عندما كتبت ب " المصريون" مقال " ليتني كنت علمانيا" علق أحد القراء بقوله إنه في انتظار" ليتني كنت طائفيا" و" ليتني كنت شنودياً". وشغلتني الشواغل عن تلبية مطلبه حتى كانت أحداث ماسبيرو التي تجعل الطائفية مكسبا استراتيجيا للفرد والطائفة بحيث يتمنى مَن ليس طائفيا أن يكون كذلك ليحصل على مزيد من الطبطبة والتدليل من الدولة ومسئوليها ومن جوقة الإعلاميين. نعم ، ليت صاحب التعليق كان طائفيا ليصبح فوق السلطة وفوق القانون وفوق الدولة وفوق أمن الوطن ، كل ذلك من أجل ألا يُتهم المجتمع أو الدولة بأنها تمارس اضطهادا ضده! ليته كان طائفيا ليظهر بمظهر الحمل الوديع بعد كل مشكلة أو فتنة طائفية، وأنه المجني عليه دائما ، وأنه المظلوم دائما ! ليته كان طائفيا لتتجاهل الصحف والفضائيات دوره في إحداث كل أزمة وفتنة طائفية يريد بها أن يضغط على الدولة ليجني مزيدا من الامتيازات، بل تركز الصحف والفضائيات على ما وقع له من رد فعل للجماهير الغاضبة التي ضاقت ذرعا بالاستفزاز المستمر والسافر من قبل كهنة الطائفية . ليته كان طائفيا ليتخطف مَن أراد التحول للإسلام على سمع وبصر الجميع من أجهزة الدولة والمنظمات الحقوقية والمدنية ، ثم لا يتهمه أحد بالإرهاب والتطرف، ولا يجرؤ أحد على مساءلته ومقاضاته، ثم بعد ذلك يخترع مسلسلا مكرورا سمجا حين تفر إحدى المتحولات إلى الإسلام بدينها خوفا من البطش الطائفي ، وحذرا من أن تكون صورة أخرى ل " وفاء قسطنطين " و" وكاميليا شحاته" وغيرهما، ويكون سيناريو وحوار مسلسله السمج أن المسلمين اختطفوا بناته وأجبروهن على الإسلام!! يا لها من سخافة ! ويا لسخافة المروجين للسخافة!! ليته كان طائفيا ليخرج بالصوت والصورة فيهدد مسئولا في الدولة بدرجة محافظ بالقتل الشنيع ، وبالضرب بالحذاء، وتخرص ألسنة الفضائيات كلها عن التعليق على هذا المقطع وما فيه من إرهاب وهمجية وتحريض صريح لا مواربة فيها لتتحدث عن " المضيفة" التي هي كنيسة أو الكنسية التي هي مضيفة! أجل فهذا الطائفي ليس سلفيا ولا إخوانيا ليدغدغه إبراهيم عيسى وتنهشه منى الشاذلي ويعتصره تامر أمين ولميس الحديدي وغيرهم من الكتيبة المجاهدة ضد كل ما كان إسلاميا. ليته كان طائفيا ليستخدم الموتولوف وغيره من الأسلحة إبان أحداث العمرانية فيقتل ويصيب من أبناء الشرطة ، ثم يكرر نفس الحادثة ويقدم على قتل أبناء القوات المسلحة في سابقة تاريخية ، ولا يجرؤ أحد من كهان " التوك شو" ورهبان الصحف العلمانية على وصفه بالإرهاب وعدم الوطنية ومعاداة الدولة وتهديد الأمن القومي والوقوف في مسيرة الديمقراطية ، فكل هذه التهم خاصة بالإسلاميين وحدهم حتى لو كانوا من أصحاب العمائم الأزهرية ؛ لأن الإرهاب والتطرف والعنف حكر على الإسلام والمسلمين في دستور نخبتنا المثقفة في السياسة والإعلام المرئي والمقروء ، أما أصحاب اللباس الأسود فهو رسل المحبة