عندما سألوني في الفضائية المصرية قبل الانتخابات بيوم واحد : ألست قلقا من العنف والفوضى والانفلات في الانتخابات ، خاصة أن حملات التخويف والتحذير الذي مارسها "الفلول" وبعض القوى المتاجرة بالثورة تنتشر على نطاق واسع ، قلت على الفور : لست قلقا بأي درجة ، وواثق أن هذه الانتخابات ستكون الأفضل في تاريخ مصر والأقل عنفا أيضا . لم يكن كلامي رجما بغيب ، وإنما استقراء هادئ لتوجهات الشعب المصري الحقيقية ، بعيدا عن التشنج والكلام العاطفي المرسل الذي حاول أن يشيع أجواءا من الخوف والرعب في أوساط المصريين للتأثير على قناعاتهم أو قدرتهم على الاحتشاد للتصويت ، أيضا لم يكن رهاني على إرادة المجلس العسكري والذي قال قادته أنهم لن يسمحوا لأي جهة أو شخص بوقف مسار الانتخابات أو إثارة فوضى أو عنف فيها ، ووصل التحدي إلى أن قال أحدهم أن يوم الانتخابات سيكون يوما أسودا على البلطجية ، ولكن رهاني كان على الشعب المصري نفسه ، وإصرار قواه الحية على إنجاح الانتخابات والعبور بمصر من حقبة الظلام والظلم والديكتاتورية إلى أنوار الحرية والعدل وسيادة القانون ، هذا الشعب البطل الذي نجح في حماية دولته ومنشآتها والممتلكات الخاصة والعامة والشوارع والميادين في أعقاب الثورة عندما انسحبت الداخلية وتركت البلاد في حالة فراغ أمني كبير وغير مسبوق ، هذا الشعب هو الذي حمى دولته ومؤسساتها وقتها ، وهو الذي بسط الأمن ، ونجح بامتياز حتى بدأت القوات المسلحة تقوم بدورها ، وتعود الشرطة تدريجيا وبنسب قليلة . المشاهد التي تناقلتها وكالات الأنباء والفضائيات المصرية والعربية والعالمية أمس وأول أمس عن الانتخابات ، والطوابير "المصرية" الشهيرة أمام الدوائر والتي تمتد لمئات الأمتار أحيانا بين البرك ومياه الأمطار ، هذا المشهد الذي يعيد تكرار مشاهد يوم الاستفتاء الشهير ، يعيد "هيبة" مصر أمام العالم ، ويعيد الاعتبار لكرامة المصريين ، نحن أمام شعب عظيم يثبت كل يوم أنه قادر على صناعة مستقبله ونهضته ، وأنه أكثر وعيا بمصالحه وحقوقه مما يتصور الكثيرون وأكثر حكمة وعقلانية من نخبته التي تملأ فضاء الإعلام صخبا وضجيجا . هذه أيام عيد لمصر والمصريين ، ومن حقنا جميعا أن نفرح وأن نتيه فخرا ، لم أقابل أحدا أمس إلا وهو يبدي ذهوله من مشاهد الانتخابات ، وهو ذهول ممزوج بالفرحة الحقيقية ، وبنهاية المرحلة الأولى للانتخابات نستطيع أن نقول أن مصر قد عبرت الجزء الأكبر من محنتها ، وأن الخريطة السياسية في طريقها للتغير في الأسابيع المقبلة بشكل حاسم ، والشرعيات المتعددة التي حاولت اغتصاب إرادة الشعب والحديث باسمه أو المتاجرة باسمه ، ستطرأ عليها تغييرات جوهرية ، لأن الشعب مانح الشرعية لأي قوة سياسية أو شخصية سياسية أعلن إرادته وحدد أحجام وأوزان الجميع . أيا كانت نتيجة تلك المرحلة ، وأيا كانت نتيجة الانتخابات كلها ، وأيا كان الفائز ، فإن الحقيقة الأكيدة التي نخرج بها في نهاية هذا العيد هي أن مصر قد انتصرت . [email protected]