بالنظر لسوريا قبل حكم أسرة الأسد نجد أن القوى الاقليمية، ممثلة فى مصر جنوباً والعراق شرقاً وتركيا غرباً، لم تعط الفرصة لها بأن يمتد تأثيرها أو نفوذها خارج حدودها. غير أن السياق الذى جاءت فيه أسرة الأسد، بالاتفاق مع حلفائها الغربيين وإيران، جاء ليفرض معادلة ظلت راسخة عشرات السنين. بأن تتبوأ سوريا مكانتها الاقليمية والاقتصادية مقابل قبولها لأن تصبح طابوراً خامساً لصالح الغرب. وانطلت تلك المعادلة على الشعب السورى بتحسن أوضاعه المعيشية، وشعوره بالفخر للدور الاقليمى الجديد الذى بدأت تلعبه سوريا . بالفعل أعطيت سوريا الأسد المكانة الاقليمية التى حلمت بها، بتدبير غربى وتنسيق شيعى متكامل. لكن الغريب فى المسألة أنها سوقت نفسها للعالم العربى كجبهة مقاومة ضد إسرائيل، وعلى هذا سارت الأمور كالتالى : عداء ظاهر بين الغرب وسوريا، وتنسيق تحتى كامل يخدم الطرفين. وحتى تدخل اللعبة على الشعوب العربية، تم تضخيم سوريا المقاومة والممانعة بصورة غير مسبوقة. فى مقابل تقريب الغرب للأطراف التى قبلت السلام مع اسرائيل لحرق وتشويه صورتها بين العرب. ولما كان هذا السياق يخدم جميع الأطراف التى رتبت لصناعته، جرى السير فيه حتى بداية 2011. حيث ظلت تلك المعادلة هى التى تحكم علاقات سوريا الأقليمية والدولية على كل الأصعدة. من المؤكد أن التغييرات التى جرت فى العالم العربى فى مستهل عام 2011، قد فرضت نفسها على الأوضاع فى سوريا. السؤال الذى يطرح نفسه هل المعادلة التى تغيرت فى سوريا تمت بأيدى خارجية أم بأيدى داخلية؟ الاجابة تبدو محسومة بأن العامل الخارجى كان فى الماضى فى صالح الأسد على طول الخط. الجديد الذى حدث هو أن الشعب هو الذى خرج على الأسد هذه المرة. فتقريبا75% من الشعب يقفون ضد الأسد. وكان من الطبيعى على القوى الاقليمية ألا تقف مكتوفة الأيدى وهى ترى نظاماً يقتل ويشرد ويسفك الدماء ليل نهار. فكان ما كان من قبل الجامعة العربية. أما القوى الغربية التى تؤيد نظام الأسد من تحت السطح، وجدت نفسها أمام حرج شديد: شعب يخرج برمته على رجلهم الذى صنعوه وأبيه على أعينهم فى جانب، ووجدوا صنيعتهم أحمق يرتكب من الأخطاء ما يكشف ترتيباتهم ويفضحها بصورة تؤثر على مستقبلهم فى المنطقة فى جانب اَخر. ويبدو أن الغرب وجد حل هذه المعضلة فى وضع روسيا والصين كعقبة ضد أى حلول تفرض من الأممالمتحدة ومجلس الأمن لرعاية المدنيين. وبالطبع فإن هذا الترتيب كشف اللعبة التى تجرى فى الخفاء بين رجالات الغرب فى روسيا، وهذا الوجه القبيح الذى أظهروه للثورة والثوار السوريين. رغم هذا، فإن تماسك الثوار السوريين وتقاربهم وإعلان تحديهم، واستمراهم فى ثورتهم، رغم التضحيات الهائلة التى قدموها، وأنهم على استعداد لتقديم المزيد حتى يرحل النظام السورى برمته، ستجبر الروس والغرب جميعاً على تغيير موقفهم. ولعل المقابلات الرسمية والعلنية التى جرت بين الساسة الروس وبعض أعضاء المجلس الانتقالى السورى تقول بأن العامل الداخلى هو الملهم والمحرك لكل التحركات الخارجية، سواء الاقليمية أو الدولية.