ليلة أخرى مطيرة من ليالي شتاء العام 2045 ... ينهمكُ في قراءة بعض الكتب التاريخية.. تستغرقه التفاصيل.. العواصف الحقيقية ثائرةٌ هنالك في تلافيف عقله، وخبايا كيانه... لا وقت للراحة؛ إنهم يحشدون للمعركة الأخيرة، وهو موقنٌ أنَّ التاريخ بذخائره يحملُ تشخيص الداء والدواء.. كيف لا والقرآن الكريم مليءٌ بالآيات التي تحثُّ على استقراء التاريخ والوقوف على عبراته؟ أحداثٌ مفصلية وقعت قبل أربعٍ وثلاثين سنة تقريبًا. إنَّها ثورة 25 يناير وتداعياتها... يخبره التاريخُ كيف أنَّ الإسلاميين كانوا قاب قوسين أو أدنى من تحقيق الحلم، والتمكن من تحقيق المشروع السياسي الإسلامي. يذكر المؤرخون أنَّ الفشل لم يكن تلك المرة بسبب الحشود ضدَّهم، لم يكن بمؤامرات الخارج ولا بتواطؤ الداخل...فقط كان الفشل بسبب أخطاء ساذجةٍ وقعوا فيها. يذكر التاريخ كيف أنَّ كلَّ المناوئين لهم من علمانيين واشتراكيين وشيوعيين قد جمعوا لهم. كيف كانت تُجرى الترتيبات الكنسية الموسعة في الداخل والخارج لتنسيق التصويت لمرشحين معينين لضمان عدم تشتُّت الأصوات. ثمَّ يقرأ عن انقسام الإسلاميين على أنفسهم حتى صار لهم في بعض الدوائر ثلاث قوائم وربَّما أكثر. يقرأُ مُذكِّرات الشباب الحائر؛ كيف أنَّ أحدهم كان يخرجُ ليُدليَ بصوته مُحتارًا لا يدري من يُرشِّح؟ وفي النهاية يرجع دون أن يُصوِّت لأحدٍ.. كيف أنَّ أحدهم كان يقع فريسة الهمّ والكآبة لأنَّه مضطرٌ إلى الاختيار بين مُرشَّح جماعته أو حزبه وبين مُرشَّحٍ إسلاميٍّ آخر يراه أكفأ وأصلح ... كيف أنَّ أحدهم لم يكن ليقنع غيره بالتصويت للإسلاميين لأنه هو نفسه لا يدري لأيِّهم يُصوِّت. وهكذا؛ الليبراليون بطُرقهم الديكتاتورية الإقصائية وألاعيب الحواة التي يُجيدونها يصلون إلى سُدَّة الحكم، ليحكموا لأكثر من ثلاثة عقودٍ بالنار والحديد... وتقوم الثورة المعتادة كل ثلاثين عامًا تقريبًا لتقضيَ على طاغيتهم، لتبدأ معركة جديدة بين الإسلاميين وبين أنصار مذهب البوست ليبراليزم (ما بعد الليبرالية)؛ الذين يُقسمون بأغلظ الأيمان الفرعونية على أنه ليس لهم علاقة من قريبٍ ولا بعيدٍ بأسلافهم الليبراليين، وأنَّ مذهبهم هو قمَّة ما وصل إليه الفكر البشريّ، وأنَّ الجنَّة هنا على الأرض؛ ولا وجودَ لجنَّةٍ أخرى... والآنَ يحتدم الجدل، وتتصاعد حِدَّة المعركة، وهو يبذل قُصارى جهده للتوفيق بين خمسة تياراتٍ سياسية كانت تُشكِّل قبل انقسامها ما عُرفَ يومًا بجماعة (الإخوان المسلمين)؛ ثمَّ بعد ذلك يكون عليه أن يحاول التوفيق بين أكثر من عشرة تياراتٍ إسلامية أخرى كانت تشكِّل ما عُرفَ تاريخيًّا بالدعوة السلفية. هناك تيَّار إسلاميٌّ آخرُ ترجعُ جذوره إلى الجماعة الإسلامية التي تنتمي جُغرافيًا إلى دولة الصعيد جارتنا الجنوبية.نسألُ الله أن يرُدَّها هي وأخواتها الأخرى إلى دولة مصر الأمّ!!! أفقتُ من هذا الكابوس البشع، وإذ بي على مشارفِ العام الهجري 1433ه ، وأمامي كتابٌ كنتُ أقرأ فيه عن إحدى معارك المسلمين مع أعدائهم حيثُ يقول الجُنديُّ المرتجف لقائده المسلم: ما أكثر الروم وأقل المسلمين!!! فيردُّ عليه القائدُ الأبيُّ: وددتُ لو بَرئ الأشقر وضاعفوا من عددهم! والأشقر فرسه الذي أنهكته الحرب. فالمشكلة من وجهة نظر هذا القائد ليست في كثرة أعداد هؤلاء ولا في حشودهم؛ فقط لو بَرئَ الأشقر...