- باحثون مصريون: تدنى مستوى الجامعات المصرية دفع بعض الطلبة للهروب إلى الجامعات العبرية - تقرير إسرائيلي: 5595 طالبًا وباحثًا مصريًا تقدموا للدراسة فى "التخنيون".. والمعهد وافق على 600 فقط - رشيقة الريدي: استقطاب تل أبيب للباحثين تجنيد علمى.. وبعض المؤسسات البحثية المصرية تدفعهم للذهاب إلى إسرائيل - د. هانى الناظر: المخابرات الإسرائيلية تستغل شبكات الإنترنت لاستقطاب ضعاف النفوس من المتفوقين - د. طارق حسين: «الأعلى للجامعات» لن يعادل شهادة صادرة من جامعات تل أبيب
"كل شخص فى هذه القاعة لديه صديق أو فرد من أفراد عائلته طلب منه عدم الذهاب إلى إسرائيل، كانوا يقولون: يوجد صراع هناك.. ألا تخشى أن تكون أحد ضحايا التفجيرات؟.. إذا كنتم تعتقدون أنكم سمعتم مليون سبب يدفعكم إلى عدم الحضور إلى إسرائيل، فاعلموا أننى كمصرى قد سمعت أكثر من مليون ونصف المليون سبب، ليس من بينها أى رأى إيجابى.. فكل ما عرفناه أن الإسرائيليين هم أعداؤنا.. واستمعنا فى الراديو إلى أناشيد وأغانٍ عن الضرر الذى أحدثته إسرائيل.. وشاهدنا فى الأفلام السينمائية الإسرائيليين دائما فى دور جواسيس ولصوص.. ولكننى وجدت فى إسرائيل عكس ذلك تمامًا". بتلك البداية الحماسية ألقى الطالب المصرى الأمريكى الجنسية هيثم حسانين فى خطبته فى الحفل السنوى لمنح الشهادات لطلاب الماجستير الأجانب الدارسين بجامعة تل أبيب، ليعلن عن انبهاره بدولة الكيان الصهيونى المحتل لبلد شقيق، ذلك الكيان الذى اغتصب كل مقدرات الشعب الفلسطينى منذ أكثر من 67 عامًا مضت، وارتكب أكثر المذابح وحشية فى التاريخ الإنساني. "الانبهار بالعدو أو الخيانة اللاإرادية".. فبعيدًا عن كون هذا الطالب مصرى يحمل الجنسية الأمريكية، ولذلك حصل على منحة للدراسة فى "تل أبيب"، إلا أن من يتابع خطبته فى حفل التخرج سيجد أنه وقع تحت هذا التأثير من الخيانة المقنعة، وبنفس الطريقة التى وقعت فيها الجاسوسة الشهيرة هبة سليم "الصعود للهاوية"، والكاتب المصرى نبيه سرحان الذى فر فى السبعينيات إلى إسرائيل ومازال مقيمًا هناك، والزوجان انشراح موسى وإبراهيم شاهين أبطال رواية "السقوط فى بئر سبع" وهى حالات لا تختلف إطلاقًا عن حالة هيثم حسانين.
«فى أول يوم لى فى الجامعة الإسرائيلية، رأيت رجالاً يهودًا متدينين يرتدون القبعة اليهودية التقليدية، ونساء ترتدين الإيشاربات والحجاب أيضًا.. شاهدت جنودًا يمشون فى سلام وسط زحام من الطلاب المفعمين بالحياة.. تعلمت أن هناك أناسًا من كل الأنواع فى هذه الجامعة، وأن فى الجامعة متسعًا للجميع، لليهود والمسلمين والمسيحيين والدروز والبدو، والأجانب.. وكم كان ساحرًا أن تذهب إلى الشاطئ فى وسط تل أبيب وتشاهد امرأة مسلمة واثنين من الشواذ يقبلان بعضهما البعض، بينما يشاركهما المكان الصغير نفسه متدين يهودى من طائفة "الحسيديم".. وتشاهد مسيحيًا عربيًا يمتلك شقة مزينة ببوسترات ماو ولينين، وتشاهد بدويا مجندًا فى الجيش الإسرائيلى يقرأ القرآن فى القطار خلال شهر رمضان، وتشاهد يهوديًا غربيًا "أشكنازيا" ويهوديًا شرقيا "مزراحيا" يتجادلان حول ما إذا كانت فعلا عائلات يهودية غربية اختطفت أطفالًا يمنيين أم لا فى خمسينيات القرن العشرين». "غسيل سمعة.. غسيل عقول".. لم يكن عجيبًا أن نرى جميع وسائل الإعلام تستغل حفل جامعة تل أبيب السنوى لمنح الشهادات لطلاب الماجستير الأجانب الدارسين بهذا الشكل، فقد شكل لها الحفل طابعًا ذا مذاق خاص، بسبب وجود طالب يحمل الجنسية المصرية من بين الحاصلين على درجة الماجستير من الجامعة الإسرائيلية، بالإضافة إلى تلك الخطبة العصماء.
