شاشة ولوحة مفاتيح وقضية عادلة، هي كل أدواتك التى تحتاجها اليوم لتخوض معركة رابحة. للمرة الثانية أوالعاشرة أو الألف يثبت الفيسبوك أنه البوق الأعلى صوتا في ساحة المعارك الإعلامية اليوم، ويؤكد من جديد أنه السلاح الأكثر فاعلية في الأعوام الحالية وربما القادمة، وذلك ليس على صعيد الأنظمة المستبدة فحسب، بل وعلى صعيد مواجهة الشخصيات والكيانات والهيئات مهما بلغ حجمها وقويت سطوتها. لم يفلح امبراطور المال والاعلام الأول فى مصر بآلته الإعلامية الجبارة ودولاراته المنثورة بسخاء وجيش إعلامييه وتابعيه الجرار، لم ينجح كل ذلك في الصمود كثيرا أمام دعوة صغيرة قام بها بعض الشباب على ساحات الفيسبوك لمقاطعة ساويرس وشركاته داعين لأخذ موقف إيجابي صارم تجاه أفعاله التى تؤذي مشاعرالأغلبية من شركائه فى سفينة الوطن. اندلعت عاصفة الغضب الشبابية تلك بسبب تلك الرسوم الكاريكاتورية الساخرة التى نشرها ساويرس على صفحته الخاصة بتويتر، ساخرا فيها من بعض المظاهر الخاصة بالمسلمين. للوهلة الأولي ولو حكيت لك هذا الحدث مجردا من كل اعتباراته وملابساته، فربما كان أول ما يجول بخاطرك أنها ردة فعل عنيفة ومبالغ فيها من قبل هؤلاء الشباب ولا تتناسب مع حجم الجرم الذي ارتكبه ساويرس، ولا ينبغي أن تأخذ هذا المنحي التصاعدي الخطير، وخاصة بعد أن أعلن الرجل اعتذاره عن فعله مبررا ذلك بأنه كان مجرد مزاح. إذا كان هو رأيك المبدئي فأرجو منك ان تقرأ الملابسات الآتية ثم أعد بعدها قراءة الحدث ثانية، لتقرر هل هى ردة فعل طبيعية ومبررة تجاه هذا الساويرس أم لا؟ 1. توقيت الحدث وهو توقيت فى غاية الحساسية، فلم نكد بعد نخرج من أزمة فتنة طائفية قاصمة، وقد نزع فتيل اشتعالها فى اللحظات الأخيرة بجهود مضنية من أبناء الوطن المخلصين ومن عقلاء الطرفين، وما أن بدأت النفوس تهدأ وتعود المياه إلى مجاريها، حتى جاء ساويرس وصب زيتا على النار التى كادت أن تنطفئ، ونفخ على الرماد الذي أوشك أن يخمد، مما لا يحتمل معه أبدا أن يكون الأمر مزاحا بريئا كما ادعي هو. 2. الأمر الثاني وهو شخصية ساويرس المستفزة نفسها، فهو أكثر العلمانيين الموجودين الآن على الساحة المصرية تطرفا وبجاحة كما يعلن هو مفتخرا فى مواقف عدة متحديا فيها مشاعر شركاء وطنه المسلمين، فقد صرح أكثر من مرة برفضه المشروع الاسلامي ككل، وليس السياسي فحسب، ولكنه يريد استئصال المظاهر الاسلامية من المجتمع المصري تماما، ولم يقف كرهه ورفضه عند حدود التمني بل عبر عن ذلك بقوله وفعله صراحة وبلا ادني مواربة، مرة بأنه لن يقبل بالديمقراطية التى تأتي بالاسلاميين، وأعلن صراحة على شاشة قناته تأذيه وقلقه من انتشار الحجاب والمحجبات فى شوارع مصر، وقام بشكل سافر باصدرا قرار بمنع المحجبات من الظهور على شاشات قنواته الاعلامية ومنعهم كذلك من دخول مطعم وكازينو الشجرة الذي يمتلكه. 