كانت اللغة العبرية تدّرس فى كليات آداب القاهرة وعين شمس ضمن اللغات الشرقية منذ إنشاء الجامعة من أكثر من قرن مضى.. وبعد نكسة 67 تم التوسع فى أقسام العبرى بكل الجامعات حتى جامعة الأزهر نفسها وصارت لها أقسام خاصة بها.. وبعد معاهدة السلام أقيم بالقاهرة مركز أكاديمى إسرائيلى كبير.. وفى السنوات العشرة الأخيرة بدأ تقام مراكز خاصة لتعليم العبرية، حتى القوات المسلحة ضمت تعليم العبرية فى معهدها للغات.. والسؤال المحورى المهم هو ماذا استفدنا من كل هذه الأقسام العبرية ومن آلاف خريجيها سنويًا؟. وما هو مستقبل تعلم العبرية اليوم؟. خاصة إذا ما عرفنا أن إسرائيل تحرص على تعليم اللغة العربية فى مدارسها لجميع طلبتها هناك. كم الأسئلة التى يفجرها هذا الموضوع أكثر بكثير من الأجوبة التى حصلنا عليها، والتى حاولنا الوصول إليها بشتى الطرق، خاصة مع عدم رغبة العديد من المسئولين عن الكلام فى هذا الأمر صراحة أو الإدلاء بأية تفاصيل. وبعيدًا عن سفسطة كلمة التطبيع التى تطارد كل من يحاول الترجمة أو الكتابة عن العبرية وعن اليهود والإسرائيليين، أو الاتهامات التى تساق دونما رؤية أو دراية وأحيانًا يسوء نية من أجل تفشى الجهل ودوام عتمته وظلمته. وإذا كان الاقدمون قد أكدوا من علم لغة عدوه. أمن كتب السيرة العطرة لرسولنا الكريم تذكر أن سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم أمر زيدًا بن ثابت الأنصارى بتعلم اللغة العبرية والكاتبة اليهودية.. إلا أن الأمر الواقع على الأرض يقول عكس ذلك تمامًا، ويثبت أننا لم نستفد من مئات الآلاف من الخريجين الذين صرفنا عليهم سنوات تعلم العبرية، بل وامتلأت الساحة بتخوين ومحاربة أى صحفى أو مفكر أو كاتب يترجم عن العبرية ويهتم بأخبار الشعب الإسرائيلى لكشف ثقافتهم وأفكارهم وآدابهم وتصرفاتهم. بينما فى الجانب الآخر نجد أن الإسرائيليين والمفكرين الإسرائيليين يترجمون كل ما يستطيعون الوصول اليه من الأدب العربى لكبار وصغار الأدباء على حد سواء، وذلك للإطلاع على المجتمع المصرى وتحليله عن فرب وإقامة الدراسات والبحوث عليه حتى يستطيعوا التعامل معه وفهمة بسهولة ويسر وتقديم التحليلات والاستراتيجيات المتوقعة عنه. يقول د. جمال الشاذلى أستاذ الأدب العبرى المعاصر بجامعة القاهرة إن التوسع فى تعلم وتعليم اللغة العبرية بعد الهزيمة المرة التى تعرضنا لها عام 1967 كان بهدف إنتاج خريج يتقن اللغة العبرية فهمًا وكتابة وسماعًا وتحدثًا وملمًا بثقافة اللغة وبنيتها، إضافة إلى فهمة للشخصية الإسرائيلية وخلفياتها التى تحركها وتوجه تصرفاتها. ويؤكد د. جمال أن الباحثين والمتخصصين فى اللغة العبرية من أساتذة الجامعات وغيرهم من مؤسسات الدولة المهتمة بالشأن الإسرائيلى قاموا بعشرات الآلاف من الأبحاث التى تكشف حقيقه الكيان الإسرائيلى ومايخفية من نيات سيئة تجاه المنطقة وتجاه العرب والمسلمين، ولكن للأسف آل مصيرها