في أعقاب ما نشرته صحيفة معاريف العبرية بتاريخ (21/11/2013) وأكدته مجلة "الجمينر" اليهودية الأمريكية بتاريخ (20 ديسمبر) بشأن تسجيل أكثر من 5 آلاف طالب مصري أسمائهم بدورة إلكترونية عبر الإنترنت بمعهد إسرائيل للتكنولوجيا “التخنيون” في مدينة حيفا، لم يعد بالإمكان تجاهل مثل تلك المعلومة الخطيرة ، والتي إن صدقت فإننا بصدد واحدة من أكثر الحالات خطورة على الأمن القومي المصري. وبسبب خطورة الموضوع، قررنا طرح الموضوع على القراء لمعرفة أبعاد تلك القضية الخطيرة، والتي تعد جزء من القضية الكبرى وهي التطبيع مع إسرائيل سواء على مستوى طلاب الجامعات والأساتذة أو المؤسسات والهيئات.. من أجل تسليط الضوء على تلك القضية الحساسة يشاركنا في الحوار الدكتور منصور عبد الوهاب، الباحث السياسي والخبير في الشئون الإسرائيلية ومترجم اللغة العبرية للرئيس الأسبق "محمد حسني مبارك". * تباهت صحيفة "معاريف" الإسرائيلية ومجلة "ال- جمينر" اليهودية الأمريكية بأنه للمرة الأولى منذ إقامة الدولة العبرية تم تسجيل آلاف الطلاب من مصر، وسوريا، والمملكة العربية السعودية فى دورة تدريبية باللغة العربية بمعهد "التخنيون" الإسرائيلى للتقنية عبر شبكة الإنترنت، ونشرت بيانات الطلاب الذين زاروا الموقع الإلكتروني للتخنيون الإسرائيلي الذي سجل زيارة أكثر من 5595 طالب مصرى مقابل 1243 من سوريا، و1865 طالبًا من الكويت، 1243 من المملكة العربية السعودية. كما أوضحت الصحيفة أن عدد الطلاب الذين تم قبولهم فى الدورة التى ستقام فى شهر مارس القادم بلغ 600 طالب من مصر و700 من السعودية و400 من سوريا. ما رأيكم في ذلك؟ وما مدى خطورة تلك المعلومة –إن صحت- على الأمن القومي المصري؟ ** في الواقع الباحث المصري يجد صعوبة في تحقيق طموحاته العلمية بالداخل، وبالتالي لا يجد أمامه سوى الدول الأوروبية أو بعض الدول المتقدمة في أسيا أو الولاياتالمتحدةالأمريكية. بعض هذه الدول قد ترفض الطالب وبالتالي لا يجد أمامه سوى إسرائيل التي باتت متقدمة وتحتل مكانة بارزة في الترتيب العالمي للجامعات. وفي نفس الوقت هناك برامج علمية مشتركة بين كل مراكز الأبحاث الإسرائيلية ونظيرتها الأوروبية. *هذا أمر معروف، لدرجة أن دولة متقدمة مثل الصين طلبت إنشاء فرع للتخنيون الإسرائيلي بالصين. ** إسرائيل في تلك الحالة تعرض نفسها كنافذة على الجامعات ومراكز الأبحاث الأوروبية من خلال جامعاتها أو مراكز أبحاثها وتوفير إمكانية الانضمام لتلك المراكز والجامعات الأوربية عبر مراكزها وجامعاتها، وهذا الأسلوب قائم منذ أوائل الثمانينات، أما الخطورة اليوم هي أن المراكز والجامعات الإسرائيلية لم تعد قناة ومنفذ للجامعات الغربية وإنما أصبحت مقراً للدراسة بها. وهذا يؤثر على الأمن القومي العربي والمصري في ظل وجود مثل هذه الجامعات الكبيرة من الدارسين العرب، لاسيما من بين أولئك الذين لا يرقون إلى المستوى الذي يتيح لهم حائط صد فكري أو فهم صحيح لمفردات الصراع بيننا وبين إسرائيل، وربما يتحدث هذا الشخص في أشياء يعتبرها معلومات عامة ومعروفة ولا ضير من أن تصدر عنه لأي جهة إسرائيلية. كما أن هذا الأمر من الخطورة بمكان حيث أن إسرائيل قد تستغل ذلك بأن تقول للشخص بأنك باحث وسوف أفتح لك أفاق للعلم، ومن ثم من الممكن أن تقدم تنازلات في بعض الأحيان. *هل التعاون العلمي بين الدول العربية وإسرائيل بات خياراً مطروحاً في أعقاب ثورات الربيع العربي في الوقت الذي تقاطع فيه الجامعات الأوروبية نظيرتها الإسرائيلية، حتى إن جمعية الدراسات الأمريكية المتخصصة بدراسة التاريخ والثقافة اتخذت قراراً بمقاطعة المؤسسات الأكاديمية الإسرائيلية تضامنًا مع الشعب الفلسطيني؟ وكيف نجح معهد إسرائيل للتكنولوجيا “التخنيون” في مدينة حيفا في استقطاب الطلاب العرب والمصريين؟ ** أعتقد أن الثورات..أو ما تطلقون عليه ثورات الربيع العربي..عملت نوع من التفتيت للوعي العربي، فأصبحنا أمام مشهد صعب جداً يتمثل في إعادة تقسيم المنطقة مرة أخرى. وهذا الأمر ممكن أن تقول فيه ما في الخمر، لأن هناك كيانات موجودة.. وكان الهدف الأساسي لبعض الجهات هو تفكيك تلك الكيانات إلى دويلات صغيرة، وبالتالي لن يكون هناك وعي عربي. أنا لا أستطيع أن أجبر الطالب على ما يفعل أو يقول، وبالتالي عندما يضيع الوعي القومي العربي تضيع معه المفاهيم الوطنية والقومية، فلا يكون في ذلك الوقت فرق بين إسرائيل وأوروبا..العالم منفتح، وكلُ يسعى لمصلحته. فإذا كنت أنا باحث ليس لدي هذا الوعي في ذهني أو أنه غير موجود أساساً في خلفيتي الثقافية والحضارية والعلمية سيكون من السهل جداً ألا تفرق معي إسرائيل من كندا. المشكلة هنا هي تصنيف المجتمع لمن يتعامل مع إسرائيل، فإما أنك على علاقات مع بعض الجهات الإسرائيلية وتصبح مطبعاً ويكيلون لك السباب والشتائم أو أنك في الخندق الآخر الذي يرفض أي علاقات مع إسرائيل. وأنا أرى أن الحالتين لابد من وجودهما، لكن من الضروري أن يكون هناك كيان معروف للتعامل مع الجانب الآخر وقنوات يكون بها حائط صد فكري، وأن يكون من يتعامل مع إسرائيل على فهم ودراية كاملة لمفردات الصراع والتاريخ والحق العربي في هذه الأرض، وما إلى ذلك، وهذا ما حدث مع وزارة الزراعة. تقصد التعاون الزراعي مع إسرائيل وما نقله لنا ذلك من بذور مسرطنة وأمراض مزمنة؟ ** ليس ذلك فحسب، حيث أن وزارة الزراعة لم تكن تجري إعدادا فكرياً للمهندسين الزراعيين ومسئولي وزارة الزراعة الذين يسافرون ويقضون مدة شهر في إسرائيل وتعريفهم بإسرائيل، حيث كان هؤلاء يعودون مبهورون ولديهم صورة أخرى مخالفة تماماً للواقع ويرون أن إسرائيل دولة متقدمة وجميلة. ما كان يجب أن يحدث من تنسيق بين مختلف الجهات لا يحدث بمصر. نحن في مصر نعمل في جزر منعزلة. كل يعمل بهواه، وكل يزايد على وطنية الآخرين أو انتمائهم، وبالتالي تكون أمام جانب منظم جداً، وهو إسرائيل، وتتعامل معه بعشوائية كاملة، والشكل المؤسسي غير منضبط، ومن ثم سمحت لأفراد بالاحتكاك المباشر دون ضوابط. من هنا، خلقنا لأنفسنا مشكلة في الأمن القومي العربي والمصري دون أن ندري، ومن ثم نفاجئ بأننا بصدد كوارث تتعلق بالأمن القومي، وخصوصاً عندما يخرج أحد من هؤلاء ال 600 طالب أوال 5000 المذكورين ويبُرع في جانب ما من جوانب العلم ويحقق شهرة عالمية، كيف نضمن انتمائه وولائه لهذا الوطن؟ كما أنه من الممكن أن يستعان بهذا الشخص في بعض الأحيان بأرقى الدرجات العلمية الموجودة لدينا مثلما في مجال الذرة على سبيل المثال!! كيف تضمن أن ذلك الشخص الذي تستعين به ووصل لمكانة عالمية سيكون انتمائه لك؟ أعتقد أن هذه المشكلة واجهتنا وواجهت مصر في أوائل العلاقات مع إسرائيل بعد اغتيال الرئيس الراحل "محمد انور السادات"، حيث فوجئنا بأن من تستعين بهم الرئاسة في العلاقات الدولية لهم أصول يهودية ويعملون مع السفارة الإسرائيلية. هذا الموضوع الذي تتحدث عنه خطير. ** ثمة أحد لم يكن يعلم بأن لهم هذه الجذور، وبالتالي عندما يعملون معك في الرئاسة تعتقد أنهم يحققون لك هدفك، وظاهرياً هم بالفعل يحققون لك هدفك، لكنهم في الواقع يحققون أهدافهم الخاص، وهذا أمر في منتهى الخطورة، ومرجع ذلك هو أن بقايا اليهود الذين بقوا في مصر منهم من تنصر ومنهم من أسلم وقلة منهم بقيت على يهوديتها. وبالنسبة لمن تنصر ومن أسلم أنت لا تعلم حتى هذه اللحظة ماذا فعل في حياته، ومن وصل منهم لمراكز قيادية، ومنهم من وصل للقوات المسلحة والشرطة والأجهزة الأمنية. إلا أن مصر بدأت تفوق من تلك الغفوة وبدأت تستخرج بطاقات الرقم القومي التي تظهر الجذور. ومع ذلك، كانت هناك فترة طويلة كان يعمل بها أشخاص معهم (أي في الرئاسة) ثم يكتشفوا في النهاية أن جذورهم كانت يهودية. أين إذاً أجهزة الأمن؟ دائماً ما تكتشف المفاجآت؟ باعتبار أنك كنت مترجماً الرئيس الأسبق "محمد حسني مبارك"، هل يمكنك مقارنة الأوضاع أيام الرئيس المخلوع "مبارك" والأوضاع الحالية فيما يتعلق بالطلاب والتواصل مع إسرائيل والتطبيع معها؟ ** أيام مبارك كان التطبيع مقنناً، وله قنوات محددة، وكان يسمح لبعض الفئات بالاحتكاك ويفرض على آخرين عدم الاحتكاك إطلاقاً. أعتقد أنه بعد 25 يناير أصبح هناك نوع من الفوضى ولم يعد لدينا قنوات أو معايير تحدد أولويات الأمن القومي العربي والمصري، وبالتالي مثلما رأينا عندما فتح باب التسجيل بالتخنيون الإسرائيلي تجاوز عدد زوار الموقع الخمسة آلاف، وأنا أعتبر ذلك مؤشراً خطيراً جداً. لا يعنيني هنا مسألة التطبيع من عدمه، يعني "طظ..طظ في كل هذه المسائل"، ما يهمني هو الأمن القومي المصري، والأمن القومي العربي، إلى أين أنا متجه؟ وماذا يؤثر علي؟ وماذا يمكن أن يُخترق داخلي ويؤثر علي بالسلب؟ يجب مراعاة كل هذه الأشياء. أما التشدق والصوت العالي، رغم أنها أشياء مطلوبة في المجتمع لأنه من الطبيعي أن يكون هناك جزء من المجتمع مؤيد وآخر معارض. لكن ليس كل من يطبع العلاقات خائن، ولا رافض التطبيع متخلف، وإنما هي في الأساس وجهة نظر تحترم. ما دور الجامعة في توجيه الطلاب، وتحديداً دارسي اللغة العبرية من تجنب الاتصال بعناصر إسرائيلية سواء بالاتصال المباشر أو عبر مواقع التواصل الإجتماعي مثل التويتر والفيس بوك؟ وهل تقوم الجامعة فعلاً بهذا الدور أم أنها تشجع الطلاب على ممارسة اللغة أياً كانت الطريقة؟ **في البداية لابد أن نتفق على أن مواقع التواصل الاجتماعي يصعب السيطرة عليها، كما يصعب في تلك الأيام أن تحدد للطالب أو الشاب أن يفعل كذا ولا يفعل كذا..فالشاب يجب أن يفعل ما يتوافق مع أبجديات الأمن القومي العربي والمصري بقناعة تامة. وهل تقوم الجامعة بذلك الدور فعلاً أم أنها تشجع الطلاب على ممارسة اللغة أياً كانت الطريقة؟ ** أعتقد أن عدم توفير الوسائل الناجحة والناجعة للطالب للاحتكاك باللغة العبرية داخل جدران الجامعة يجعل الطالب يلجأ إلى الخارج. وفيما يتعلق بالخارج أنت لا تضمن على الإطلاق مدى الحفاظ على الأمن القومي المصري، ولا يمكنك السيطرة على ذلك، وبذلك تخلق جيل جديد من الجواسيس، الذي أضعهم تحت عنوان "أنا جاسوس دون أن أعلم". هذا موجود بالفعل، لأن إسرائيل لديها وحدة بالجيش الإسرائيلي تسمى "حتساف" ومهمتها هي تجنييد العملاء عن طريق التواصل معهم من خلال مواقع التواصل الاجتماعي "الفيسبوك" و"التويتر". الطالب يدخل على الفيسبوك ويقوم بالدردشة مع أي أحد سواء كانت فتاة أو غيره معتقداً أنه بذلك يحسن قدراته اللغوية، ويفاجئ الطالب أنه يدلي بمعلومات إلى جانب تلك الموجودة أساساً على الفيسبوك بما في ذلك الصور والأقارب والهوايات. ** صحيح.. هذه أرض خصبة للحصول على المعلومات، والإدلاء بمعلومات ليس من المفترض الخوض فيها. فكيف يمكن أن نحكم ذلك؟ هذا يكون عن طريق وجود نوع من التنسيق بين أعضاء هيئة التدريس وإدارات الجامعات لتوفير المواد العلمية بشكل يغني الطالب عن اللجوء لمصادر خارجية وتوعية الطلاب بما يجب أن يقال وما لا يقال، لكي يقوم الشاب بذلك وهو مقتنع تماماً بأنه على حق وصواب. ولكن وسائل المنع والفرض لن تنجح مع هذا الجيل، لاسيما في ظل الانفتاح التكنولوجي الذي في ظله لا يستطيع أحد أن يزعم أنه يحكم السيطرة على أي شيء. وماذا عن أساتذة الجامعات المصرية الذين يترددون على المركز الأكاديمي الإسرائيلي؟ هل هناك ثمة إجراء تتخذه الجامعة مع الأستاذ أو الطالب الذي يقوم بذلك؟ ** هناك تعليمات لأستاذ الجامعة بعدم التوجه للمركز الأكاديمي الإسرائيلي إلا بإذن من الجامعة. لكن الباحث معذور لأنه ليس لديه مراجع علمية كافية للبحث العلمي، والمركز هو إحدى القنوات التي توفر تلك المراجع للباحث. وأعتقد أنه لا توجد خطورة عالية من بعض الأساتذة الذين يتواصلوا مع المركز الأكاديمي خصوصاً لو كان لدى بعضهم الوعي الكافي، لكن الخطورة تكمن فيما إذا كان أحد الأساتذة لا يمتلك هذا الوعي فيتحول إلى كارثة وطامة كبرى لأنه يدرس في النهاية للطالب، وإذا استطاع أن ينقل ما هو مؤمن به من الجانب الإسرائيلي إلى الطالب المصري، أكون بذلك قد أحدثت كارثة. فمن يحكم ذلك؟ أعتقد أنه المحيط العام لدارسي اللغة العبرية والعاملين في حقل الدراسات العبرية، كما يجب وجود تنسيق مع الأجهزة الأمنية. هناك الكثير من طلاب ودارسي اللغة العبرية يتباهون بالظهور في وسائل إعلام إسرائيلية، وقد شهدنا ذلك بكثرة إبان ثورة 30 يونيو، حيث ظهر البعض في وسائل إعلام إسرائيلية وكانوا ينقلون الأحداث للقنوات الإسرائيلية على الهواء مباشرة من قلب الميدان وكأنهم مراسلون لتلك القنوات، ألا يعد ذلك نوعاً من التعامل مع عناصر أجنبية معادية؟ ** اعتقد أنه لو أن من يقوم بذلك محترف إعلامياً ولديه فكر أيديولوجي صحيح ومخزون ثقافي وحضاري مصري وعربي صحيح يمكنه من إدراك ماذا يقول وماذا لا يقول فإنه لا توجد مشكلة، أما أن تترك الساحة لمن شاء سواء كانت لديه تلك الإمكانية أم لا، وأن يقول ما يشاء، فإنني أعتبر ذلك نوع من التخابر، لأن القانون لا يعرف "زينب"..