غلق صناديق الاقتراع بأسيوط وسط إجراءات تأمينية مشددة    توسيع خطوط إنتاج «بافاريا» |رئيس الوزراء يتفقد جناح الشركة بمعرض النقل والصناعة    نتنياهو وكوشنر يبحثان نزع سلاح حماس واستبعادها من إدارة غزة    ترامب يطالب مراقبي الحركة الجوية بالعودة للعمل بسبب حالات إلغاء الرحلات    الزمالك بين المطرقة والسندان: قضايا بالجملة وتهديد بملايين الدولارات    لجان الرقابة بوزارة الرياضة تصل لمحافظة كفر الشيخ    إحالة 10 أشخاص متهمين باستغلال الأطفال في أعمال التسول للمحاكمة    تهتك في الرئة وكسر بالجمجمة، تفاصيل التقرير الطبي للراحل إسماعيل الليثي (فيديو)    تفاصيل سقوط شابين أثناء هروبهما من قوة أمنية بالدقهلية    القاهرة السينمائي يعلن القائمة النهائية لبرنامج الكلاسيكيات المصرية المرممة بالدورة ال46    «راح مني ومات».. أول تعليق ل زوجة إسماعيل الليثي بعد وفاته    أحمد التايب ل هنا ماسبيرو: مشاركتك الانتخابية تجسد إرادتك في بناء مستقبل أفضل لبلادك    فيديو.. سيد علي نقلا عن الفنان محمد صبحي: حالته الصحية تشهد تحسنا معقولا    «هنو» فى افتتاح مهرجان «فريج» بالدوحة    وكيل صحة القليوبية يتفقد مستشفى الحميات ويتابع تسليم مستشفى طوخ الجديدة    تبرع ثم استرداد.. القصة الكاملة وراء أموال هشام نصر في الزمالك    ضبط لحوم دواجن في حملة تموينية بشبرا الخيمة    ترامب يصدر عفوا عن شخصيات متهمة بالتورط في محاولة إلغاء نتائج انتخابات الرئاسة 2020    نقيب موسيقيي المنيا يكشف اللحظات الأخيرة من حياة المطرب الراحل إسماعيل الليثي    وزارة السياحة والآثار تُلزم المدارس والحجوزات المسبقة لزيارة المتحف المصري بالقاهرة    العراق يرفض تدخل إيران في الانتخابات البرلمانية ويؤكد سيادة قراره الداخلي    الأمم المتحدة: إسرائيل بدأت في السماح بدخول المزيد من المساعدات إلى غزة    قريبًا.. الذكاء الصناعي يقتحم مجالات النقل واللوجستيات    المستشارة أمل عمار: المرأة الفلسطينية لم يُقهرها الجوع ولا الحصار    وزير الصحة يستقبل نظيره اللاتفي لتعزيز التعاون في مجالات الرعاية الصحية    وزير التموين: توافر السلع الأساسية بالأسواق وتكثيف الرقابة لضمان استقرار الأسعار    أخبار الإمارات اليوم.. محمد بن زايد وستارمر يبحثان الأوضاع في غزة    دعاء مؤثر من أسامة قابيل لإسماعيل الليثي وابنه من جوار قبر النبي    هل يظل مؤخر الصداق حقًا للمرأة بعد سنوات طويلة؟.. أمينة الفتوى تجيب    مدرب منتخب ناشئي اليد يكشف كواليس إنجاز المونديال: الجيل الجديد لا يعرف المستحيل    ابدأ من الصبح.. خطوات بسيطة لتحسين جودة النوم    طريقة عمل الكشرى المصرى.. حضري ألذ طبق علي طريقة المحلات الشعبي (المكونات والخطوات )    فيلم عائشة لا تستطيع الطيران يمثل مصر في المسابقة الرسمية لمهرجان مراكش السينمائي    في أول زيارة ل«الشرع».. بدء مباحثات ترامب والرئيس السوري في واشنطن    نماذج ملهمة.. قصص نجاح تثري فعاليات الدائرة المستديرة للمشروع الوطني للقراءة    انطلاق اختبارات مسابقة الأزهر الشريف لحفظ القرآن بكفر الشيخ    ما حكم المشاركة في الانتخابات؟.. أمين الفتوى يجيب    تأجيل محاكمة 23 متهمًا ب خلية اللجان النوعية بمدينة نصر لجلسة 26 يناير    انتخابات مجلس النواب 2025.. إقبال كثيف من الناخبين على اللجان الانتخابية بأبو سمبل    علاء إبراهيم: ناصر ماهر أتظلم بعدم الانضمام لمنتخب مصر    البنك المركزي: ارتفاع المعدل السنوي للتضخم الأساسي إلى 12.1% بنهاية أكتوبر 2025    الاتحاد الأفريقي يدعو لتحرك دولي عاجل بشأن تدهور الوضع الأمني في مالي    محافظ المنوفية يزور مصابى حريق مصنع السادات للاطمئنان على حالتهم الصحية    كشف هوية الصياد الغريق في حادث مركب بورسعيد    بعد 3 ساعات.. أهالي الشلاتين أمام اللجان للإدلاء بأصواتهم    بث فيديو الاحتفال بالعيد القومي وذكرى المعركة الجوية بالمنصورة في جميع مدارس الدقهلية    بالصور| سيدات البحيرة تشارك في اليوم الأول من انتخابات مجلس النواب 2025    وزير النقل التركي: نعمل على استعادة وتشغيل خطوط النقل الرورو بين مصر وتركيا    هبة عصام من الوادي الجديد: تجهيز كل لجان الاقتراع بالخدمات اللوجستية لضمان بيئة منظمة للناخبين    ماذا يحتاج منتخب مصر للناشئين للتأهل إلى الدور القادم من كأس العالم    حالة الطقس اليوم الاثنين 10-11-2025 وتوقعات درجات الحرارة في القاهرة والمحافظات    تأجيل محاكمة «المتهمان» بقتل تاجر ذهب برشيد لجلسة 16 ديسمبر    الرعاية الصحية: لدينا فرصة للاستفادة من 11 مليون وافد في توسيع التأمين الطبي الخاص    وزارة الصحة: تدريبات لتعزيز خدمات برنامج الشباك الواحد لمرضى الإدمان والفيروسات    جامعة قناة السويس تحصد 3 برونزيات في رفع الأثقال بمسابقة التضامن الإسلامي بالرياض    وزير الزراعة: بدء الموسم الشتوى وإجراءات مشددة لوصول الأسمدة لمستحقيها    د.حماد عبدالله يكتب: " الأصدقاء " نعمة الله !!    شيكابالا عن خسارة السوبر: مشكلة الزمالك ليست الفلوس فقط    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الأقباط..الهجرة قسرية أحيانا
نشر في الشروق الجديد يوم 12 - 10 - 2011

