لأول مرّة على الإطلاق، سيبدأ البروفسور حسام حايك، ابتداء من 2 مارس، بإعطاء دروس مفتوحة ومكثّفة على الإنترنت في مادة تقانة النانو - وباللغة العربية. لكنّ الأهم، وفقاً لما شرحه لي هذا الأخير قبل أيام خلال وجبة فطور، هو بعض الرسائل الإلكترونية الغريبة التي تلقاها من طلاب سجّلوا أسماءهم من أرجاء العالم العربي كافة للمشاركة في دروسه. ومن بين هذه الأسئلة: هل أنت إنسان حقيقي؟ هل أنت فعلاً عربي، أم أنك يهودي إسرائيلي يتكلّم العربية ويدّعي أنه عربي؟ ويعود السبب إلى كون حايك عربياً إسرائيلياً من الناصرة، وإلى أنّه سيعطي الدروس من بلاده، وبالتحديد من جامعة «التخنيون»، أهم معهد علوم وتكنولوجيا في إسرائيل. أمّا المكان الذي تناولنا فيه الفطور، فهو تل أبيب. وتحمل دروسه عنوان «التقانة والمستشعرات النانوية» HTTPS://WWW.COURSERA.ORG/COURSE/NANOSAR وهي مصمّمة لأي شخص مهتم بالتعلّم عن مجال اختصاص حايك: «أدوات الاستشعار الحديثة التي تستعين بتقانة النانو لفرز ومراقبة الأحداث المختلفة في حياتنا الشخصية أو العملية». وتشمل الدورة الدراسيّة عشرة صفوف، يتألف كلّ منها من 3 إلى 4 محاضرات مصوّرة عبر الفيديو - بالعربية والإنجليزية - ويمكن لأي شخص موصول بشبكة الإنترنت أن يدخل إليها، وأن يشارك مجاناً في الامتحانات الأسبوعية، وفي نشاطات المنتدى، وأن يعدّ مشروعاً نهائيّاً. وفي حال انتابتك الشكوك حول تعطّش شعوب الشرق الأوسط إلى العلم اليوم، فلا شكّ في أنّها ستتبدّد بفضل الدروس المفتوحة والمكثفة على الإنترنت التي يعطيها حايك. فحتى الآن، تَسجّل نحو 48 شخصا للنسخة العربية، بما يشمل طلاباً من مصر، وسوريا، والمملكة العربية السعودية، والأردن، والعراق، والكويت، والجزائر، والمغرب، والسودان، وتونس، واليمن، والإمارات العربية المتحدة، والضفة الغربية. أمّا الإيرانيّون، فيسجّلون أسماءهم للمشاركة في النسخة الإنجليزية. وبما أن التسجيل يتم عبر موقع «كورسيرا» للدروس المفتوحة والمكثفة على الإنترنت، لا يتنبّه بعض المنتسبين في البدء أن من يعطي الدروس هو عالم عربي إسرائيلي في جامعة «التخنيون»، بحسب ما كشفه حايك. وعندما يعلمون بالأمر، يسحب عدد من الأساتذة والطلاب تسجيلهم. ولكن الآخرين يبقون بمعظمهم. (والملفت أن الدروس المفتوحة والمكثفة على الإنترنت بدأت تظهر في العالم العربي عبر مواقع «كورسيرا»، و«إي دي إكس»، و«رواق»، و«سكيل أكاديمي»، و«مينافيرسيتي» - وفي بعضها مضمون أصلي، إلى جانب الكثير من الدروس المترجمة). وعند سؤاله عن سبب اعتقاده أن الدروس تستقطب هذا الكم الكبير من الاهتمام في الدول المجاورة، أفاد حايك قائلاً: «لأن تقانة النانو والمستشعرات النانوية تعتبر على صلة بالمستقبل، ولأنّ الفضول يدفع بالناس إلى معرفة ما سيبدو عليه هذا المستقبل». ولأن «تقانة النانو تضم مجالات عدّة وتنتشر في شتى القطاعات... فتوفر بالتالي فرص بحث متنوعة». ومن المعروف عن حايك، البالغ من العمر 38 عاما، والحائز على شهادة دكتوراه من جامعة «التخنيون» التي