التهديد الإيراني بتدمير إسرائيل أحمد الفرحان أبوهزيم تكررت التهديدات الإيرانية بتدمير إسرائيل، فقد صرح الرئيس الإيراني محمود نجاد بأنه يجب إزالة إسرائيل من الخريطة، ثم عاد الجنرال آشتياني نائب قائد الجيش الإيراني ليهدد ولكن بشكل أكثر عنفا، والتصريح بأن إيران ستمحو إسرائيل من وجه الكون إذا ما بادرتها الأخيرة بالهجوم. وإذا لم تَخُن الجنرال اّشتياني لغته، فان علينا توقع غرق أو تبخر جزء كبير من فلسطين التاريخية بجباله وسهوله ومن عليه يوما ما من الوجود، فهل هذا معقول؟؟ ربما كان الجنرال اّشتياني يشير إلى وجود قدرات لدى إيران خارقة أكبر حتى من تلك التي للأسلحة النووية، ومع أن كل شيء ممكن بوجود العلم، إلا انه لا يوجد مؤشرات أو دلائل على امتلاك إيران لمثل هكذا قدرات، ويبقى لنا أن نفترض بأن الجنرال اّشتياني يشير إلى استخدام أسلحة دمار شامل لا تتعدى كونها أسلحة نووية على ابعد تقدير. ولو أقررنا من ناحيتنا بوجود أسلحة نووية لدى إيران، فما مدى واقعية استخدام هذه الأسلحة ضد إسرائيل حتى مع غض النظر عن القانون الدولي وعن المعاهدات المتعلقة بهذا النوع من الأسلحة المحرمة؟؟ من الناحية الجغرافية المحضة، فان إسرائيل هي جزء من فلسطين التاريخية، وحدودها متعرجة، فحينا نجد حدودها تتمدد في العمق الفلسطيني حتى تصل إلى غور الأردن وأحيانا نجدها تتراجع لتترك حدود السلطة الفلسطينية تتمدد بالعمق الإسرائيلي حتى تكاد تقطعه نصفين وتصل إلى البحر المتوسط عند طولكرم . والمعنى هنا أن هنالك تداخلا كبيرا في حدود المناطق المخصصة(دوليا) لليهود والمناطق المخصصة للسلطة الفلسطينية وان ما يصيب إحدى الدولتين من كوارث يصيب الأخرى تلقائيا كونهما متداخلتين على صفيحة صغيرة واحدة. من الناحية الديموغرافية نجد هنالك تداخلا سكانيا بين اليهود والعرب حتى في تلك المناطق المعترف بها دوليا ككيان إسرائيلي، إذ ينتشر فيها سكان عرب، ويوجد بها مناطق ذات كثافة سكانية عربية عالية جدا، كما تشير الإحصائيات الديموغرافية أن السكان العرب يشكلون نسبة 20% تقريبا من مجمل سكان إسرائيل، وأن الإفناء الناتج عن أسلحة الدمار الشامل لا يميز بين اليهود وغيرهم. من وجهة نظر الإستراتيجية العسكرية فان العمق الإسرائيلي المتعامد مع البحر المتوسط هو عمق ضحل، ونظرا لشكل المناورة النووية الواسع، فانه لا يسمح بإجراء مناورة نووية إستراتيجية كاملة دون التعدي على الدول المجاورة فلسطين والأردن، وان أي عمليات تستهدف إسرائيل لا بد أن تشمل أراضي السلطة الفلسطينية تلقائيا وبالضرورة. من زاوية مفعول الأسلحة النووية، فان السحابات النووية إذا حصلت، لن تتوقف عند حدود إسرائيل، وإنما ستبقى راكبة للريح وعابرة للحدود إلى الأراضي الفلسطينية والأردنية وبقية الدول العربية المجاورة، أما الآثار الباقية الناتجة عن الإشعاع النووي، فحسبنا أن نشير إلى مفاعل تشرنوبل الذي تأثرت بنكبته دول كثيرة تبعد عنه مئات الأميال. أي أن أضرار الأسلحة النووية من دمار وإفناء لن تتمكن إيران من حصرها بإسرائيل حتى لو أرادت، وإنما ستكون أضرارها مباشرة على دول الإقليم، وغير مباشرة على دول كثيرة خارج حدود الإقليم. من زاوية علم المقذوفات، فان وسائل القذف الاستراتيجي بعيدة المدى، لا يضمن استخدامها السلامة (المطلقة) لمسار المقذوف النووي أو الدقة(المطلقة) لمكان وصوله، مما يجعل دولا عربية عديدة في دائرة الخطر المباشر. أما إذا أرادت إيران استخدام أسلحة إستراتيجية قصيرة المدى، برؤوس تكتيكية ذات قدرة تدميرية شاملة، بقصد إبقاء الآثار التدميرية ضمن الحد المسيطر عليه، فان ذلك يتطلب الانطلاق من قواعد جغرافية قريبة من إسرائيل تسمح أيضا بإجراء هذه الضربات النووية ومن ثم المناورة الواسعة لاستثمارها إلى حدودها القصوى وهذا غير متوفر، وان القول بوجود حزب الله في الجنوب اللبناني أو حماس في الجنوب الفلسطيني كقاعدتين ملائمتين لانطلاق واستثمار ضربات نووية فهو مجرد وهم ، إذ أنهما يفتقدان البنية والمؤسسات القادرة على إجراء الضربة غير التقليدية ومن ثم المناورة والاستثمار، وتأمين المنطقة المضروبة وإدامة هذا التأمين. أما الدول العربية المجاورة لإسرائيل، فهي وبالتأكيد ليست بحاجة إلى هذه المغامرة لعدة أسباب، نذكر منها، فداحة وعدم إنسانية نتائج الهجوم النووي الإيراني وفداحة وعدم إنسانية نتائج الرد الإسرائيلي المتاح بكافة أسلحة الدمار الشامل المعروفة. وعليه فان التهديد الإيراني بتدمير إسرائيل نوويا، تهديد لا يتمتع بمصداقية ، وتنقصه الحرفية، وتلفه ضبابية، وغير معقول عسكريا، ومرفوض عربيا، فمن يتحدث عن تدمير إسرائيل بالأسلحة النووية فانه يتحدث عن تدمير دول عربية أولها فلسطين، وما الفائدة من فلسطين او القدس إذا أصبحتا مثل هوريشيما أو ناجازاكي اليابانيتين، وما استخدام السلاح النووي ضد إسرائيل إلا وَهْم، وسوى شعار يرفعه البعض للتضليل ويصدقه الطيبون من الناس. عن صحيفة الرأي الاردنية 30/4/2008