصلاح والرجوع إلى سواء السبيل , والصراط المستقيم , فكان الصراخ بهذا الصوت إنما هو المصلح المشهور محمد بن عبدالوهاب الذي أشعل نار الوهابية واتقدت ثم أخذت هذا الداعي يحض المسلمين على إصلاح النفوس واستعادة المجد الإسلامي القديم )) حياة الشيخ محمد بن عبدالوهاب وحقيقة دعوته , الأستاذ الدكتور سليمان بن عبدالرحمن الحقيل , الطبعة الأولى 1999م , ص 210 و يقول برنارد لويس :(( وباسم الإسلام الخالي من الشوائب الذي ساد في القرن الأول نادى محمد بن عبدالوهاب بالابتعاد عن جميع ما أضيف للعقيدة والعبادات من زيادات باعتبارها بدعا خرافية غريبة عن الإسلام )) العرب في التاريخ , ترجمة نبيه أمين ومحمد سيف زائد. هذا غيض من فيض مما ذُكر عن دعوة الشيخ المجدد محمد ابن عبد الوهاب من منصفي الأمة و عقلائها و من غيرهم ، ممن وزنوا الأمور بميزان العقل و الشرع ، و ما زالت دعوته حاضرة إلى الآن غضة طرية و غصة في قلوب أهل الأهواء و البدع و الخرافات و من ساندهم من المستخربين الذين لا يريدون بالعالم الاسلامي و العربي أي خير . و لما عجز أعداء تلك الدعوة المباركة عن إيقاف زحفها و محو أثرها راحوا ينعتوها بألقاب و أوصاف أرادوا منها تنفير الناس عن دعوته و البعد عنها مثل وسمهم إياها بالوهابية أو الخوارج أو المتطرفين أو غير ذلك من النعوت التي لم يستطيعوا غيرها لعجزهم البادي عن إيقاف سيرها و استمرارها في اكتساب أعوان و أنصار لها بالرغم من مرور زمن طويل على دعوته إلا أن نقاء أصلها و سمو هدفها أكسبها مصداقية فاق أثرها و تعدى خيرها . رحم الله الشيخ الامام المجدد محمد بن عبد الوهاب فنحسب أنه قد صدق فيه قول المصطفى صلى الله عليه و سلم ((إن الله يبعث لهذه الأمة على رأس كل مائة سنة من يجدد لها أمر دينها ))صحيح أبي داود/ 4291 من أراد المزيد فليراجع هذا الرابط http://www.saaid.net/monawein/index.htm صلاح الطنبولي [email protected]