المشهد الذى يرسمه بعض الإعلاميين والعلمانيين لمصر مشهد أحادى بامتياز، مشهد تم تثبيت الكاميرا فيه على نقرة بحجم السنتيمتر الواحد فى ملعب جولف يمتلئ بكل أشكال الحفر. لا أصدق كيف يمكن أن تؤدى الخصومة مع فصيل آخر فى الوطن نفسه إلى هذه الدرجة من الوضاعة وعدم الحيادية والتربص والتخويف. قد أجد مبررًا لهذا التخوف الغربى من الإسلام الذى يرونه من خلال مناظيرهم التى طالت عدساتها شوائب كثيرة جعلت الرؤية الصحيحة فى غاية الصعوبة، أما إن يصل نفس التخوف إلى نفوس من ولدوا وعاشوا ودرسوا وعملوا فى بلدان المسلمين فإن التخوف لا يكون مستهجنًا فحسب وإنما مثير للريبة تجاه أصحابه. لست على يقين إن كانت آذان سدنة الإعلام العلمانى وعقولهم تعمل بشكل سليم أم أن خللا ما أدركها، فهم يتلقون الإجابة عشرات المرات على نفس أسئلتهم التافهة المغيبة ومع كل ذلك لا تبدو عليهم أدنى علامة لفهم أو أية نية لتوقف. بلدة لا تظهر منه على شاشات مراصدهم فى كوكبهم المشرق إلا وجه واحد من ألف وجه لها، بلدة عظيمة مترامية الأطراف تتجاوز مساحتها مساحة استديوهات 6 أكتوبر وماسبيرو مجتمعة، وتمتد حدودها أبعد من حدود ميدان التحرير والعباسية ومصطفى محمود بكثير، وبالمناسبة فإن معظم سكانها يعيشون فى شريط ضيق على ضفاف النيل ولم يروا فى حياتهم شرم أو الغردقة أوالساحل الشمالى. ليتهم يبحثون عن أهل مصر الحقيقيين ببشراتهم الداكنة، وأجسادهم المنهكة ووجوههم المتعبة، حتى يتعرفوا إليهم عن قرب، ويعرفوا أحلامهم الحقيقية ويتفاعلوا مع آلامهم الحقيقية. فلا أظن أن أيًا من هؤلاء الإعلاميين المحلقين فى سماوات المثالية جرب من قبل قسوة قرصة جوع لا يلوح معها شعاع شبع تقرص كل ليلة نصف شعبى، ولا أظنهم يتخيلون كيف يمكن أن تتكور أجساد أسرة بأكملها لتحتل أقل مساحة ممكنة فى ليلة من ليالى يناير القارسة لأنها لا تملك إلا بقايا غطاء مهترئ يلتحفون به. وعلى الأغلب لم يختبروا شعور القهر عند الوقوف مع أكثر من 11 مليون مصرى فى طوابير المرضى الذين ينتظرون دورهم فى جرعة علاج كيماوى أو دواء للسل أو حقنة لفيروس الكبد. وعلى الأرجح لم يذوقوا ألم تكميم الأفواه،وغصة وأد الأحلام وتهديد الأرزاق، وروعة قلب طفل أو امرأة من دقات زوار الفجر المفزعة على أبواب الشرفاء. وظنى أن مشهد هذه الكائنات التى تتشابك وتلتصق بأعجوبة بسلالم الأتوبيسات وتقفز كالبهلونات بين وسائل المواصلات لا يثير بأنفسهم سوى شعور بالمرح من هذه الكائنات المصرة على ممارسة هواياتها الخطرة. الناس أيها الإعلاميون الفضلاء أعطوا أصواتهم للتيار الإسلامى ليس جهلا ولا رجعية ولا تخلفًا، وإنما تعلقًا بأملهم الأخير للانتشال من هذا الوحل الذى غمستهم عصابة مبارك فيه. وبعد أن نثرنا بعضًا من مشاكلنا بين أيديكم فابحثوا لنا معشر الليبراليين والعلمانيين عن حلول، ودعوا ميدان الكلام قليلا إلى ميدان العمل، وحولوا جهدكم فى معارك البيكينى والخمور إلى جهد حقيقى فى معركة تحقيق العدالة والحرية والكرامة الإنسانية لنعلم أنكم تحملون همنا وتتكلمون بلساننا وإذا نجحتم فى ذلك فلكم كل الحق أن تهتفوا ما شئتم بعدها بعلو أصواتكم واابيكيناه. [email protected]