لا أعرف الحكمة من خروج بعض الأصوات "الرسمية" كل فترة بتصريحات مثيرة للدهشة والاستفزاز ، بدون أي معنى ولا مناسبة ، والغريب أن مثل هذه التصريحات تصدر عادة بعد أن يبدأ الهدوء يقترب من البلد والشارع السياسي ، والأغرب أن تأتي مثل هذه التصريحات من الأطراف "الرسمية" التي تشتكي مر الشكوى من القلاقل والفوضى وإثارة الشارع واستفزاز السلطات العامة . أقول هذا الكلام بمناسبة ما قاله اللواء ممدوح شاهين ، عضو المجلس العسكري أول أمس من أن البرلمان المقبل لن يكون من اختصاصه سحب الثقة من الحكومة وأنه ليس له سلطة على الحكومة ، والحقيقة أني لا أعرف بالضبط ماذا يقصد اللواء شاهين من هذه العبارة ، وهل هو يتحدث عن البرلمان الذي نفهمه ويعرفه العالم الآن ، بوصفه سلطة رقابة وتشريع ، أم أنه يتحدث عن نادي سياسي مثلا أو لجنة استشارية تتبع مجلس الوزارء أو رئاسة الجمهورية ، وذلك لأن البرلمان الذي لا يملك سحب الثقة من الحكومة أو محاسبتها هو في النهاية "مقهى" للدردشة وتسلية الوقت بالكلام في السياسة وأحاديث النميمة عن المسؤولين والوزراء . هل يمكن أن تباشر حكومة أعمالها بدون موافقة ممثلي الشعب ، هل يمكن أن تمرر الحكومة قانونا بدون الرجوع إلى ممثلي الشعب ، وهل تملك الحكومة طرح تشريع بدون تصديق من ممثلي الشعب وهل تملك الحكومة تمرير موازنة عامة بدون اعتمادها من ممثلي الشعب ، فإذا كانت الحكومة بالبداهة لا تستطيع فعل أي شيء من ذلك كله إلا بموافقة البرلمان ، ممثل الأمة والشعب ، فكيف استباح اللواء شاهين القول بأن البرلمان المقبل ليس من حقه محاسبة الحكومة ولا اختيارها ، هل هو يخترع نظاما سياسيا خاصة بسيادته ، لا يعرفه العالم من قبله ولا من بعده ، ثم لماذا يصدر هذا الكلام قبل يوم أو يومين فقط من الانتخابات البرلمانية ، ولماذا هذا التحقير والاستخفاف العمدي بالانتخابات والبرلمان الجديد الذي يعول عليه المصريون كثيرا في تدشين مؤسسات دولة ديمقراطية جديدة وإعادة الاستقرار إلى البلاد ونقل الحراك السياسي من الشارع إلى مؤسسات لها احترامها وقوتها وقدرتها على تسيير شؤون الدولة . هل يقلق "عضو المجلس الأعلى للقوات المسلحة" من الانتخابات الجديدة وما يمكن أن تفرزه من خريطة جديدة لمصر ، وبالتالي لجأ إلى التحقير من شأنه مسبقا ، هل أراد أن يغازل قوى سياسية معينة ترى أن الشعب سوف يعطيها ظهره في الانتخابات ولن تحصل على شيء ، فرأى أن يقول لهم : لا تنزعجوا ، إنه ليس برلمانا بحق وحقيق ، هو برلمان "كده وكده" . الناس ما صدقت تأخذ نفسها من مصيبة علي السلمي وافتكاساته التي هيجت البلد وكانت سببا مباشرا في الاضطراب الخطير الذي حدث طوال الأسبوع الماضي وانتهى بإقالة الحكومة كلها ، حتى فوجئت الآن بافتكاسة أخرى كأنها تدعو الملايين إلى النزول إلى الميادين والشوارع من جديد لكي تقول للعسكري : عيب . [email protected]