لم تكد تمر ساعات على العقوبات التي فرضتها أنقرة ضد باريس على خلفية "قانون الأرمن"،إلا وفوجئ الرئيس نيكولا ساركوزي بضربة موجعة جديدة قد تقضي تماما على حظوظه في الانتخابات الرئاسية المقبلة ألا وهي إعادة فتح ملف إبادة الجزئرايين إبان فترة الاستعمار الفرنسي. ففي 23 ديسمبر، وبعد ساعات من إقرار الجمعية الوطنية الفرنسية "البرلمان" مشروع قانون يقضي بتجريم إنكار وقوع ابادة جماعية تعرض لها الأرمن على يد الأتراك العثمانيين في الفترة بين عامي 1915 و1918 ، اتهم رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان فرنسا بارتكاب "إبادة جماعية" في الجزائر. وقال أردوغان في مؤتمر صحفي بث وقائعه التليفزيون التركي:"ارتكبت فرنسا مذبحة بحق ما يقدر بنحو 15 بالمائة من سكان الجزائر بداية من عام 1945 ،هذه إبادة جماعية". ولم يكتف أردوغان بما سبق، بل إنه اتهم الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي بتزكية كراهية المسلمين والأتراك سعيا وراء مكاسب انتخابية، قائلا :" إذا كان ساركوزي لايعلم شيئا عن الإبادة الجماعية في الجزائر، فإن بإمكانه أن يسأل والده بال ساركوزي الذي خدم في صفوف الجيش الفرنسي في الجزائر خلال أربعينيات القرن الماضي، إنني متأكد أن لديه (بال ساركوزي) الكثير من الأمور ليخبر بها نجله عن المذبحة الفرنسية في الجزائر". واللافت للانتباه أن تصريحات رئيس الوزراء التركي جاءت بعد ساعات قليلة من استدعاء أنقرة السفير التركي في باريس تحسين بوركوغلو كما جاءت بعد إعلانه أن بلاده ستقطع الاتصالات السياسية والاقتصادية والعسكرية مع فرنسا. وبالنظر إلى ما عرف عن ساركوزي من عنصرية ضد المسلمين، فإن تصريحات أردوغان وجدت على الفور آذانا صاغية في الجزائر، حيث كشفت مصادر برلمانية هناك أن نوابا يريدون إعادة فتح النقاش حول مشروع قانون تجريم الاستعمار الفرنسي،على خلفية الأزمة الدائرة بين أنقرة وباريس بسبب قانون الأرمن. ونقلت صحيفة "القدس العربي" اللندنية عن المصادر السابقة القول إن نوابا ينتمي معظمهم إلى أحزاب التيار الإسلامي في الجزائريريدون استغلال تصريحات رئيس الوزراء التركي باتهامه فرنسا بارتكاب إبادة ضد الجزائريين من أجل إعدة فتح النقاش حول مشروع القانون، الذي سحب قبل أن يتمكن البرلمان من مناقشته، دون أن تتحمل أية جهة رسمية مسئولية ذلك. ويعتبر هؤلاء النواب أنه من غير المعقول أن البرلمان الفرنسي يريد تجريم تركيا بسبب إبادة الأمن، ويتجاهل البرلمان نفسه الجرائم التي اقترفها الاستعمار الفرنسي في حق الشعب الجزائري طوال 132 سنة من الاستعمار، بل إن ذات البرلمان كان صادق في عام 2005 على قانون يمجد الاستعمار الفرنسي، ويثني على دوره الإيجابي في نقل الحضارة إلى الشعوب التي كانت محل استعمار، وهو القانون الذي كان أثار حينها استياء جزائريا واسعا ، وكان أحد الأسباب التي أدت إلى إجهاض اتفاقية الصداقة التي كان البلدان يستعدان للتوقيع عليها لقلب صفحة الماضي بينهما. ورغم أن نوابا بالبرلمان الجزائري حاولوا مرتين على الأقل صياغة قانون تجريم الاستعمار الفرنسي وفشلوا في إقراره، إلا أن الظرف الذي تمر به الجزائر حاليا يدعم فرص ظهور قانون تجريم الاستعمار الفرنسي، خاصة وأن هناك انتخابات تشريعية جديدة الربيع المقبل. ولعل تصريحات المتحدث باسم حزب جبهة التحرير الوطني الحاكم في الجزائر ترجح أيضا صحة ما سبق، حيث أكد أن اتهام رئيس الوزراء التركي لفرنسا بارتكاب إبادة في الجزائر، ليس إلا تعبيرا عن "مطلب تاريخي" للجزائريين ، قائلا في تصريحات لوكالة "فرانس برس" إن أردوغان لم يقم سوى بالتعبير عن مطلب تاريخي للجزائريين، ردا على قانون يجرم إنكار إبادة الأرمن. والخلاصة أن محاولات ساركوزي ذي الجذور اليهودية لتركيع تركيا ودفعها لتقديم تنازلات فيما يتعلق الخلافات مع إسرائيل وأرمينيا لن تجدي نفعا ، بل إنها تلقت ضربة موجعة عندما بظهور دعوات لفتح النقاش في الجزائر مجددا حول قانون تجريم الاستعمار الفرنسي ، وهو الأمر الذي يهدد بقوة فرصه في الانتخابات الرئاسية المقبلة.