لو تركت النصيحة لفضل أدب أو حيازة علم أو كثير عبادة لكان التيار الإسلامى أبعد الناس عنها ، ولكن العاقل اللبيب لا يستغنى عن النصيحة ولا يرتفع عنها ولا يأنف من تكرار سماعها فالدين النصيحة كما قال المعصوم صلى الله عليه وسلم . والحركة الإسلامية أحوج ما تكون الآن إلى النصيحة وقد فتح الله لها قلوب العباد وأطراف البلاد وباتوا على بعد خطوات من كراسى الحكم وتبوء المكانة التى حجزها الظالمون لأنفسهم طيلة عقود طويلة . فقد ظلت الحركة الإسلامية طيلة ستة عقود تسام سوء العذاب وضيفًا دائما على السجون والمعتقلات وكأنها ما بنيت إلا لهم ولا شيدت إلا من أجلهم فحفظتهم وحفظوها وبين جدرانها تربوا وتعلموا وفى شدتها انصهرت سبائكهم فاستبان الصادق من الدعى وأصحاب العزمات من الذين يحسبون كل صيحة عليهم . فتذكروا إخوانى وأنتم تخطون خطواتكم الأولى فى عالم الحكم والقيادة عقودًا صادقنا فيها الخوف ولازمنا القلق وضمتنا جدران سجون موحشة اجتمعت فيها علينا ظلمات بعضها فوق بعض ظلمة الأسر وظلمة السجان ومرارة القهر والحرمان . تخلى عنا القريب ونسينا البعيد ولسان حالنا يقول : يا وحدنا . وكم من سنوات مرت ونحن نوقن أننا هلكى لا محالة فأبواب السجون مطبقة وكل اتصال بالعالم الخارجى منقطع فلا نرى إلا السجن والسجان .. تذكروا حينها أن الذى آنس وحشتنا وخفف محنتنا هو الله تعالى " وكان فضل الله عليك عظيما " وأن الذى أخرجنا من ظلمات الأسر وغياهب النسيان هو الله تعالى " قل بفضل الله وبرحمته فبذلك فليفرحوا هو خير مما يجمعون " وأن الذى أمر الزنازين أن تلفظنا هو الذى أمر الحوت أن يلفظ يونس عليه السلام وكما أنبت عليه شجرة من يقطين كسانا من فضله ورزقنا من كرمه وأعطانا بغير حساب . فلا يغرنكم اليوم تكالب الناس عليكم فإنما هو امتحان وابتلاء إن نجونا منه فى الدنيا فأعدوا له جوابا يوم القيامة يوم تبلى السرائر ويسألكم الله عن عباده ماذا فعلتم بهم ولهم ... وإذا ما فتحت لكم غدًا قصور القبة والعروبة ورأس التين أبوابها وضمتنا حجراتها وجلستم على مقاعدها الوثيرة فتذكروا سجون طرة والنطرون والوادى الجديد ودمنهور وأبوزعبل وحينها اخفضوا رءوسكم تواضعًا لله تعالى كما فعلها حبيبكم محمد صلى الله عليه وسلم وهو يدخل مكة وتذكروا أن النعم أوابد تهرب كما يهرب الطير وقيدها الشكر فأكثروا من شكر الله " ولولا فضل الله عليكم ورحمته لاتبعتم الشيطان إلا قليلا " ولا تقولوا " إنما أوتيته على علم " بل هو محض فضل الله علينا الذى آنسنا من وحشة وأطعمنا من جوع وكسانا من عرى وأمنا من خوف وشد من عزماتنا يوم أن أراد مبارك ورجاله الفتك بنا فى سجونهم البغيضة . ولا يحملنكم عداوة البعض لكم على ظلمهم فإن الظلم ظلمات يوم القيامة والله لا يرضى عن القوم الظالمين فانشروا العدل وزنوا بالقسطاس المستقيم " ولا يجرمنكم شنئان قوم على ألا تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوى " ولا يحملنكم بغض إنسان على أن تغمطوه حقه فقد جربتم الظلم وذقتم مرارته فاجتهدوا فى رفع المظالم ورد الحقوق إلى أصحابها . وتذكروا أن الله قد ادخركم لمثل هذا اليوم واصطفى آخرين لقوا ربهم طيلة عقود الظلم مابين قتيل بطلقة أو صريع بصعقة أو مقهور فى زنزانته .. وآخرين تدلوا على أعواد المشانق صابرين محتسبين فاذكروهم اليوم ولا تنسيكم الأيام حقهم وعرفوا الشعب على مآثرهم وأخلاقهم قولوا له إن موكب الشهداء لم يبتدىء يوم الخامس والعشرين من يناير ولكنه مستمر على مدار عقود متتالية يختار خيرة شباب الوطن .. تذكروهم فقد وقفوا ضد مبارك فى وقت لم يكن أحد يجرؤ أن يقول له " لا " ولكنهم قالوها وتحملوا ومضوا إلى سبيل ربهم محتسبين . وأخيرًا لا تسخفنكم التفاهات فتجركم إلى معارك جانبية كتلك التى نراها على الفضائيات ولكن اعزموا وتوكلوا على الله فالشعب يريد أن يأكل ويتعلم ويعالج ويجد مسكنًا لائقَا فاجتهدوا فى تحقيق الأولويات " ومن يتوكل على الله فهو حسبه إن الله بالغ أمره " [email protected]