التعميم يمكنه ان يكون مأساة قاتلة لأنه يعمي عن التفاصيل والاختلافات ويوصلنا الى نتائج مضللة تبدو وكأنها قوانين ثابتة وسنن لا يمكن دحضها دون دليل ، سنقع في هذا الفخ لو ادعينا ان كل الدول العربية متجانسة السياسات او الاولويات او الرؤى اتجاه قضية معينة ، لكن الامر الذي لا يمكن تجاهله انه فعلا المنطقة العربية تمر بمراحل يكون التركيز فيها على اعلى مستوياته وأخرى تتميز بالتحلل والتراجع ، الحالة الاولى كانت دور قيادات كاريزماتية مثل شخصية الرئيس الراحل جمال عبد الناصر ، انتعاش افكار ونماذج مستقلة مثلما حدث في فترة نضال بعض الدول من اجل تحقيق التحرر الوطني ، خلال هذا العهد تم تشكيل اغلب ثوابت والمبادئ الرئيسة للأمة العربية التي تم خرقها لاحقا بشكل كارثي ، من ضمن هذه الثوابت ما يتعلق بالموقف من الصراع العربي الاسرائيلي _الذي تحول الى صراع فلسطيني اسرائيلي_ خصوصا قضية التعامل مع الكيان الصهيوني "إسرائيل" وتطبيع العلاقات معها . حاليا الامور انقلبت رأسا على عقب ففي الوقت الذي نجد دول غربية مثل الدول الاوروبية تهرول للاعتراف بالدولة الفلسطينية والتنديد بحركة الاستيطان و الذي نجد فيها مؤسسات اكاديمية اجنبية تقاطع فعاليات اسرائيلية و حركات المقاطعة الاقتصادية في اوج ازدهارها حتى وان كانت مكاسبها معنوية ولا تؤثر بشكل حقيقي على الاقتصاد الاسرائيلي لكنها تكمل دائرة خنق اسرائيل التي تحاول تلميع صورتها في الخارج ، نجد في العالم العربي مظاهر تدل اننا لا نواكب هذه الموجه العالمية وكأننا نعيش في كوكب اخر من ضمن الامثلة : الاعلام المصري في وقت العدوان على غزة الاخير الذي كان يركز على فكرة ان حماس تنظيم مجرم دون ادنى اعتبار لحياة المدنيين التي كانت تهدر على وقع الهجمات وبعض الاعلاميين ذوي الاراء الاكثر احتشاما كان يندد لماذا لم تركز اسرائيل على معاقل حماس وتضرب المدنيين ، مشهد اخر مثل المظاهر التطبيعية مع اسرائيل من خلال لقاءات سامية بين اسرائيل ودول عربية ، وربما اوضح الصور كانت مع اعتبار جناح حماس العسكري تنظيما ارهابيا من قبل القضاء المصري لحقه حكم اخر على يعتبر حماس ارهابية وهو القرار الذي تم التراجع عنه في الحكم الاسئنافي . وعن اسباب هذه المشاهد الرديئة لا توجد اجابات غير مصالح تكتيكية للأنظمة السياسية غاب عنها البعد الاستراتيجي فمصر بعد حكم السيسي تعتبر تنظيم الاخوان بامتداداته في باقي الدول اسوا وأشرس عدو يجب مواجهته هذه الفكرة التي ترسبت الى اعلام النظام الرسمي وغير الرسمي الموالي ، نفس الامر بالنسبة للقضاء الذي جعلته يتجرا على اصدار احكام مماثلة في حين كان يقضي مباشرة بعدم الاختصاص عندما يتعلق الامر بتجريم اسرائيل او وسمها بطابع الارهاب . السبب الثاني هو تغير اولويات العداوة ففي الوقت القريب قبل ان تبدأ مفاوضات ايران مع الدول الغربية بقيادة الولاياتالمتحدةالامريكية كانت ايران العدو الثاني بعد اسرائيل ، لكن الامور تغيرت بعد بدا المفاوضات اضافة الى ظهور تعقيدات جديدة مثل التدخل العميق الايراني في سوريا من اجل الحفاظ على تماسك النظام السوري في الحرب ، والتدخل الايراني في لبنان من خلال اذرعتها الذي ادى الى ارباك المشهد السياسي وعرقلة التوافق على رئيس ، الى تدخلها في العراق وأثاره المدمرة على بينة العراق ذات التركيبة الطائفية الهشة ، وأخيرا دعمها للحوثييين في اليمن الذين قاموا بالاستيلاء على السلطة بطريقة غير شرعية و ما ترتب عنه نشوب حرب ما تزال مستعرة الى الان رغم مزاعم من حين لأخر بإنهاء العمليات . من خلال ما سبق اصبحت بعض الدول تفضل التحالف مع اسرائيل معها كونها تحمل وجهة نظر متشابهة حيال التعامل مع إيران فلا احد يشك في ان البرنامج النووي الايراني يقض مضجع اسرائيل خصوصا وإنها تدرك ان الولاياتالمتحدةالامريكية اكثر استعدادا لتقبل "ايران نووية " مثلما فعلت مع باكستان سابقا دون ان تعتبر ذلك تهديدا مباشرا لمصالحها ، في حين ان اسرائيل تعتبره تهديدا وجوديا ، مما ادى بعدد من المسؤولين الاسرائيليين الى التلميح بإمكانية ضرب المنشات النووية الايرانية بشكل منفرد وهو الامر الذي حذر من مغبته الرئيس اوباما اول وصوله الى البيت الابيض والى حد الساعة تحاول اسرائيل جمع حلفاءها في امريكا لعرقلة الاتفاق وإفساده . المشكلة لا تكمن في طبيعة الخلافات العربية البينية ولا الخلافات مع دول اقليمية مثل ايران ، المشكلة في خرق الثوابت والطابهوات التي وضعها العرب لأنفسهم وغيرهم بدوافع تكتيكية دون رؤية استراتيجية شاملة وأيضا المعايير المزدوجة التي يتم تطبيقها في هذا الصدد فإسرائيل دولة تنتهك حقوقا عربية وفلسطينية وحاليا هي تمر باسوا اشكالها من حيث التطرف وعدم الاستجابة للدعوات المختلفة لإنهاء الاحتلال او وقف الاستيطان والعودة للمفاوضات ، اضافة الى ان قلب المعايير في هذه المرحلة شديدة الاهمية التي تتقهقر فيها اسرائيل وتختنق ويحاول العالم فيها تحميلها مسؤولية فشل المفاوضات ، تعني ان العرب تاهوا كثيرا بحيث لم يعودوا يشبهون انفسهم ولا اراءهم .