بعد سقوط مبارك.. ظهرت دعوة "مريبة" فى الخطاب الإعلامى الخاص.. ومن المعرف أنه إعلام مملوك لرجال جمال مبارك.. ومعروفون بالاسم.. ولهم ملفات فساد لم تُفتح بعد بسبب ما يملكونه من سلطة إعلامية عدوانية قادرة على ردع أية محاولة رسمية لفتح ملفاتهم فى الفترة الانتقالية. هذه الدعوة شرعت فى الفصل بين "المجلس العسكرى" و"الجيش".. بزعم أن الأول "سلطة سياسية" تحكم فعلا ولا تتعالى على النقد أو "التجريح". الدعوة فى بدايتها بدت منطقية، غير أنها لم تكن بقصد ما أُعلن بشأنها.. إذ تطور الخطاب الإعلامى فى عدوانيته نحو تجريح الجيش ذاته ومحاولة النيل من معنوياته.. بالتزامن مع تحريك مجموعات فى الميادين والشوارع توجه الشتائم والكلمات والإشارات البذيئة وبالإصبع إلى جنود وضباط الجيش. بمضى الوقت ومع تواتر الأحداث فى سياق واحد وتصويبها نحو هدف واحد.. وهو استفزاز الجيش والتحرش به وجره إلى مواجهات دامية مع المتظاهرين.. بدا المشهد ليعضد من التقارير الرسمية وغيرها، والتى تحدثت على "مؤامرة" تستهدف إسقاط الجيش المصرى ذاته. هذا "المخطط".. تأسس فيما يبدو على "وعى تاريخى" بالسيرة الذاتية للدولة المصرية الحديثة منذ نشأتها وحتى الآن.. فمن الثابت أن الجيش هو الذى أسس النواة الأولى للدولة المصرية بمفهومها الوطنى الحديث.. ولعله من الأهمية هنا أن نشير إلى الجيش هو أول من أحال "الأقباط" من "ذميين" إلى "مواطنين".. حين فرض عليهم أداء الخدمة العسكرية مع المسلمين مقابل سقوط "الجزية". وظلت هذه النشأة حاضرة فى بنية الدولة منذ عام 1805 وحتى الآن.. حيث يتبوأ الجيش المصرى منزلة مركزية ومحورية فى تماسك الدولة وتحصينها ضد الانهيار.. حيث ارتبط الاستقرار بوجود مؤسسة عسكرية قوية ومنضبطة ومتماسكة، ما جعل وجود الدولة مرهونا بوجود هذه المؤسسة الوطنية العريقة فى كامل لياقتها العسكرية الانضباطية. جميع الثورات التى شهدتها مصر.. منذ محمد على وإلى ثورة يوليو 52 وثورة يناير 2011.. كان الجيش المصرى طرفا فيها.. إلا ثورة 19 لوجوده فى مهمة قتالية خارج الحدود: فى السودان وبعض المناطق الإفريقية القريبة الأخرى. ولعل الوعى بهذه العلاقة.. علاقة الوجود بين الجيش والدولة.. هو ما حمل على توجيه جهود قوى الثورة المضادة.. والفلول ورجال الأعمال الطفيليين الذين أثروا ثراءً فاحشًا من فساد عهد مبارك ومؤسساته المالية والإدارية والأمنية.. صوب المؤسسة العسكرية بهدف إسقاط الدولة أو على الأقل إضعافها وجعلها غير قادرة على أن تحاسب الفاسدين.. وتنشغل فى لملمة الانقسامات الداخلية ولأجل غير مسمى. [email protected]