إلى الإهمال، فهى حبية الإدراج ولا يستفاد منها، شأنها فى ذلك شأن الأبحاث العلمية الحدثية التى يقوم بها نابهون من أبناء الوطن فى مراكز البحوث العلمية. وإذا كنا قد أكدنا أن أغلب الجامعات المصرية بها أقسام لتدريس اللغة العبرية.. إلا أن ذلك لم يمنع من إنشاء وإقامة مراكز خاصة لتعليم العبرية بطريقة تجارية مثل مركز الفوال الموجود فى منطقة الدقى ومركز آفاق. ويقول الأستاذ منير محمود مدير المركز الأخير والخبير فى اللغة العبرية التى عمل بها لسنوات عديدة إن السنوات الأخيرة الماضية شهدت اضطهادًا كبيرًا لمعلمى ودارسى العبرية وكل من يعملون بها وذلك بتهميش جهود من يعملون فى هذا المجال، وفرض مزيد من القيود عليهم حتى إن نسبة من يستفاد منهم من خريجى هذا القسم لايزيد على 10% فقط.. ويضيف منير محمود إن مركز آفاق وغيره من المراكز المصرية الشبيهة تعانى من التعتيم والإنكار.. فعلى الرغم من أن هذا المركز متواجد من ثمانى سنوات، فإن التعريف به ضئيل وغير مرض.. ويفجر منير معلومات أكثر قسوة من السابقة وهى أن مصر بها مركز أكاديمى إسرائيلى كبير كان نتاج ملحق الاتفافية الثقافية لمعاهدة السلام، إلا أن كمصريين لم نستفد من هذا المركز بأى صورة من الصورة فى حين أن إسرائيل هى المستفيد الكبير منه، حيث إنه يوفر للطالب والباحث الاسرائيلى فى الجامعات والمعاهد العربية كل البحوث والدراسات المصرية، وهذا ما يفتقده الطالب المصرى الآن، فبقية بنود اتفاقية السلام كان فتح مركز أكاديمى مصرى مماثل فى إسرائيل لتوفير البحوث والدراسات والكتب الإسرائيلية للطالب المصرى. ويعاود الدكتور جمال الشاذلى كشف أسرار المراكز العبرية عندنا، فيقول إن مصر تمتلك أكبر مراكز للدراسات الشرقية على مستوى الشرق الاوسط وهو التابع لجامعة القاهرة والذى يمتد عمره لأكثر من عشرين عامًا وبه شعب كثيرة للدراسات والأبحاث منها اللغوية والتاريخية والأدبية ويتنوع نشاط هذا المركز ما بين تنظيم دورات لتعليم اللغة وإصدار مجموعة من الكتب على هيئة سلاسل مع معهد سيسمور بجامعة بشيشا باليابان وهو معهد للأديان التوحيدية، وهناك بروتوكول تعاون بين المركز وبينه وتصدر مجلة محكمة للدراسات اليابانيةالشرقية من خلال المركز تمثل هذا التعاون تصدر باللغة العربية تصدّر أعدادها إلى اليابان وتنتقل من هناك إلى دول أخرى، كما أن هناك مجلة رسالة المشرق التى يصدرها المركز باستمراربشكل نصف سنوى تتضمن بعض الدراسات الدقيقة عن اليابان وغيرها من دول المشرق. وأكد دكتور الشاذلى أننا فى مصر فى مرحلة أخطر ما تكون إذا لم يصبح هناك وعى قومى لأن فى حقيقة الأمر مصر بخلفيتها التاريخية والثقافية لابد أن يكون لها دور حيوى لأننا أصبحنا نتعامل مع ثالوث كل دوله تحاول أن تجد لها مكانًا ودورًا بالمنطقة بداية بإسرائيل ثم إيران ثم تركيا ويجب أن يكون لمصر دور فعال وسطهم لا يقل أهميه عنهم. كما يصدر المركز