تخرج منها والده، أنّه نابغة علمية. وهو أطلق بالتعاون مع «التخنيون» شركة ناشئة، وبدأ بتطوير ما اعتبره «أنفاً إلكترونياً» - وهو مجموعة مستشعرات تحاكي وظيفة أنف الكلب، وترصد مؤشرات، أثبت حايك وفريق عمله أنها عناصر فريدة تخرج مع كلّ زفير، وتكشف شتّى أنواع السرطانات في الجسم. وفي سياق عمله هذا، وإلى جانب تعليمه للهندسة الكيميائية، عمل حايك، وفقاً لبيريتز لافي، رئيس «التخنيون»، على توجيه الكلّية إلى عالم الدروس المفتوحة والمكثفة على الإنترنت. شرح حايك أن لافي «يرى ضرورة قصوى لتخطّي العلوم حدود البلدان. وبالتالي، أخبرني بالدروس المفتوحة والمكثفة على الإنترنت، ولم أكن سمعت بها يوماً. وقال لي إنها عبارة عن دروس يمكن إعطاؤها لآلاف الأشخاص على الإنترنت. وسألني إن كنت قادراً على إعطاء الدرس الأول من هذا النوع من جامعة «التخنيون» - باللغة العربية». وعُرِف أن المشروع مموّل من «التخنيون»، وقد تطلّب إعداده تسعة أشهر، مع الإشارة إلى أن حايك يهب محاضراته. ويُلحَظ أن نسبة 19 في المائة تقريباً من طلاب «التخنيون» اليوم هم من العرب الإسرائيليين، في ارتفاع عن 9 في المائة منذ 12 سنة. ويفيد حايك بأنه يقول للناس دوماً، «لو كان الشرق الأوسط مثل «التخنيون»، لكنا سنعيش بسلام. ففي محيط أكاديمي محض، يشعر المرء بالتساوي التام مع كل شخص، ويتم تقديره بالاستناد إلى مدى تميّزه». وأضاف من دون أن يقصد التباهي: «من الضروري أن تتحوّل إلى مثال أعلى، وأن تسمعهم يقولون: أرجوك أخبرنا ما يجب فعله لنصبح مثلك». أعرف أن بعض القراء سيقولون إنها دعاية إسرائيلية بامتياز، وسيطالبونني بالعودة للكتابة عن الاحتلال الإسرائيلي الشنيع للضفة الغربية. لا. فالرواية السابقة أداة تذكير مفيدة بأن إسرائيل دولة، وليست مجرد صراع. وبصفتها دولة، لا تزال مشروعاً قيد التطوير. ولديها عثرات، كالاحتلال والتفرقة الاقتصادية ضد الإسرائيليين العرب، وكذلك ذروات، على غرار التعاون بين حايك و«التخنيون»، الذي يوفر أداةً للعالم الناطق بالعربية والمتعطش لاستيعاب التقنيات الجديدة التي تعاود رسم معالم الاقتصاد العالمي. وأرى أن أمثال المنتسبين إلى تحرّك المقاطعة وسحب الاستثمارات وفرض العقوبات، الذين يعاملون إسرائيل وكأنها فقط حصيلة ما تفرضه من أفعال في سياق تعاملها مع الضفة الغربية، وتستحق بالتالي أن تُنزَع شرعيتها، قد يستفيدون لو فكّروا في بعضٍ من هذه التعقيدات. ولكنني أرى أن حايك يذكّر أيضاً ما أكبر الأموال والمواهب البشريّة التي هُدرَت في الصراع العربي الإسرائيلي. أنظروا إلى مدى حماسة هؤلاء العرب والفارسيين الشبان، إزاء أدوات وموارد تساعدهم على تحقيق كامل قدراتهم، بغض النظر عن المكان الذي يجدون فيه هذا العلم. كم قلّل الدكتاتوريون العرب من شأن شعبهم، وكم طالت فترة قيامهم بذلك، مع العلم بأنّ هذا ما حفّز اليقظة العربية. ويدفعنا ما سبق إلى البكاء على الأجيال التي ذهبت هدراً، وإلى الدعاء لنكون أمام آخر جيل يذهب هدراً بهذه الطريقة. نوع المقال: عام