في ما وراء حقول القمح الممتدة بعيدا إلى سطر الأفق، هناك عند تلال تبدو كأن لم تصل إليها يد البشر، وتحديدا في مدخل روبايا شرقي الكونغو الديمقراطية، تنهال المعاول في حركة لا تهدأ، بحثا عن التنتالوم، هذا المعدن النادر، وغيره من كنوز المواد الأولية، مما يزخر به باطن أرض هذه المنطقة. وللوصول إلى مناجم روبايا ينبغي الخروج عن المسالك المعبدة، واتخاذ طريق مروج غوما (شرق) على بعد بعد 60 كيلومتر من هذه المدينة، حيث يزخر باطن الأرض بمادة تلقى طلبا عالميا كبيرا على مستوى العالم أجمع، هي مادة التنتالوم أو ما يعرف أيضا بال "كولتان" التي تقبل عليها كبرى الشركات العالمية العاملة في مجال الهواتف الجوالة، والشركات الطبية التي تستخدمها في صنع أدوات الجراحة. وفي 2014، بلغ إنتاج منطقة روبايا من معدن الكولتان 992 ألف و 637 طنا، بينها 798 ألف و637 طن صدرت إلى الصين واليابان وبلجيكا والولايات المتحدةالأمريكية، وفقا لتقرير مصلحة المناجم والجيولوجيا بشمال كيفو (شرق)، والذي أشار إلى أن الكونغو الديمقراطية تمتلك وحدها نسبة 80 % من المخزون العالمي لهذا المعدن. وعلى الرغم من أن منطقة روبايا تعتبر "مملكة" الكولتان في الكونغو الديمقراطية، غير أن هذه الثروة الباطنية لم تنعكس البتة على ظروف عيش سكانها الذين مازالوا يفتقرون إلى أبسط المرافق الحياتية، ولعل أول المشاكل تتمثل في صعوبة الوصول إلى المدينة، فوحدها الدراجات النارية يمكن أن تقوم برحلات بين غوما وروبايا. عن ذلك، يقول رافائيل، أحد أعيان روبايا للأناضول: "لدينا أرض غنية بالثروات و لكننا لسنا سعداء"، في إشارة إلى صعوبة ظروف الحياة بالمنطقة وغياب أبسط المرافق العامة. وتبدو حالة الطرقات المهترئة كأول مظهر من مظاهر غياب المرافق في المنطقة التي تمتد على مساحة 4 آلاف و 734 كلم مربع، وقد كانت فيما مضى من الأيام تحت مجهر وسائل الإعلام العالمية لانتشار نشاطات الحركات المسلحة المتمردة بين أرجائها. ويعيش في روبايا اليوم نحو 100 ألف شخص، وقد استقبلت المنطقة عددا كبيرا من الوافدين من القرى المجاورة على إثر المواجهات بين قوات الجيش النظامي والجماعات المسلحة، تركوا أراضيهم الفلاحية، مفضلين الخوض في الثروات المنجمية التي "تدر أموالا أكبر" على حد رأي البعض منهم، ما جعل المساحات المنجمية تبتلع الأراضي الزراعية مع تقدم عمليات الاستغلال. ويسهر على متابعة عملية استخراج الكولتان في المربعات المنجمية، مشرف يقود فريقا من عمال المناجم أو الحرفيين، ويتم تجميع هذه المادة في أكياس تنقل إلى القرى عبر ناقلين مترجلين من النساء والشباب، حيث يقتني بعض التجار الكولتان لتسويقه في المدن الكبرى ولدى الأجانب الباحثين دوما عن هذا المعدن الثمين. هذا فضلا عن وفود طائرات شحن تتبع شركة خاصة تنقل الكولتان إلى المدن الأفريقية الكبرى، نحو غوما و بوكافو (على إحدى ضفاف بحيرة كيفو) و كيغالي (رواندا) و كامبالا (أوغندا)، فيما تعود هذه الطائرات غالبا بالمواد الغذائية و السلع المصنعة لبيعها لتجار التجزئة والسكان المحليين. وتعيل مناجم الكولتان آلاف الأشخاص في المنطقة، لا سيما الشباب المتراوحة أعمارهم ما بين 15 و 35 عاما من الذين يشتغلون طول اليوم، من الصباح الباكر إلى المساء على ضوء المصابيح اليدوية، وقد شيد هؤلاء ما يشبه المخيمات ينامون فيها لحراسة أدوات استخراج بسيطة تتكون من معاول وآلات يدوية تساعدهم في عملهم، في ظل مناخ أمني غير مستقر. وتزخر الكونغو الديمقراطية بثروات طبيعية كبيرة من بينها الذهب والنحاس و الزنك، غير أن الكولتان يبقى المادة المميزة حيث تحتكم البلاد على 80 % من المخزون العالمي لهذه المادة.