في خبر يثير من الضحك أكثر مما يثير من الغضب أعلن بعض رؤساء الأحزاب المصرية الحكومية – يسميها الناس أحزاب الأنابيب – عن خبر تشكيل حكومة ظل ، تولى فيها كل رئيس حزب منصبا وزاريا يوازي منصب نظيره في الحكومة المصرية الحالية ، ولم يعين في هذه الحكومة رئيس وزراء ، ربما لأنهم آثروا حقن الدماء على هذا المنصب لأنه لن يأتي أبدا! حكومة الظل معروفة ومعترف بها في الديمقراطيات العريقة التي تقوم على الانتخابات النظيفة الشفافة ، وتعبر عن الميول الحقيقية والرغبات الدفينة للناس ، وتجعل تداول السلطة ممكنا ، بل أمرا طبيعيا .. ومن ثم يكون تشكيل حكومة الظل مسألة تلقائية ؛ لأن الحزب المعارض الذي يشكلها يتأهب تأهبا حقيقيا لتولي مقاليد الحكم في البلاد ؛ وينبغي على زعمائه أن يكونوا على وعي بالقضايا الأساسية التي تجب معالجتها ، والمشكلات الراهنة أو القديمة التي يجب التصدي لها ، ووضع الحلول المناسبة التي تسهم في تجاوزها أو التقليل من مضاعفاتها .., أمر طبيعي في الديمقراطيات الحقيقية ، وليس الديكورية ؛ أن تتشكل حكومة ظل من جانب المعارضة تتسلح بالعلم والمعرفة ووضع الخطط الملائمة من وجهة نظرها ، وبناء على مشروعاتها الحزبية والفكرية والثقافية ، وتستفيد بمعطيات قواعدها الشعبية في التعامل مع القضايا الحيوية والإستراتيجية . أما غير الطبيعي ؛ فهو تشكيل حكومة الظل ، في ظل نظام بوليسي فاشي لايعرف لرحمة ولا التسامح ، فضلا عن عدم إيمانه أصلا بما يسمى تداول السلطة ، أو انتقال الحكم من حزب إلى آخر.. ويبدو أن السادة رؤساء الأحزاب الأنبوبية في بلادنا ينسون أن بلادنا لاتعرف شيئا اسمه الديمقراطية الحقيقية ، ويؤمن نظامها البوليسي الفاشي بشيء اسمه ( الديكور) ، أي الإيهام والتضليل وخداع الرأي العام الداخلي والخارجي بصور غير حقيقية عن الديمقراطية والحرية .. فهو لايؤمن بقيام أحزاب لها قاعدة شعبية أو جماهيرية ، ولا يسمح بإصدار الصحف بطريقة طبيعية ، ولا يتنازل عن الصحف المؤممة ، ولا قلاع المحطات الإذاعية والقنوات التلفزيونية التي يملكها الناس ؛ كي تكون حرة مستقلة ، كما يهيمن على قطاعات العمل والحياة في كل المجالات بحيث لاتمضي ولا تتحرك في ظل رقابة بوليسية صارمة ترفض التفاعل مع الإرادة الشعبية والاستجابة لندائها الحق. رؤساء الأحزاب الحكومية يثقون ثقة مطلقة أنهم بلا قواعد شعبية ، ولذا يشتركون مع النظام في لعبة الخداع للشعب المصري البائس ، ويقبلون بعطايا السلطة من معونات وخلافه ، لتظل أحزابهم مثل خيال المآتة توهم الغرباء والذين لايعلمون أنها تعبر عن اتجاهات سياسية وفكرية حقيقية .. ويتناسون أن الحزب الذي يأخذ الأمور بجدية كاملة يكون مصيره التجميد أو الإغلاق ، مع المطاردة ، والسجن أحيانا لبعض الزعماء والرموز . لدينا أكثر من عشرين حزبا ، لاأعرف أسماءها جميعا ، أعرف بعضها وحسب ، وتلعب السلطة في أدمغة هذه الأحزاب بالترغيب والترهيب ، وما أسهل أن تحدث انشقاقا داخليا في كل حزب عند اللزوم ، وإذا استعصى الحزب على الانشقاق أو إحلال الفريق الموالى للنظام بدلا من الفريق المعارض ، فإنها تنزل عليه لعنة التجميد أو الإلغاء ! لقد كان للأحزاب الأنبوبية دور مهم في بعض المناسبات الحكومية التي تهم النظام البوليسي الفاشي؛ ومنها على سبيل المثال مناسبة انتخابات رئاسة الجمهورية في سبتمبر الماضي 2005م؛ فقد قامت مجموعة من هذه الأحزاب بترشيح رؤسائها أمام الرئيس الدائم والمستمر ؛ لتضفي نوعا من الشرعية والديكور على ديمقراطية النظام البوليسي الفاشي ، وكافأتهم السلطة بنصف مليون جنيه لكل مرشح من هؤلاء . وقد رأي الناس منظر رئيس أحد الأحزاب وهو يحمل نصف المليون الخاص به في كيس أسود ويدخل به إلى سيارته الصغيرة بعد خروجه من بنك مصر الذي قام بالصرف منه .. وحصل المذكور على نحو ثلاثة آلاف صوت من بين عشرة ملايين صوت ؛ هي مجموع أصوات الناخبين المفترضين ! حكومة الظل في بلادنا نكتة تثير قليلا من الابتسام ، لأن الناس على يقين ن أن السلطة لن تسمح بتداول السلطة من تلقاء نفسها ، ولن تتفضل بالديمقراطية على أبناء شعبنا ، ولن تقيم حياة حزبية صالحة رغبة في إصلاح الأحوال السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية .. وكان الأولى بزعماء الأحزاب الذين ألفوا حكومة الظل ، أن يكونوا أكثر اتساقا مع أنفسهم وضمائرهم ، ويعلنوا للشعب حل أحزابهم الديكورية الأنبوبية كي لايجملوا الوجه القبيح للنظام البوليسي الفاشي ، بدلا من إطلاق نكتة حكومة الظل!!.. بيد أنهم للأسف جزء من هذا النظام ، ولاحول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم .