بعد أكثر من أربعة عقود من الإجرام والاستبداد، وتربعه على عرش الحكم ، وكأنها مملكته الخاصة، ودع الطاغية الليبي معمر القذافي دنيانا في مشهد أقل ما يوصف أنه يستحقه في أن تكون معاناته لسكرات الموت بالضرب بالأحذية على رأسه واهانته ، إلا إطلاق الرصاص عليه، ليقتل شأنه شأن كل الطغاة ، الذين يقتلهم شعوبهم، بعدما حكموهم بالحديد والنار. أخيرا... تم قتل المجرم بأيدي شعبه، بعدما حاصروه زنقة زنقة، بيت بيت، دار دار، وبعدما كان هو يطالب زبانيته بأن يحاصروا الشعب بهذه الطريقة، حتى كان مصيره بنفس الوسيلة التي كان يحاصر بها شعبه، حتى ولو كان ذلك بعد حين. لقى القذافي حتفه، ليكون الثالث في مسيرة الحكام المخلوعين، بعدما سبقه التونسي زين العابدين بن علي والمصري حسني مبارك، حتى وإن كان مصيره مغايرا لمصير سابقيه، غير أنهم جميعا خارج سدة حكمهم، بعدما خلعتهم شعوبهم، وتدور الدائرة حاليا على من يخلفونهم بدول عربية أخرى، تنتظر دورها، وحتما سيكون آت. سقط القذافي، ورحل عن دنيانا، غير مأسوف عليه، ولكن بأي طريقة رحل، رحل ذليلا ، يسارع سكرات الموت بالضرب على رأسه وسحله، إلى أن كانت رصاصات القصاص في رأسه وقلبه، لتنهي حقبة مريرة في ليبيا، لتبدأ حقبة جديدة، حتما سيسودها روح العدل والبناء. القذافي احتكر حكم بلاده منذ 42 عاما، من مواليد 7 يونيو 1942، ولد في سرت، وقتل فيها ، وسيظل اليوم الذي قتل فيه والموافق 20 أكتوبر 2011 ، حاضرا في الأذهان، لن يطمسه تاريخ، غير أن هذا التاريخ ذاته سيلفظه إلى نفاياته. ظل جاثما على صدور الليبيين منذ العام 1969، وهو صاحب أطول فترة حكم لليبيا منذ أن أصبحت ولاية عثمانية سنة 1551، وفي ذات الوقت، تعد سنين حكمه للبلاد التي طالت نحو 42 عاما هي أطول سنين حكم لحاكم غير ملكي في التاريخ. بدأ حكمه بانقلاب عسكري على الملكية الدستورية أسماه ثورة الفاتح من سبتمبر عندما كان ملازم في الجيش الليبي وذلك في مطلع سبتمبر 1969 ، وهو اليوم الذي كثيرا ما صدع الليبيين للاحتفال به كل عام ، وأطاح من خلاله بحكم الملك إدريس الأول. كان يطلق على نفسه لقب قائد الجماهير، أو الأخ القائد، أو ملك ملوك أفريقيا، أو قائد الثورة، وأطلق على نظام حكمه عام 1977 اسم الجماهيرية. كما أنه نفسه كان يشغل منصب القائد الأعلى للقوات المسلحة منذ العام 1969، وشغل منصب رئيس مجلس قيادة الثورة في الفترة 1969 إلى 1977. أثارت أفكاره التي كان يطرحها الكثير من الجدل والاستهجان من قبل الكثير داخل وخارج ليبيا، خاصة بعد إستفرداه بالقرار في البلاد لمدة تزيد عن أربعة عقود وإتهامه مع عائلته بتهم الفساد وهدر مقدرات البلاد لسنين طوال وقمع الحريات العامة، حتى كانت نهايته الدنيوية. تذكر سيرته الذاتية أن والده أرسله إلى بلدة سرت حيث أخذ الابتدائية هناك عام 1956، ثم انتقل إلى مدينة سبها في الجنوب، عاش في كنف أمه وتزوج من فتحية خالد وله منها ابنه البكر محمد القذافي، حتى انفصل عنها، وتحديدا بعد سطوه على السلطة، إلى أن تزوج من صفية فركاش، التي له منها سبعة أبناء. أولاده سيف الإسلام ، وما هى بسيفه ، بل محاربه، ويليه الساعدي، المعتصم بالله، سيف العرب، هانيبال، خميس، وابنته الوحيدة هي عائشة القذافي. وصفته برقية صادرة من سفير الولاياتالمتحدة في طرابلس جين كريتز في عام 2009 بأنه "شخصية زئبقية وغريب الأطوار، فكان