تشهد مجتمعاتنا – وبكل أسف- سلوكيات تتنافى مع صورة الرجولة كما حث عليها الشرع، واستقرت في الفطر والعقول السليمة، فالرجل الحقيقي صاحب الدين والخلق الحميد والمروءة، يتعامل مع المرأة برفق واحترام، ولا يطيع أحدًا في معصية الله تعالى. فحين يطلق الكثيرون زوجاتهم، ويتخلون عن مسؤولياتهم المعنوية والمادية تجاه أبنائهم، ويرفضون الإنفاق عليهم، ويتركونهم يعانون ويلات الحاجة والحرمان، ما يضطر زوجات كثيرات إلى رفع قضايا للحصول على حقوق الأبناء المادية، فيتهرب الأزواج ويتلاعبون في إثبات دخولهم ويماطلون في الدفع، خشية الحبس، فهذا دليل دامغ على وجود أزمة رجولة!.. وعندما ترى في الشارع زوجا يضرب زوجته ويسبها بأقذع الألفاظ، ويهينها أمام الجميع لسبب أو لآخر، ويطردها من بيته شر طردة ليلا، فهذا يؤكد أن هناك أزمة رجولة!.. وحين تسمع عمن يظلمون أخواتهم ويحرمونهن من ميراثهن الشرعي أو يعطونهن الفتات ويبخسونهن حقوقهن، بدعوى أنهن إناث متزوجات، وبالتالي يعد أزواجهن مسؤولين عنهن مسؤولية كاملة- كما يتعللون - فتعلم علم اليقين أن في مجتمعاتنا أزمة رجولة وجهل بالدين وأحكامه!.. وعندما يتخلى الكثيرون متجردين من الوفاء عن زوجاتهم الأوليات، سواء بالهجر التام، أو الطلاق، رضوخًا لافتتان بزوجة ثانية، وإيثارا للذة جديد، فيختفون من حياة أبنائهم، وربما كان منهم مراهقين يحتاجون لرعاية وتواجد أب مسؤول متفهم.. ويهدرون مشاعر زوجات شاركنهم أعمارهم، وتحملن معهم الكثير من المرارات والأوقات الصعبة استسلاما لهوى، وضعفا أمام الزوجة الجديدة، ودهسًا لشرط العدل الذي نص عليه القرآن الكريم حتى لا يكون التعدد جريمة يأتي صاحبها يوم القيامة وأحد شقيه مائل.. فتأكد أنها أزمة رجولة. وكذلك عندما يتعامل البعض مع التعدد وكأنه لعبة أو مغامرة، فيتخلون عن الزوجة الثانية، تحت ضغط الأولى، التي تعتبر زوجها ملكا لها، وليس عبدا من عباد الله، أو لتبخر رغبته في زوجته الجديدة بعد أن خاض التجربة ووجدها حياة حقيقية، وليست حلم يقظة أو مجرد حل لأزمة يعانيها مع زوجته الأولى.. متناسين أن الله تعالى سمّى الزواج "ميثاقا غليظا".. فتلك بلا شك أزمة رجولة. وحين يقوم عدد من المحسوبين خطأً على الرجال بسب وقذف من كُنَّ زوجاتهم لسنوات، والتشهير بهن، والخوض في أعراضهن لوقف حالهن، وتلويث سمعتهن، حتى لا يمكنهن الزواج من آخرين ويعجزن عن مواجهة المجتمع، فضلًا عن انتقام آخرين من زوجاتهم بتلفيق قضايا وجرائم لهن، غير مكترثين بخطورة ما يصنعون ويدبرون من مكائد على أبنائهم الذين يصابون بكثير من العقد والأمراض النفسية، ويعجزون عن التكيف مع المجتمع ومواجهة الآخرين، فهذا يزيد التأكيد على وجود أزمة رجولة يدفع ثمنها المجتمع كله!.. فليس كل ذكر رجلا، وليست الرجولة بالتسلط والتجبر والصوت العالي وحب السيطرة والتملك، وإنما الرجولة قوة نفسية تحمل صاحبها على أن يؤدي واجبه نحو ربه، وواجبه نحو نفسه، وواجبه نحو أهله، ودينه، وأمته.. الرجولة تعني الإصلاح لا الإفساد، وتعني تأليف القلوب لا تفريقها.. الرجولة تعني العمل وطرق أبواب الرزق الحلال، لا القعود بلا عمل وانتظار النفقة من أحد، كما تعني العدل، والتواضع ولين الجانب، وحسن معاملة وعشرة الزوجة، وتقوى الله فيها، والتسامح، والعفو عند المقدرة.