وآباء الإخاء مهما فعلوا ومهما قالوا! ليته كان طائفيا ليخرج من أحداث ماسبيرو التي قتل فيها الجنود الأبرياء الذين - لا ناقة لهم ولا جمل - شر قتلة وأبشعها بما هو محفوظ بكاميرات الفيديو ، ثم لا يكترث أحد بالتكفير الذي أطلقه أحد الطائفيين لجنود القوات المسلحة قبل بدء الهجوم عليهم ، ولم تفتح الصحف والفضائيات ملف التكفير والعنف عند الطائفيين ، فضلا عن أن تلصق بهم ما لم يقولوا أو يفعلوا كما فعلت مع السلفيين - مثلا - عندما زعمت أنهم قطعوا أذن قبطي في حد الزنا ، وقتلوا رجلا لأنه لا يصلي،وخطفوا امرأة لأنها خرجت بشعرها!!!! ليته كان طائفيا ليهرع الجميع لتعزية أسر ضحايا تحريضه وإغرائه على الفتنة والقتل في أحداث ماسبيرو ويهرول الجميع لاسترضائه وينعت الضحايا بالشهداء وتقام لهم مراسم التشيع الضخمة التي تتناقلها وسائل الإعلام، فيما ينسى الجنود الأبرياء الذين راحوا ضحية غدر الطائفيين فلا نسمع عن تشييع جنائزهم ولا تعزية أسرهم من قبل أي مسئول أو مشهور! ليته كان طائفيا ليفتعل الأزمة تلو الأزمة فيذهب ضحاياها من الأبرياء من الأقباط الذين لا يأبه الطائفيون بتقديمهم قربانا في كل أزمة في مقابل أن يضغط الطائفيون على الدولة لتقديم تنازلات جديدة وامتيازات أخرى تخدم مشروعهم الطائفي. ليته كان طائفيا ليصنع له تزرية القوانين قوانين على مقاسه الطائفي ؛ فيطالب أولا بالمساواة في دور العبادة ، مع كون المساواة المطلقة بين الأغلبية التي لا تجد إلا أرصفة الشوارع لتصلي فيها صلاة الجمعة ، وبين الأقلية التي تتسع لها دور العبادة بما يكفي أضعاف عددها ، هو عين اللامساواة- ومع أنه لم يعد خافيا أن هدف الطائفيين هو تغيير الهوية المعمارية للبلاد بما لا يعبر عن واقع تركيبها السكاني. ومع ذلك كله بعد أن يقدم للطائفي القانون الذي يخدمه ويظلم غيره، يتحفظ منه على ما لا يوافق هواه ، ولسان حاله : نتساوى في الحقوق والمميزات لا في الواجبات والتقييدات ، فيعارض التفتيش والرقابة المالية ؛ لأنه- في الحقيقة- تدخل من دولة في شئون دولة أخرى، وأشد من ذلك ألا تتطرق والفضائيات لهذه الأمور ولا تلقي لها بالا ، فقط تنوح على تأخر إصدار القانون الذي تسبب غيابه في كل أحداث العنف الطائفي- زعموا-. ليته كان طائفيا ليظهر في الدراما الإعلامية من أفلام ومسلسلات ونحوها بمظهر العاقل المتسامح البشوش بينما يظهر نظيره المسلم بمظهر العابس المكفهر الغليظ الجافي المتاجر بالدين أو الأبله الساذج . والفضل للنخبة النزيهة المحايدة التي لا تعرف التدليس ولا المجاملة ! ليته كان طائفيا ليطالب بكل سهولة ويسر بإطلاق صراح محكومٍ عليهم بالنزوير وغيره في قضايا نظرت فيها محاكم مدنية ولا يتساءل أحد عن القانون وتفعيله وأنه " لا أحد فوق القانون " ، لكن يبدو أنه في مصر تبع هذه العبارة استثناء، فصارت " لا أحد فوق القانون إلا الطائفي"!!