3. كراهية الناس لامبراطورية الاعلام المستفزة التى يحركها ساويرس بامواله كيفما شاء والتى نجحت حتى الآن فى حمايته من المساءلة، ووصل للناس شعور صريح ان ساويرس فوق المحاسبة، وأن جميع الأجهزة الرقابية والاعلامية تتعامي عن وجوده، وكأن الكعكة التى تكالب عليها رجال الأعمال الفاسدين فى عهد مبارك لم يكن لساويرس نصيب فيها، فهو بريئ الذمة من كل نقيصة طاهر الذيل من كل تهمة. 4. ليس لساويرس شخصيا أي رصيد عند الشعب المصري بسبب مواقفه وتصريحاته المشبوهة، والتى تعددت وتنوعت بداية من مواقفه المعلنة قبل الثورة وأثنائها والداعمة صراحة لمبارك وحكومته، والمخوفة من رحيل مبارك والنظام، مرورا بدعوته الصريحة لفض اعتصام التحرير ثم بدوره المشبوه أثناء الثورة وتشكيله لجنة الحكماء التى أراد بها أن يجهض الثورة فى مهدها، ثم بالانقلاب الكبير بعد الثورة، وبعد ان كان من سدنة النظام السابق المنتفعين بخيراته، صار فجأة مناضلا وثوريا يعلم الناس أصول النضال. 5. اعتذار ساويرس نفسه جاء مستفزا ويحتاج فى ذاته لاعتذار آخر عنه، فلم يشعر بمدي جرح مشاعر المسلمين من مزاحه السمج، واكتفي بالقول أن المصريين للأسف قد فقدوا حس الفكاهة وكأن المشكلة صارت الآن فى المصريين الذين لم يقبلوا المزاح برموزهم الدينية، وبالطبع لا احتاج ان أسأل ساويرس وامبراطوريته الاعلامية عن رد فعله لو وضع مرشد الإخوان مثلا الرسمة نفسها على أحد القساوسة وإحدي الراهبات. من المؤكد أن ساويرس قد خسر كثيرا بهذا الاستعداء الذي تسبب هو فيه بسوء تقديره وبعنجهيته، بل وربما كان هذا المزاح السمج هو القشة التى ستقسم ظهره الاعلامي وربما الاقتصادي، وربما كان هذا هو المسمار الأخير الذي يدق فى تابوت حزب ساويرس وتطلعات السياسية. فبعد أن تنامي دوره السياسي سريعا فى الفترة الأخيرة، جاءت هذه القشة لتقسم ظهره وتعرض خارطته السياسية وخارطة كل من يرتبطون سياسيا واعلاميا باسمه في هذه المرحلة، وبدأ هذا التغير فى خارطته السياسية بتلك الصفعة التى مني بها باستقالة مجموعة من المؤسسين عن الحزب، معلنين رفضهم للسير في ركابه، بعد ان صار من المخاطرة بمكان ربط مصيرهم بمصيره المجهول ومصير حزبه المشبوه. أخشي ما أخشاه أن يتسبب أمثال هذا الساويرس في زيادة حالة الاحتقان التى تمر بها مصر، وأن يؤدي بسوء تقديراته وأفعاله إلى زيادة العزلة الشعورية بين شركاء الوطن الواحد أو يتسبب فيما هو أكبر من ذلك. الأيام القادمة لا تزال حبلي بالأحداث والتطورات التى ترسم بقية الصورة للمشهد فى مصر، إلا أن المؤكد للجميع حتى الآن، أن هناك خطوطا حمراء لا يقبل فيها التجاوز، وأن هناك أمورا لا يقبل اللعب بها، وأن هناك أخطاء لا يصلح معها الاعتذار، ولا يكفي لتكفيرها الندم، وربما كان هو الدرس الأمر الذي تلقنه ساويرس والذي حتما سيدفع ثمنه فى مستقبله القريب والبعيد. أيمن السكري [email protected]