يعاني داء العظمة والكبرياء، لدرجة أوصلته الى الجنون بالإعجاب بالذات ، حتى كان يفعل ما بدا له ويزعج الأصدقاء والأعداء على حد سواء. وتضيف البرقية أن القذافي يصاب بنوبة من الخوف اللاإرادي من المرتفعات لذلك فكان يخشى الطوابق العليا من البنايات، كما كان يفضل عدم الطيران فوق الماء، ولذلك كان يفضل الرحلات البرية في كل جولاته. عاش القذافي مدعيا أنه يعرف كل شئ ، ويخط كل شئ ، يتنزل عليه وحي ، أوحى له فيه الكتاب الأخضر، الذي كان ما صدع الليبيين به ، في عام 1976 نشر كتابه الأخضر وجعله أيقونة لجماهيريته، وعرض فيه ما سماها النظرية العالمية الثالثة التي اعتبرها تجاوزا للماركسية والرأسمالية، وتستند إلى حكم الجماهير الشعبية، وتم اعتماد اللون الأخضر لونا رسميا في البلاد. عرف عن القذافي رعونته وتطرفه في الكثير من القضايا، ومحاولاته الخروج عن المألوف والسائد، حتى في قضايا متفق عليها، ومن بين ذلك مثلا موقفه من القضية الفلسطينية ودعوته لتأسيس دولة سماها "إسراطين" تجمع بين فلسطين وإسرائيل، وقراره التخلي عن التقويم الهجري، وتبني تقويم جديد وفريد لليبيا يبدأ من وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم، واعتماد تسميات مختلفة عما هو سائد من أسماء للشهور. علاقته بالغرب بدأها بالصدام والتوتر بسبب تصريحات ومواقف ونشاطات ، واعتبرتها القوى الغربية معادية لها وداعمة "للإرهاب الدولي"، ووصل توتر العلاقات بين الطرفين ذروته حينما قامت الطائرات الأميركية بقصف مقره صيف عام 1986، ولكنه نجا من الهجوم. وفي عام 1988 اتهمت الولاياتالمتحدة وبريطانيا الجماهيرية الليبية بتدبير سقوط طائرة شركة الخطوط الجوية الأميركية "بان أميركان" فوق بلدة لوكربي عام 1988 في أسكتلندا، مما أدى إلى مقتل 259 راكبا إضافة إلى 11 شخصا من سكان لوكربي. ففرضت الولاياتالمتحدة حصارا اقتصاديا على ليبيا في عام 1992. لكن العلاقات بين الطرفين توطدت كثيرا خلال السنوات الأخيرة بعدما توصلت ليبيا إلى تسوية لقضية لوكربي في أغسطس 2003 دفعت ليبيا بموجبها تعويضات بنحو 2.7 مليار دولار، وسلمت اثنين من مواطنيها المتهمين بالتفجير وهما عبد الباسط المقرحي والأمين فحيمة للقضاء الأسكتلندي ليحاكمهما في هولندا، فحكم على الأول بالمؤبد وبرأ ساحة الثاني، وفي عام 2009 تم ترحيل المقرحي إلى ليبيا بسبب مرضه. علاقته تعززت بالغرب بعد أن فكك برنامجه النووي وسلم جميع الوثائق والمعدات والمعلومات للولايات المتحدة الأميركية، كما تردد أنه قدم معطيات ومعلومات وخرائط هامة وحساسة للأمريكيين حول البرامج النووية لعدد من الدول الإسلامية، ومنها معلومات حول ما يعرف بخلية العالم النووي الباكستاني عبد القدير خان. سبق أن نشر موقع ويكيليكس تقارير قالت إنه يتصدر قائمة أثرياء الزعماء العرب بثروة تقدر ب 131 مليار دولار، وهي ثروة تقارب ستة أضعاف ميزانية ليبيا للعام 2011 البالغة 22 مليار دولار. وتقول التقارير إن معظم استثمارات القذافي في إيطاليا بسبب العلاقة الوثيقة التي تربطه برئيس الوزراء سيلفيو برلسكوني، وهو يمتلك نحو 5% من كبرى الشركات الإيطالية، كما يمتلك أسهما في نادي يوفنتوس وشركة نفط "تام أويل" وشركات تأمين واتصالات وشركات ملابس شهيرة. وتقدر الإحصاءات أن ثروته يمكن أن تسد حاجة الوطن العربي الغذائية. المصدر: الإسلام اليوم