لأول مرة منذ عام 1975 يستقبلنى ضابط الجوازات فى مطار سخيبهول بالعاصمة الهولندية أمستردام والإبتسامة تملأ وجهه مُهللاً " أهلاً بك يا مصرى " . . وبعد أن انتهيت من إجراءات وصولى لهولندا - التى لا تستغرق إلا دقائق مهما كانت أعداد ركاب الطائرات – كان ذلك الضابط قد انتهى من فترة عمله وحضر إلى وأنا انتظر حقيبتى ، وبذات الابتسامة بادرنى : مُعظم الشعب الهولندى شديد الاعتزاز بالمصريين وثوار مصر ، فقد تغيرت فكرتنا عنكم من الضد للضد الآخر فى أيام قليلة ، وأنا استعدت ما درسته فى الصغر عن عظمة المصريين وتاريخهم الحضارى والثقافى العالى . كان ذلك عقب ثورة شباب 25 يناير حينما عُدت لهولندا ، حيث وجدت صورة مصر فى المجتمع الهولندى قد تغيرت وتحسنت ، وتابعت وسائل الاعلام بشغف مُثير من شدة حلاوة رنين وصدى اسم مصر الذى انجلى بفعل ثورتنا ، لم أر على مدار أكثر من 30 عاماً مثل هذه الحرارة والعاطفة على ألسنة وفى عيون شعب هولندا . أما جارى الذى جمعنى معه المصعد الكهربائى فى بيتى بهولندا ، فقد قال لى مُبتسماً : " أرجو ألا يُضايقك ما سأقوله الآن . . فى الماضى كان بعضنا يحتفظ بصورة مصر والمصريين فى إطار مناظر نمطية للخيول والجمال التى تحيط بأهرامات الجيزة ، ولا أخفيك سراً إنها كانت صورة سلبية تقترن بالتخلف الحضارى ، رُبما تكون هذه الصورة ترسخت فى أذهاننا بفعل الإعلام المُعادى لكُم ، ولكن انتصاركم على الحُكم الديكتاتورى بثورة مصر غيرت الصورة النمطية ، خاصة انتصاركم فى موقعة الجمل . الآن وقد شارفت خيبة الأمل أن تتملكنا وتحاصرنا بسبب ما آلت إليه ثورتنا ، تردى المستوى الإقتصادى . . ارتباك سياسى فى الحكومات المتعاقبة منذ الثورة . . مخاوف اجتماعية . . فقدان الثقة فى الحاضر والمُستقبل . . تناقضات واختلافات فى الرأى بين القوى السياسية والنخبة . . تجدد حالة الهياج والغضب الشعبى . . كل ذلك كاد أن يسرق منا الأمل ، وشارف أن يُبدد النور الذى أضاءته ثورة 25 يناير الى حالة من الظلام الدامس . فصورة ثورتنا لا ننكر أنها تهتز ولم تعُد ثابتة كما أردناها لها ، فما بالك بصورة مصر فى الخارج؟! . . وبعد حوالى 10 أشهر من الثورة تشوهت صورتنا فى هولندا ، تشوهت ليس بسبب ضعف أو خيانة جموع الشعب المصرى ، فالغالبية من الأمة المصرية طاهرة ونقية ، لكن بسبب نفر قليل لا يريد لمصر أن تتقدم ، حفنة من ضعاف النفوس تتعاون مع أيادى قذرة تريد تدمير مصر بعضها قادم من دول مجاورة لنا ، تخشى أن تقام فى مصر دولة مؤسسات ديمقراطية ، وأخرى من دول أوروبية وغربية لا تُريد لمصر أن تخرج من طوق الاحتياج الاقتصادى والعلمى والصناعى للدول المُتقدمة . تحسين صورة ثورة مصر الآن داخلياً وخارجياً أمر ضرورى ، وتجديد الأمل والعمل على نجاح ثورتنا مسئوليتنا جميعاً ، ثوار وغير ثوار . . كلنا ركاب سفينة واحدة . . نستعيد انتصارنا على الصورة النمطية لخيول وجمال ساحة أهرامات الجيزة ، ونؤكد انتصار الثوار فى موقعة الجمل بميدان التحرير ، قبل أن تكون خيبة الأمل راكبة جمل . [email protected]