إذا أدليت بمعلومات تضر بالأمن القومي المصري أو العربي والمجتمعي دون علم بأن تلك المعلومات يمكن أن تضر يجب أن أحاسب، وبالتالي أعتقد أنه كان يجب أن تقنن مسائل الاتصال بجهات أجنبية، وماذا يقال وماذا لا يقال، ولكن ترك الباب مفتوحاً على مصراعيه بأن يتحدث كل من أراد مع وسائل الإعلام الإسرائيلية دون ضوابط فإن ذلك مرفوض من وجهة نظري. في الماضي عندما كان أي أحد يريد التعامل مع أي جهة أجنبية كان يتعين عليه التوجه للهيئة العامة للاستعلامات لاستخراج تصريح، وأعتقد أنه يجب أن نعيد مرة أخرى تبعية الهيئة العامة للاستعلامات لوزارة الإعلام وليس لرئاسة الجمهورية وأن يكون أي تعامل مع وسائل الإعلام الأجنبية بتصريح مسبق. فإذا أردت الإدلاء بحديث لصحيفة إسرائيلية، لا يستخرج التصريح لذلك إلا بعد تأكد الهيئة العامة للاستعلامات من أن لدي القدرة على ذلك، وأنني مؤهل لمثل تلك الأحاديث، لكن ترك المسألة تحت شعار الحرية الذي ظهر مع 25 يناير، فذلك معناه أننا مقدمون على كارثة..لا توجد حرية مطلقة.. الحرية لها قيود طالما أن الأمر يتعلق بالأمن القومي المصري. ماذا عن الجانب الأمني في مثل هذه القضية، هل لديك معلومات بشأن الإجراءات التي تتخذها الأجهزة الأمنية للتصدي لتلك الظاهرة المتفاقمة في ضوء الفوضى التي صاحبت ثورة 25 يناير؟ ** الموضوع ليس أمنياً بحتاً، الأمن لن يستطيع وحده أن يفعل شيء، فهو يتابع وعندما يكتشف أن شخصاً ما يجري اتصالاً مع عنصر مشبوه يتخذ اللازم. لكني أعتقد أنه يجب أن يكون هناك تنسيق بين الأجهزة الأمنية والمجتمع، وبدون ذلك لن يستطيع الأمن وحده أن يفعل شيئاً. فعلى سبيل المثال، أنا تحدثت عن الهيئة العامة للاستعلامات والجامعة، وأرى أنه يجب أن يكون هناك ربط بين الاستعلامات والجامعة لأن من يدلي بمثل هذه الأحاديث أما أن يكونوا خريجين أو طلاب في بعض الأحيان. فقد فوجئت أن بعض طلابي أجروا أحاديثا لصحف إسرائيلية وقنوات تليفزيونية. هذا التنسيق بين أجهزة الأمن والمجتمع المدني سيضع آليات لضبط هذه المسألة، حيث لا مانع أن يتم التصريح للبعض بإدلاء بعض الأحاديث ولكن بعد أن يكون ذلك الشخص معروف انتمائه وآرائه وتحديد الضوابط التي يجب أن يتبعها . ويجب أيضاً أن يكون مؤهلاً. ** صحيح.. يجب أن يكون مؤهلاً وليس مثلما ما يحدث منذ 25 يناير حتى الآن، والذي اتسم بالعشوائية الشديدة، فكل من يريد أن يفعل شيئاً يفعله، مما جعل مصر مرتعاً خصباً لكل أجهزة المخابرات في العالم مثل الموساد والسي أي إيه والكي جي بي بل وأيضاً الصين واليابان. فقد قابلت بعض الصحفيين من الصين واليابان والذين يجرون أحاديث مع رجل الشارع البسيط لمعرفة كيف يفكر؟ وكيف يرى الإخوان المسلمين؟ كيف يرى حكم مرسي؟ كيف يرى حكم المجلس العسكري؟ وماذا يتوقع لمستقبل بلاده؟ وهذا حدث معي بالفعل. صحيح أنني لدي الوعي الكافي للرد على مثل هذه الأسئلة، ولكن ماذا عن المواطن البسيط؟ ختاماً، أتذكر أننا عندما كنا صغار كنا نشتري دفتراً للكتابة، "كراسة"، وكان ذلك الدفتر به بعض التعليمات في الغلاف من بينها "لا تتحدث مع الغريب"، هذا هو الأمن القومي، حيث يتعلم الطالب منذ صغره ألا يتحدث مع الغرباء في شئونه الخاصة قبل أن أعرف من يكون هذا الغريب. لكن كل هذه التعليمات لم تعد موجودة الآن، وبحذفها تم حذف مفردات الأمن القومي من الحضانة حتى الممات. نريد العودة مرة أخرى لغرس هذه المفردات في الطالب منذ المهد إلى التخرج دون أن يحدث ذلك بشكل مباشر بطريقة "افعل ولا تفعل"، ولكن بتربية النشأ على الأمن الاجتماعي والأمني للحفاظ على سلامة المجتمع.