الكارثة الحقيقية أن حالة الطالب المصرى هيثم حسانين ليست الحالة الأولى أو الأخيرة، فطبقا لعدد كبير من الإحصاءات الجامعية هناك عشرات الآلاف من الطلاب العرب غير فلسطينيين يتلقون علومهم داخل الجامعات الإسرائيلية، فطبقا لموقع "نو كاملز" الإسرائيلى عن الجامعة العبرية بالقدس هناك ما يقرب من 40 ألف عربى من جنسيات مختلفة يدرسون بها، كما أظهر التقرير الأخير لمعهد إسرائيل للتكنولوجيا "التخنيون" عام 2014 عن توقيع 5595 من الطلاب والباحثين المصريين استمارة التحاق أملاً فى الحصول على فرصة للتعليم فى الجامعات الإسرائيلية، لم توافق جامعة إسرائيل التكنولوجية سوى على 600 طالب وباحث فقط.
ولم تكن مصر الدولة العربية الوحيدة التى يتقدم منها طلاب وباحثون للتعليم على أرض تل أبيب، ولكن هناك ما يقرب من 1865 كويتيًا تقدم، وافقت الأكاديمية على 480 طالبًا، كما تقدم 1243 من المملكة العربية السعودية وافقت الأكاديمية على 700 طالب، فى حين تقدم 1230 طالبًا من سوريا وافقت الاكاديمية التكنولوجية على 400 فقط.
أما عن العلوم التى سيتلقاها الطلاب المصريون والعرب ولم يجدوها فى بلادهم، أكد التقرير أن الدورة سيتم تخصيصها فى تدريس علوم النانو تكنولوجى باللغة العربية، وسيقوم بالتدريس فيها البروفيسور حسام هايك أستاذ الهندسة الكيمائية رائد علاج أمراض السرطان بتكنولوجيا النانو مترية، بالإضافة للأساتذة ميتال سيجيف ونسرين شحادة وعبير وتد من قسم التربية والتعليم فى العلوم والتكنولوجيا.
"هذا تجنيد علمى لا جدال فيه".. بتلك العبارة بدأت الدكتورة رشيقة الريدي، أستاذ علم البلهارسيا بكلية العلوم جامعة القاهرة والحاصلة على جائزة لوريال اليونسكو، مطالبة بسرعة إصدار قرار بعدم دخول الطالب هيثم حسانين إلى الأراضى المصرية، واعتباره خائنا لوطنه، مؤكدة فى الوقت نفسه ضرورة معالجة المشكلة الرئيسية التى تواجه الطلاب فى الجامعات المصرية من تدهور علمى مروع، فالجامعة المصرية لا تعانى من إمكانيات أو إدارة أو نقص فى القوانين، وإنما تعانى من عدم رغبة أساتذة الجامعة من تطور العلوم، كما أنهم يصرون على تدريس نفس المحتوى العلمى والمناهج التى تدرس منذ 1980، وهى علوم عفا عليها الزمن حتى أصبحت تاريخ علوم وليست علومًا. وأوضحت "الريدي"، أن استراتيجيات التعليم الموجودة فى الجامعة المصرية أخرجتها من تصنيف أفضل مائة جامعة حول العالم، فى الوقت الذى تدخل فيه جامعتان إسرائيليتان ضمن المائة الأوائل، مبينة أن هذا الأمر لا يبرر الجريمة التى فعلها هيثم حسانين، فإذا كان وضع الجامعات المصرية سيئة فتوجد مئات الجامعات حول العالم، ولا يوجد مبرر واحد يجعله يلجأ إلى جامعة إسرائيلية، وكأنه يدعم دولة إسرائيل.
وقالت "الريدي" إن التجنيد العلمى موجود بالفعل ولكنه من الداخل للخارج وليس العكس، فالمسئولون فى بعض المؤسسات البحثية المصرية بتفكيرهم واستراتيجيتهم طاردون للعقول والمتفوقين، فاختيار العمداء ورؤساء الجامعات لا يتم إلا باختيار الجهات الأمنية، التى تهتم فى اختيارها على العناصر الأمنية وليس على العناصر العلمية والبحثية، وبالتالى يمنحون القوة للعناصر الضعيفة علميًا، وإذا استمر هذا الوضع لن نرى 5900 طالب مصرى فقط يدرسون فى جامعة التخنيون فى عام واحد، وإنما سيتزايد العدد بمئات الألوف.
وأشارت الريدى إلى أنه فى الجيل الخامس للحروب ستختفى الدبابة والرصاصة والصاروخ، وستبدأ الحرب بشكل علمى من الدرجة الأولى، قائلة إنه طالما الأستاذ الجامعى يصر على أنه أستاذ جليل دون تطور سيكون مصير مصر الانهزام فى الحرب العلمية، لأن نسبة الأساتذة والعلماء الحقيقيين فى الجامعة تأتى بنسبة 1 إلى كل 50 أستاذًا، لافتة فى الوقت نفسه إلى أن هذا الانحراف العلمى يعتبر طريقًا للخيانة، فمعظم منافذ أوروبا وأمريكا مغلقة والأقرب الطريق إلى إسرائيل أمام الطالب الذى يتخرج ولا يجد عملاً.
