مضى نحو ثلاثة أسابيع على موجات الحر المتلاحقة في مصر والمنطقة. الشرق الأوسط بالكامل يتصبب عرقا ويتطلع الجميع لأي بارقة أمل في تراجع درجات الحرارة التي تدور حول 40 درجة في القاهرة مثلا. ورغم الخسائر للمحاصيل والانتاج الزراعي في المنطقة إلا أن ارتفاع الحرارة له فوائده عند شركات تعمل في مجالات النفط والشحن وحماية المدن الساحلية. وحصر الباحثون تسع قطاعات بالتحديد تأمل شركاتها في التربح من ارتفاع درجة الحرارة. بل وتعول بعض شركات الشحن على ذوبان الجليد في القطب الشمالي لتجد مسارا مائيا يوفر عليها مئات الآلاف من الرسوم التي تتكلفها للعبور في قناة السويس. وتقول خدمة "التر نت" في مقال بموقعها الالكتروني إن 98 في المئة من خبراء المناخ يعتبرون أن مسؤولية الإنسان عن التغير المناخي حقيقة مؤكدة فإن ربع الأمريكيين تقريبا ما زالوا يعتقدون أن علم المناخ ما هو إلا محض هراء وأن ظاهرة الاحتباس الحراري خدعة كبيرة ليس أكثر. وقد دفعت شركات النفط الكبرى الكثير من المال لإذكاء هذا التشكك في التغير المناخي. وفي حين تريد تلك الشركات النفطية الكبرى أن يبقى الناس مخدوعين فإن شركات رئيسية في المجال مثل اكسون وشل تفكر بطريقة أفضل. هذه الشركات تحقق أيضاً أرباحا أكبر من ارتفاع الحرارة، وهي ليست الوحيدة في هذا الصدد. ربما يكون التغير المناخي الذي سببه حرق الوقود الإحفوري وما ينتج عنه من زيادة نسبة ثاني أكسيد الكربون في الجو كارثة لأغلب البشر وأيضا الكائنات الأخرى، لكن بالنسبة لمجموعة معينة من الشركات في مجالات بعينها فإن الاحتباس الحراري يمثل فرصة أخرى لتحقيق المكاسب. فيما يلي تسع مجالات تستفيد ماديا على حساب مصلحة الكوكب: شركات النفط الكبرى قدم ارتفاع حرارة الأرض لشركات النفط الكبرى طرقا جديدة لجني المزيد من المال. فأقامت إكسون شراكة مع روسيا للبحث عن أماكن أكثر للتنقيب عن النفط في القطب الشمالي. ومع ذوبان الجليد في القطبين بمعدل سريع أصبحت فترة الصيف أطول وأصبح من الأسهل البحث عن المزيد من الوقود الأحفوري في المناطق التي كانت متجمدة سابقا. ودفعت شل أكثر من ستة مليارات دولار في عمليات حفر في منطقة القطب الشمالي. ومع إمكانية استخراج 27 مليار برميل من النفط بشكل أسهل فجأة، أصبحت شركات النفط الكبرى تستفيد من ارتفاع حرارة الأرض وهي الظاهرة التي كانت هذه الشركات جزءا من أسبابها. وقال مسؤول سابق في شركة شل خلال مؤتمر تجاري "سأكون أحد هؤلاء الأشخاص الذين يهللون لوجود صيف دائم في ألاسكا." التكنولوجيا الحيوية البعوض من الكائنات التي لن تتأثر كثيرا من ارتفاع حرارة الكوكب. الجو القائط مناسب تماما للبعوض، وبالتالي فسوف يتكاثر وستنتشر الأمراض التي يحملها خلال العقود القادمة. وفي منطقة فلوريدا كيز بالولاياتالمتحدة أصبح هناك عدد متزايد من الأمراض الاستوائية مثل حمى الضنك التي تتسبب في وفاة عشرات الآلاف على مستوى العالم كل عام وفيروس تشيكونجونيا الذي يسبب ارتفاع حرارة الجسم وآلاما في المفاصل. وتأمل شركات التكنولوجيا الحيوية مثل أوكسيتك الانجليزية الاستفادة من هذه الأزمة التي يسببها المناخ. وطورت أوكسيتك ذكر بعوض معدل وراثيا ينتج عن تكاثره بعوض صغير يتطلب مواد غذائية معينة ليست موجودة في الحياة البرية مما يؤدي إلى موت البعوض الصغير. وفي حين أن القضاء على البعوض أو خفض عدده على الأقل هدف يستحق الإشادة فإن الطريقة لا ترضي الكثير من النشطاء الذين يخشون من العواقب غير المقصودة لاطلاق ملايين من البعوض المعدل وراثيا. المدن الساحلية والتحكم في الفيضانات منذ سنوات وعلماء المناخ يحذرون من ارتفاع مستوى البحر وخطر ذلك على المدن الساحلية دون أن تلقى هذه التحذيرات أذنا صاغية. لكن مع إعصاري كاترينا في 2005 وساندي 2012 تغير كل ذلك. تسبب الإعصار كاترينا في إغراق 80 في المئة من نيوأورليانز تحت المياه، في حين أن الإعصار ساندي أغرق أحياء بكاملها في نيويورك فضلا عن مترو الأنفاق. تسبب هذه الكوارث المناخية خسائر بمليارات الدولارات وبعد مضي سنوات على تلك الكوارث نجد أن المدن التي تأثرت لم تتعاف تماما بعد. وهنا تظهر صناعة "التكيف مع المناخ"، فنجد شركات مثل "فلود كنترول أمريكا" التي تبني أسوارا