مجموعة من الترجمات من اللغات الشرقية إلى العربية على رأسها التركية والعبرية يشرف عليها مجموعة من أساتذة الجامعات المصرية المتخصصين لذلك تتسم هذه الترجمات بالقوة والمصداقية والترجمة التى تصدر عن المركز أغلبها تكون ترجمة برفقتها تعليقات علمية وخاصة للغة العبرية؛ لأن العبرى ليست لغة سهلة فثقافة هذه اللغه وتحليل هذه الترجمات والتعليق عليها وخاصة فيما يتعلق بالأمن القومى العربى بصفة عامة والأمن القومى المصرى بصفة خاصة لابد أن يتم توضيح الأمور به ويكون به تفنيد لما يروّج داخل المصادر التى تتم كتابتها بإسرائيل من مزاعم بأن لهم حقا تاريخيا بأرض فلسطين . ومن أهم الكتب التى ترجمت من اللغة العبرية من خلال المركز ولاقت نجاحًا كبيرًا هو كتاب « الحساب القومى» للكاتب الإسرائيلى « بوعاز عفرون» وهو كتاب ينتقد الحركة الصهيونية وإسرائيل والأكاذيب التى كانت تروج لها الحركة الصهيونية، وهذا الكتاب ترجمة الدكتور «محمد أبو غدير «وهو الذى أحدث دويًا كبيرًا داخل وخارج إسرائيل»، وكتاب دكتور محمد خليفه حسن تحت عنوان «المجتمع الإسرائيلى دراسة لتوجهاته نحو السلام» كما أن هناك كتاب الدكتور محمد صالح « المجتمع الإسرائيلى وكتاب «فيروس التعصب «للدكتور عبد الوهاب وهب الله وترجمة عن وثائق تصدر عن مركز «بين إتسليم «لحقوق الإنسان بإسرائيل والقائم عليه يهود وهم ينتقدون هذه الأوضاع، كما أن هناك أكثر من كتاب ترجم عنها من أهمها كتاب الدكتورة نجلاء رأفت سالم بعنوان «الانتهاكات الإسرائيلية للحقوق الفلسطينية» وهى بمثابة وثائق مترجمة عن العبرية، والمصداقية التى يعتمد المركز عليها فى إصدار مثل هذه الكتب ينطبق عليها مثال «وشهد شاهد من أهلها» لأنه قد يفهم فى بعض الأحوال أن أى كاتب عربى يكتب نقدًا أو كتابًا عن إسرائيل يكتبه من منظور عربى. وبالإضافة إلى ذلك فهناك بعض الكتب تتطرق إلى الأدب يصدرها المركز مترجمة للأدب العبرى وهى نافذة مهمة جدًا للشكف عن جوانب كثيرة من داخل المجتمع الإسرائيلى، ومن أهمها كتاب الدكتور محمد ضيف بعنوان «يهود الدول العربيه» وكتاب دكتور أحمد حماد «دراسات الأدب العبرى الحديث» وكتابان صدرا للدكتور جمال الشاذلى بالمشاركة مع الدكتوره نجلاء رأفت وهما جزءان تحت عنوان دراسات فى الأدب العبرى المعاصر كما أن هناك كتابًا للدكتور عبد الخالق جبه تحت عنوان «دراسات صهيونيه إسرائيلية، والمركز يركزفقط على ترجمة الكتب العبرية الحديثة والمعاصرة وأكد دكتور الشاذلى على أنه لا يصح أن تترجم كتبًا عن المجتمع الإسرائيلى صدرت فى التسعينات لأنه مجتمع متطور وسريع التغير، وخلال أقل من عشر سنوات يختلف فكر هذا المجتمع تمامًا والتقلبات السياسية السريعة التى تحدث داخل هذا المجتمع تشهد على هذا، بالإضافة إلى موجات الهجرة التى تمت بعد تفكك الاتحاد السوفيتى سابقًا فهناك أكثر من يهودى روسى هاجروا إلى إسرائيل وغيروا كثيرًا داخله.