فى حين دعا الدكتور هانى الناظر، رئيس المركز القومى للبحوث الأسبق، الحكومة المصرية بسحب الجنسية المصرية من هيثم حسانين، خاصة أن كلمته فى حفل التخرج كانت استفزازية وكأنه يفتخر بدولة إسرائيل المغتصبة لأرض فلسطين، مؤكدًا أنه لا يعبر عن المصريين وإنما حالة شاذة، ولكنه اعتبره نوعًا من التجنيد العلمي. وقال الناظر إن شبكات الإنترنت فتحت الباب أمام مخابرات العالم وخاصة إسرائيل "العدو اللدود لمصر"، فأصبح بإمكانهم أن يغروا ذوى النفوس الضعيفة لاستقطاب المتفوقين لأغراض علمية مختلفة، مشيرًا إلى أن هيثم حسانين لا يمكن أن يكون جاسوسًا ناجحًا أبدًا، فلا توجد جهة حكومية مصرية ستقبل عمله بشهادته الإسرائيلية، لافتا إلى ضرورة الانتباه إلى أن الحروب العلمية بدأت بوجهها القوى، فالجيل الرابع من الحروب استخدم شبكات التواصل الاجتماعى على الإنترنت فى إقامة الثورات وتغيير الشعوب، وسيكون الجيل الخامس والمستقبل للحروب العلمية.
الدكتور رمزى استينو، وزير الدولة للبحث العلمى السابق، أكد أن هيثم حسانين لا يعتبر مصريًا، فرغم أن القاعدة العلمية تقول إن العلم ليس له جنسية إلا أنه لا فصال فى التعامل مع الكيان الإسرائيلي، الذى يعتدى يوميًا على الكيان العربي، ولكنه فى النهاية يعتبر حالة فردية شاذة عن المألوف، لم تصل لدرجة يمكن اعتبارها تجنيدًا علميًا.
وأوضح استينو، أن حال الجامعة المصرية ليست بالسوء الذى تُتهم به، وإن كانت فهذا لا يبرر أن يدرس شاب مصرى فى جامعات إسرائيل، متجاهلاً كل الجامعات حول العالم، لذا فالأمر يدور حوله علامة استفهام كبيرة، مؤكدًا أن البحث العلمى فى مرحلة نمو، وأن الجامعة المصرية تتحسن، ومصر كلها تسير على وتيرة الإصلاح. ومن جانبه، قال الدكتور طارق حسين، المنسق العام لبرنامج التعاون المصرى الروسى لأكاديمية البحث العلمي، إن الطالب هيثم حسانين يعتبر حالة فردية ولا يمثل رأى الشباب، فرغم وجود معاهدة وعلاقات دبلوماسية بين مصر وإسرائيل إلا أن الشعب يرفض التعامل التجارى والعلمى والثقافى والاجتماعى مع الكيان الصهيوني، وأن هناك فرقًا بين السياسات الدولية والسياسات العامة للشعوب، حيث إن ما قام به الطالب هيثم حسانين ترفضه السياسة العامة للشعب.
وأكد حسين، أن أى شهادة أجنبية يجب أن تعادل فى المركز الأعلى للجامعات، الأمر الذى لن يحدث مع شهادة صادرة من جامعة تل أبيب، وبالتالى لن يمكن لهذا الطالب أن يعمل بشهادته الجامعية فى مصر، ولن يجد أمامه سوى الاستقرار فى إسرائيل، وهذا ما لا تريده إسرائيل، فكل ما ترغب به أن تُخرّج شبابًا مصريًا يعمل داخل مصر ليكون انتماؤه لها، واصفًا الدراسة فى الجامعات الإسرائيلية بنوع من التطرف غير الطبيعي، لأن الجامعات المصرية تصنف من ال500 جامعة الأوائل فى العالم، بسبب عدد الطلاب المهول الذى تستوعبه كل سنة، مقارنة بما تستوعبه الجامعات الإسرائيلية التى تصنف من المائة الأوائل فى العالم.
وأوضح حسين، أن الحروب منذ بدء الخليقة وهى حروب علمية، فهى تتطور مع تطور العلم، والتطور العلمى هو الذى جعل للحروب أجيالاً، مبينًا أن الأجيال القادمة من الحروب ستكون تطورًا جديدًا من العلم، ولذلك من الضرورى أن نواكب هذا التطور العلمي، خاصة أن الدولة بدأت تزيد من الإنفاق على البحث العلمي، ويجب على المجتمع العلمى أن يُظهر مردودًا علميًا لهذا الإنفاق حتى يجعل الحكومات تهتم بزيادة الإنفاق على المجتمع العلمى أكثر.