غير مرئية من الصلب يمكن أن تقام حول المدن بسرعة مع اقتراب أخطار الأعاصير. وقال برايان فريكلاند وهو مسؤول تنفيذي في الشركة لموقع ذا فيرج "هناك الكثير من المال الذي يُستثمر في العقارات الساحلية سواء تجارية أو حكومية أو سكنية بحيث لا يمكن التخلي عن الممتلكات في حالة ارتفاع منسوب المياه." يُقدر حجم صناعة التخطيط لكوارث الفيضانات حاليا بمليار دولار ومن المتوقع أن يتضاعف بحلول عام 2020. كذلك فإن شركات هولندية مثل "داتش دوكلاندز" التي يوجد مقرها في بلد يقع تحت مستوى البحر ولها خبرة في الحماية من مياه الفيضان يسرها أن تتقاسم خبرتها وبمقابل بالطبع. مكيفات الهواء من البديهي أنه كلما زادت حرارة الأرض كلما حاول الإنسان أن يخفض حرارة جسمه. الفائز في هذه المعادلة هو صناعة مكيفات الهواء وشركات مثل "ديكين اندستريز" التي تصنع مكيفات هواء موفرة للطاقة. في كثير من مناطق الولاياتالمتحدة مثل شمال كاليفورنيا ليست هناك حاجة كبيرة لمكيفات الهواء، لكن هذا الوضع لن يستمر طويلا مع ارتفاع حرارة الأرض بسبب ثاني أكسيد الكربون. ومع ارتفاع الحرارة في أجزاء من البلاد كانت باردة فإن صناعة مكيفات الهواء سوف تجني أموالا طائلة. شركات الزراعة الكبرى اسم "مونسانتو" هو اسم مكروه لدى أغلب حماة البيئة لكن هذا الوضع لم يمنعها أبدا من تحقيق أرباح خيالية وكذلك لن يمنعها التغير المناخي. فالجفاف يمثل أيضا فرصة لهذه الشركة الزراعية العملاقة. وباعتبار شركة "مونسانتو" من رواد صناعة المنتجات المعدلة وراثيا المثيرة للجدل فإنها تبذل جهدا كبيرا في إنتاج بذور معدلة وراثيا مقاومة للجفاف. ورغم أن هناك طرقا تقليدية أسفرت عن إنتاج بذور مقاومة للجفاف بنفس قدر البذور المعدلة وراثيا أو أكثر منها فإن "مونسانتو" تعتزم تسويق منتجاتها في افريقيا وغيرها من الأسواق المعرضة للجفاف بأرباح لا بأس بها. ومع استمرار التغير المناخي ستكون هذه الشركات الزراعية الكبرى سعيدة للتكيف مع ارتفاع حرارة الأرض وزيادة الجفاف. وول ستريت لا تكترث بورصة وول ستريت كثيرا إن كانت هناك صعوبات اقتصادية أو كان الرخاء هو السائد، فهي دائما قادرة على الوصول إلى سبل جديدة لجني المال من أي شئ تقريبا. وهناك شركات تشتري حقوق استغلال المياه توقعا لنقص عالمي وتشتري محطات مياه. وتنصح شركات مثل "جولدمان ساكس" و"مورجان ستانلي" العملاء الأثرياء بشراء أراض زراعية لرهانها على أن ارتفاع حرارة الأرض سيتطلب إنتاجا غذائيا يعتمد عليه. الشحن وقناة السويس كانت شركات الشحن العملاقة مثل "بيلوجا" و"نورديك بلك كاريير" تضطر عادة للمرور عبر قناة السويس أو مسارات أطول لتوصيل البضائع، ولم يكن الممر الشمالي الشرقي الذي يدور حول أقصى شمال روسيا خيارا مطروحا في مجال الشحن نتيجة الجليد في القطب الشمالي. ولم يكن ممكنا في السابق استخدام هذا المسار بدون كاسحات جليد تشق الطريق أمام سفينة الشحن لكن بفضل ظاهرة ارتفاع حرارة الأرض أصبح هذا المسار بحارا مفتوحة مع وجود مناطق جليدية محدودة يمكن تفاديها. ومع توفير 300 ألف دولار لكل سفينة أصبح بإمكان شركة بيلوجا زيادة أرباحها بملايين الدولارات سنويا. تحلية المياه يرى رجال أعمال فرصة سانحة فيما يراه البعض كارثة. في ظل انتشار منتجعات التزلج، ومع قلة الثلوج الطبيعية، تعمل شركات على توفير إمكانية التزلج رغم ارتفاع الحرارة. كما تقوم بعض الشركات بتحلية المياه وهي مسألة ضرورية في بعض المدن بسبب الجفاف. التعدين في عام 2012 ذاب 97 في المئة من الغطاء الجليدي في جرينلاند خلال شهور الصيف، وهي أول مرة منذ 123 عاما. كان هذا نذير شؤم بالنسبة لعلماء المناخ والعالم بصفة عامة لكنها كانت فرصة جيدة لشركات التعدين التي أصبح لديها فرصة الآن للتنقيب في المناطق التي كانت تغطيها الثلوج سابقا في القطب الشمالي بحثا عن موارد معدنية مثل الزنك وخام الحديد واليورانيوم والنحاس والذهب. ورغم المخاوف البيئية بشأن التعدين وما ينتج عنه من تلوث، فتحت جرينلاند أبوابها لشركات التعدين حتى تجد فرص عمل لأبنائها. وفي الوقت ذاته تأمل شركة "الكوا" العملاقة للألمنيوم في بناء مصهر ضخم للألمنيوم هناك يتم تشغيله باستغلال المياه المتدفقة الناتجة عن ذوبان الثلوج.