أخيرا بدأت أجساد الأحزاب المصرية جميعها في التحلل والتلاشي، بداية من حزب الرئيس،ومرورا بالوفد والتجمع والناصري وهلم جرا، وهو ما يؤكد الذكاء الفطري للشعب المصري في اختيار فرس الرهان المقبل ممثلا في فصيل الإخوان المسلمين، لأنه الوحيد الذي لم تتلطخ يداه بالفساد الروحي والأخلاقي من ناحية، وحافظ على العلاقات الاجتماعية بين مكوناته بعيدا عن الملوثات الاجتماعية والمتفجرات الأمنية من ناحية أخري. ورغم ما عانته الجماعة- وما زالت- من حصار ومطاردة واعتقال وتصفية إلا أن مكوناتها ظلت أنقي وأطهر، ولم تغلب عليها النزعة الفردية الصرف التي سادت المجتمع المصري، ولا يعني هذا أن الجماعة منزهة عن الخطأ، فجماعة الإخوان المسلمين بحاجة دائمة لمراجعة الذات وتقويم الخطي، ولكن انعزالها لفترة كان أوقع وأصوب، وأفضل ألا يخضعوا لابتزاز السلطة وزبانيتها في وسائل الإعلام ومعظم الأحزاب التي خرجت من رحم التواطؤ لتضع الإخوان في مرمي النيران، وتحت مطرقة اتهامات صنعت خصيصا لتفتيت شبكة العلاقات الاجتماعية المتماسكة، وتسريب الفساد الروحي والأخلاقي لبناء الإخوان التنظيمي. إن أسباب سقوط الدول والمجتمعات من منظور مالك بن نبي وإدوارد توينبي، يمكن إيجازها في عوامل ثلاثة هي : 1- ضعف العلاقات الاجتماعية 2- الفساد الروحي والأخلاقي 3- قابلية الاستحمار أو الاستعمار لا أظن أن عاقلا من كان لا يلحظ توفر العوامل الثلاثة في البناء الاجتماعي( باستثناء محدود) فالعلاقات الاجتماعية في المجتمع المصري تعاني من انهيار يتقدم بخطي ثابتة نحو الهاوية، وليس هذا فحسب، بل يتمدد هذا التوتر الاجتماعي في جسد الفريق الواحد والحزب الواحد وبين الجيران، ولا أدل على ذلك من حالة اللامبالاة التي يقابل بها غالبية المجتمع أي تحرك في اتجاه التماسك والترابط لانتزاع حقوقهم المسلوبة، وما استئجار البلطجية والمشبوهين لردع المتظاهرين والناخبين إلا دليل حي على تفكك العلاقات الاجتماعية للشعب الواحد . أما انطلاق الغريزة وانتشار الفساد الروحي والأخلاقي فيراه الأعمى ويسمعه الأصم في جميع مفاصل المجتمع ومؤسساته الحيوية، فالرشوة والمحسوبية في كل مكان وصار لها أسماء ومصطلحات جذابة يسيل لها لعاب ضعاف النفوس في مجتمع فقد فيه القانون هيبته، ويعتدى عليه كل صباح ، ونظام الحكم المصري أول المعتدين علي القانون، فكيف بالمنتفعين والمحتكرين ؟ لم يتبق بعد توفر العاملين الأول والثاني سوى العامل الثالث، وهو القابلية للاستحمار( أو الاستعمار)، وهي ثقافة تكاد تسود في نسقنا الاجتماعي، أليست السلبية والاستسلام والخضوع والاستسهال والتسطح من مكوناتنا تقاليدنا اليومية ؟، ألا تلعب أجهزة الإعلام الحكومي دورا تدميريا في ابتداع سبل ترويجها وتثبيتها في المجتمع المصري ؟ هذه عوامل الانهيار تبدو على مرمي القدم والقلم .. لذا فإن دور الإخوان المسلمين والقوي الأخلاقية الواعية في المجتمع المصري أن تركز في الحفاظ علي الفاعلية الروحية والأخلاقية، وتدعم ثقافة المقاومة في مجتمع أوشك على السقوط أو يكاد. [email protected]