لم تكن (س.م) سعيدة فى حياتها الزوجية، فقد ابتلاها الله بزوج قاسي القلب، فظ المشاعر، جاف الأحاسيس، تعاني دائمًا من تجاهله وإهماله لها، لكنها كانت صابرة محتسبة، حريصة على استقرار بيتها والحفاظ على أبنائها من الضياع والانحراف، إلى أن أراد الله تعالى أن تعاني من مرض خطير، إذ أصيبت بالسرطان، فلم يتحمل الزوج، وأخبر أهلها بأنه لا يستطيع أن يمرضها، واقترح أن تأتي أمها لتخدمها، وتخدم الأبناء، لكن الأم رفضت، وفضَّلت أن تمرض ابنتها في منزلها، وبالفعل أحضر الزوج زوجته إلى بيت أهلها، ومن لحظتها لم تطأ قدماه عتبة منزلهم، وظلت الزوجة تعاني المرض الخطير، وتعاني إهمال الزوج، حتى توفاها الله بعد عامين. أما (ه.ص) فعندما أصيبت بمرض نادر لم يدخر زوجها وسعًا في عرضها على الأطباء، ولم يبخل عليها بالمال لشراء الأدوية الغالية، وكان يحملها بحب ورضا إلى العيادات والمستشفيات، ويصم أذنيه عن كل من ينصحه بتوفير ماله ووقته، بدعوى أن مرض زوجته ميئوس منه، وحينما ماتت الزوجة بعد معاناة مع المرض رفض الزواج بعدها حرصًا على أبنائه، فعوضه الله خيرًا في أزواج بناته الذين يعاملونه كأب، فكانوا يتركون زوجاتهم يقمن على خدمته بعد أن خلا عليه البيت. غالبا ما يكشف مرض الزوجة المعدن الحقيقي للزوج، كما يكون بمثابة اختبار لدرجة تحمله وصبره على البلاء، ومقياس لمقدار حبه وتمسكه بها في حياته، كما أن أزواج كثر لا يدركون الأهمية القصوى لزوجاتهم وحجم مسؤولياتهن الجسام التي يتحملنها إلا حال مرضهن..
فمن الأزواج من يصبر ويحتسب ويكون لزوجته خير معين وداعم معنوي ومادي حال مرضها، لا يمل خدمتها، ولا يألو جهدًا لرعايتها ورعاية الأبناء وتسيير أمور البيت التي كانت تقوم بها وهي صحيحة البدن مثل النحلة الدؤوب التي تمنح العسل لأسرتها دون مقابل سوى جَني سعادة العطاء والتفاني في خدمة شريك العمر وفلذات الأكباد، وذلك رغم ما يتكبده الزوج من تضاعف أعبائه المادية لإتمام ذلك لسد مواطن العجز وملء الفراغ الذي أحدثه مرضها.. فربما يضطر إلى إحضار خادمة وأحيانًا مربية، إضافة إلى شراء الوجبات الجاهزة من المطاعم وتنظيف وكي الملابس خارج المنزل..
وعلى الجانب الآخر هناك من الأزواج من يستثقل مرض زوجته ولا يصبر عليها، ويملها ويتخلى عنها سريعا ويبخل عليها بالمال، وربما طلقها وتزوج بأخرى وأرسلها إلى بيت أهلها تخلصا من مسؤوليته عنها، دون اكتراث بظروف مرضها القاسية ودون تقدير لمشاعرها وحالتها النفسية، وكأنه يعاقبها على ما لم ترتكب، وكأنه ضامن بقاءه معافى من كل سوء في بدنه طيلة حياته!..
المؤسف والعجيب في الوقت نفسه، أن الكثير من الأزواج يبحثون عن الاهتمام والرعاية حال مرضهم ويجعلون زوجاتهم يرافقنهم في كل الأوقات للسهر على راحتهم وتمريضهم ودعمهم معنويًا، وقد يكون مرض كل منهم بسيطا لا يحتاج إلى كل هذا الجهد المضني والسهر لليالٍ متواصلة، في حين يتبرمون ويتذمرون سريعا إذا ما مرضت زوجاتهم، وتنتابهم حالة من الأنانية واللامبالاة ويزيدهن رهقا ويضاعفون من آلامهن، ويحملونهن ما لا طاقة لهن به..
إن مفهوم الأسرة ما هو إلا مفهوم اجتماعي يتبادل فيه كل الأطراف مساندة ومساعدة بعضهم بعضًا في أوقات المحن والأزمات، كما أن الزوج في التكوين الأسري أكثر استفادة من الزوجة نظرًا لأن عطاء المرأة يفوق عطاء الرجل، فهي تضحي وتتألم وتتنازل أكثر منه، فلا يضره أن يقف بجوارها وقت أزماتها الصحية التي قد تتعرض لها، ولا يتنكر لدورها وتضحيتها من أجله وأجل الأبناء، بل عليه أن يتقي الله فيها ويقوم على رعايتها ما استطاع إلى ذلك سبيلا لأنه مسؤول عنها أمام الله يوم القيامة..
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما من عبد يسترعيه الله عز وجل على رعية، يموت يوم يموت غاشًا لرعيته، إلا لم يجد عرف الجنة يوم القيامة"، رواه البخاري ومسلم.