لا أعلم أقلية في العالم تحظى بما تحظى به الأقلية النصرانية في مصر من نعمة الأمن والأمان والحرية ، فضلا عن الغنى والثراء والمناصب القيادية التي يهيمنون عليها ، فرغم أن نسبتهم تتراوح ما بين 4 إلى 6 % من عدد سكان مصر إلا أنهم يسيطرون على حوالي 40% من اقتصاديات البلد، ويستحوذون على حوالي 25 % من الوظائف الإدارية العليا، ويهيمنون على تجارة المجوهرات والأدوية في مصر، ورغم ذلك لا يوجد مسلم في مصر على الإطلاق ينظر لهم نظرة حسد كما يحدث في الغرب مع المهاجرين العرب على هذا النعيم الذي هو بقدر الله واجتهادهم.. وأنا وغيري لا أريد منهم غير ألا يتبعوا سبيل المفسدين ، وألا يكفروا تلك النعمة فتزول منهم ، وعندها سيندمون ولن ينفع الندم .. وكفر النعمة له أساليب شتى ، أبرزه فيما يخص بعض نصارى مصر هو عدم شكرهم للمجتمع الذي وفر لهم تلك النعم ، واتباع بعضهم لنعيق المحرضين لهم في الداخل أو الخارج ، والانجرار والاندفاع وراءهم دون التفكير في العواقب ، ودون احترام لحرمة الجيرة والصداقة والعِشرة التي تربطهم بالمسلمين ، وعدم اقتناعهم بقسمة الله سبحانه وتعالى لهم وكرم الوطن عليهم ، والسعي لحرمان الآخرين ( المسلمين ) من حقوقهم في الوطن بحجة أنهم ( أي النصارى ) هم الأقدم ، وبالتالي لا يحق لأحد أن يشاركهم فيه ، وافتعال الفتن والأزمات بين الحين والآخر ، مستغلين دماثة خلق وطيب نفس أشقائهم المسلمين ، الذين لا يمر بأحدهم مناسبة إلا ويدعو جاره أو صديقه أو زميله النصراني في العمل لها ، ولا يجد مناسبة فرح أو عزاء من هذا الزميل إلا ويسارع بمشاركته فيها ، ولا يمر به عيد له إلا ويسارع بزيارته وتهنئته ، وربما يحرص على ذلك أكثر من حرصه على مودة صديقه المسلم.. هو يؤاكله ويشاربه ويجالسه وينادمه ؛ انطلاقا من قول الله عز وجل : " لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ * إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُوا عَلَى إِخْرَاجِكُمْ أَنْ تَوَلَّوْهُمْ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ " [الممتحنة/8، 9].. أقول : يستغلون كل ذلك ، ويخرجون مطمئنين إلى الشوارع ليعيثوا فيها فسادا ، ويروّعوا الآمنين ، ويقتلوا جنودنا الذين لا ذنب لهم غير أنهم انضموا لسلك الجندية لخدمة الوطن والدفاع عنه دون أجر أو مقابل ، اللهم إلا جنيهات قليلة تيسر لهم سبل التنقل من منازلهم في قراهم ومدنهم إلى ثكناتهم العسكرية .. ولم يرض المتطرفون من النصارى بذلك ، بل سعوا للاستقواء بأبناء جلدتهم في الخارج ، ولم يحترموا هيبة الدولة وحرمتها ، ولم يرضوا بقانونها وقضائها العادل، بل تعالوا وتطاولوا عليه ، وسعى نفر منهم لتحقيق مصالحهم بالقوة ، ولو تعارضت مع الصالح العام أو مع قوانين الدولة التي من المفترض أن يحترمها الجميع.. ومن باب أنهم شركاء لي في الوطن ، وأن إسلامي علمني منذ الصغر أن أبذل النصيحة لمن أعرف ومن لا أعرف ، فإني أقول للسواد الأعظم والعقلاء منهم ، وليس لهؤلاء المتطرفين الذين أعماهم الحقد وأبطرتهم النعم: فكروا في مصالحكم وفي مستقبل أولادكم ، واعلموا أن الوطن سفينة وأنتم مع المسلمين ركابه ، وإن غرق لن تكونوا بمنأى عن الغرق ، بل قد تكونوا أول الغارقين ، ولا يستخفنكم الذين لا يعقلون من الساعين للفتنة المحرضين لها النافخين في نارها كي تزداد اشتعالا .. واستمعوا لصوت العقل ، وليجلس كل واحد منكم مع نفسه وليفكر : كيف سيكون مصيره لو اشتعلت نيران الفتنة بمصر .. ليتذكر كل واحد منكم الودَّ الذي يربطه بجاره أو صديقه المسلم ، ليتذكر كل طبيب منكم ، وكل تاجر منكم ، وكل مدرس منكم ، وكل حرفي منكم ، أن السواد الأعظم من زبائنه هم من المسلمين ، فماذا سيفعل لو نجح دعاة الفتنة في مخططهم وانقلبت مودة المسلمين إلى عداوة ؟!! ألا يفقد كل واحد من هؤلاء زبائنه وينقطع مصدر رزقه لو وصل الأمر لا سمح الله إلى درجة المقاطعة ؟!! وعندها ستتعطل مصالحكم جميعا ، ولن يفعكم الفتات الذي يجود به متطرفو المهجر على كنائسكم .. إن الكثير من هؤلاء المتطرفين النصارى في المهجر يوهمونكم بأن مصر لكم دون سواكم ، وأن المسلمين دخلاء عليكم ، وأنا بحكم عملي مؤرخا أقول لكم : إنكم والمسلمون ضيوف على مصر ، ولا عبرة بكون المسيحية هي الأقدم دخولا ؛ لأن الشعب المصري لم يدخل كله المسيحية ، وإنما بقيت الغالبية على وثنيتها حتى جاء الإسلام فاعتنقته ، بالإضافة إلى الأعداد الغفيرة التي آمنت به عن اقتناع من نصارى مصر ، وما زال الباب مفتوحا يدخل فيه كل عام الآلاف منهم .. فمسلمو مصر إذن ليسوا دخلاء غرباء عليها كما يزين لكم هؤلاء ، كما أنكم أنتم معشر النصارى لا يمكن الجزم بأنكم تنتمون جميعا للعنصر المصري القبطي ، ففيكم من ينتمي للعنصر اليوناني الإغريقي ، ومنكم من ينتمي للعنصر الرومي الأوربي ، ومنكم من جاء مع الاحتلال البريطاني واستوطن مصر ، ومنكم بقايا الجاليات الأوربية التي كانت تعمل بالتجارة منذ زمن بعيد ثم صارت جزءا من نسيج المجتمع المصري ، فبأي حق تنسون أصولكم وتنسبون جميعا للعنصر القبطي دون سواكم؟!!!.. إنهم يوهمونكم بأن الغرب وعلى رأسه أمريكا هو معكم وسيتدخل عند اللزوم ، وهذا الكلام إن صدقتموه لن يزيدكم إلا رهقا ، وسيكون عاره وشناره عليكم قبل غيركم ؛ لأنه من كمال البلاهة أن يتخيل الإنسان أنه سيجلب عدوا من الخارج لقتل المسلمين في مصر ، ويبقى عوام الناس يتفرجون كأنهم في مسرح حتى يدخل العدو عليهم الباب ، بل سيثورون ويقطعون دابر من يسعى لجلب هذا العدو إن أقدم على ذلك .. وسؤال أخير : ماذا ستفعل أمريكا وحلفاؤها من الغرب إن ضلوا السبيل وآثروا الاعتداء على مصر باسم حماية الأقليات ، ماذا ستفعل أمريكا بحلفائها وقد غرقت في مستنقع أفغانستان ودُحرت أمام شباب الطالبان الذين لا يتجاوز عددهم عشرات الآلاف ، والمسلمون في مصر تعدادهم يفوق الثمانين مليون ، ولو استبعدنا العجزة والأطفال والنساء وأصحاب الحاجات سيخرج منهم على أقل تقدير عشرة ملايين من الرجال الفتية الأقوياء ، فماذا ستفعل أمريكا بحشودها أمام هذا العدد الذي سيؤثر وقتها الموت على الحياة ليلقى ربه عزيزا ، ويعيش من يخلفه من أبنائه عزيزا .. وهذا العدد وقتها لن يقتل إلا إذا قتل مثله من أعدائهم على أقل تقدير ، وإذا كانت أمريكا ومن يحالفها ترضى أن تفقد ما يساوي هذا العدد من رجالها فحيهلا ، وإلا فلتجنب نفسها شر مواجهة المصريين ، ويكفيها أن تقوم العلاقة بينها وبين مصر على السلم وتبادل المصالح التي تقوم بها حياة الشعوب.. وإذا كانت تمني نفسها بمثل ما حصل في العراق فهيهات ؛ لأن مصر ليس فيها شيعة كشيعة العراق يمكن أن تضعهم في المقدمة وتحقق بهم ما تريد ، فمسلمو مصر والحمد لله على قلب رجل واحد ، ومن شذوا بولائهم لأمريكا فهم شرذمة قليلة لا يحسن أحدهم غير الحديث خلف شاشة التلفاز ، ولا يمتلك من الشجاعة ما يجعله يسير وحيدا على شاطئ ترعة بين زروع الريف في ظلمة الليل ؛ خوفا من عواء الكلاء ، فكيف به إن جد الجد ، وحمي الطويس ؟!!.. فأثروا السلامة ، واشكروا نعمة الله يزدكم ، وأحبوا وطنكم يصف لكم خيره !. *مدير موقع التاريخ الالكتروني