حتى قبل تطور الأحداث أمام مجلس الوزراء.. لم تكن ثمة "قضية" لدى المعتصمين أمام مقر الحكومة.. فقط كان محض احتجاج محدود على اختيار الجنزورى خلفًا ل عصام شرف. عندما تحول الاحتجاج السلمى إلى مواجهات دامية واستهداف المرافق العامة ومحاولة حرق البرلمان واحتلال مقر الحكومة، وتدهور الوضع الأمنى فى المنطقة المحيطة بميدان التحرير، وسقط ما يقرب من 12 ضحية، بالإضافة إلى مئات المصابين.. ألقت فضائيات الفتن السياسية "طوق النجاة" لمشعلى الحرائق وسط القاهرة.. وبعد أن كان الاحتجاج بلا مطالب جوهرية واقتصر على رفض تسمية الجنزورى.. فإن فاتورته وتكلفته الباهظة لم تكن مقنعة، وظهر فجأة مطلب جديد من على الفضائيات مفاده "إجراء انتخابات مبكرة على مقعد الرئاسة". انتقل "المطلب" من على "الهواء مباشرة" إلى المتظاهرين فى الميدان.. وبات لهم "قضية" تستحق هذه التكلفة الكبيرة والمؤلمة من قبيل إعادة "غسل" المواقف.. ولتلقط هذا المطلب قوى سياسية مصابة بالبلادة وفقدان القدرة على الخيال والإبداع، ل"تنافق" و"تزايد" على الشارع، ولتجعل منه "قضية" حقيقية تستحق كل هذه التضحيات التى قدمت خلال أقل من شهر وخلفت نحو 50 شهيدا من فلذات الأكباد. المدهش أن أحزابا سياسية كبيرة ناضلت من أجل عدم المساس ب"الإعلان الدستورى".. انضمت إلى كتائب المزايدين والمطالبين بالانتخابات الرئاسية المبكرة، رغم أنه مخالف للدستور المؤقت الذى نال موافقة الشعب عبر صناديق الاقتراع. المشكلة أن المزايدات على ميدان التحرير.. لا تعكس فقط "العشوائيات" المنتشرة فى "عقل" الطبقة السياسية، وإنما "الدروشة السياسية" التى تنتاب غالبيتهم فى حلقات الذكر التى ينصبونها فى الاعتصامات المتعددة وما انفكوا يلجأون إليها منذ اندلاع أحداث محمد محمود ومجلس الوزراء من بعده. الانتخابات المبكرة ليست فقط مخالفة دستورية.. وإنما تعتبر "هدية" يقدمها الليبراليون والتيارات التى تسمى "مدنية" لأى مرشح إسلامى لمقعد الرئاسة.. لأن الأخير والحال كذلك سيكون هو الأقرب للفوز إذا أجريت الانتخابات فى أواخر يناير القادم. أعلم أن الإسلاميين هم الأوفر حظا للمنصب.. سواء أجريت فى موعدها بحسب الجدول الزمنى الذى قررته السلطات العسكرية، أو قبل ذلك وفق مطالب ما بعد أحداث مجلس الوزراء.. غير أن العبرة هنا فيما يكشفه هذا الطلب من "انفعالات" غير مدروسة.. وأنه محض "مزايدات".. أو "نفاق سياسى" وربما يكون "استغفالا" للشعب كله. [email protected]