تحجرت الدموع فى عينى الطفلتين نور ومارلين مع تبادل قبلات الوداع فى آخر يوم لمارلين فى المدرسة، كانت معانى الفراق أكبر بكثير من سنوات عمرهما التى لم تتعد العشرة أعوام. فقد تقاسمتا الذكريات على مدى 6 سنوات دراسية على «تختة» واحدة. وشهد الفناء الكبير نوادرهما خلال لعبة «السيجة» والاستغماية حين كانت الضحكات تملأ ردهات المدرسة. «لقد رحلت مارلين منذ خمسة أشهر إلى كندا للحاق بوالدها الذى استقر هناك منذ 7 سنوات، ولم تنتظر حتى نهاية العام الدراسى، كان حزنها على الأطفال الذين ماتوا فى كنيسة القديسين كبيرا وكنت أجلس معها ونبكيهم فى وقت الفسحة.
لن أنسى أبدا صديقتى السمراء ذات العيون الخضراء والغمازتين، كنت أحب أن أراها وهى تضحك»، هكذا عبرت الطفلة نور (فى الصف الخامس الابتدائى) عن مشاعر الفراق، رغم أنها ما زالت تتواصل مع صديقاتها عبر موقع الفيس بوك وخدمة سكايب التليفونية.

يشير تقرير منظمة الاتحاد المصرى لحقوق الإنسان عن هجرة حوالى 100 ألف قبطى منذ 19 مارس الماضى. ويعلق نجيب جبرائيل، رئيس المنظمة، أنه يتوقع إذا استمرت هجرة الأقباط على هذا النحو أن يصل العدد فى نهاية عام 2011 إلى قرابة ربع مليون شخص، ما يهدد التركيبة السكانية للبلاد. ووفقا للتقرير تعتبر طائفة الأقباط الأرثوذكس من أكثر الطوائف إقبالا على الهجرة، بخلاف الإنجيليين على سبيل المثال لحصولهم على دعم خارجى بما أنهم كنيسة غير مركزية، بحسب نجيب جبرائيل. التقرير الذى صدر مؤخرا يثير جدلا واسعا فى الأوساط القبطية، إذ يشكك البعض فى دقته، فالكاتب والناشط السياسى كمال زاخر يقول: «يفتقد الرقم المذكور للدقة بل ومن غير المنطقى ربطه بأحداث الثورة، فإجراءات الهجرة تحتاج لوقت طويل قد يصل إلى سنوات، كيف يتم إجراؤها فى أقل من سبعة شهور، اللهم إذا كانت البلدان الغربية تفتح أبوابها لهجرة الأقباط وهو أمر ليس له مبرر معقول».

ويذهب البعض لأكثر من ذلك، فإحدى الصحفيات القبطيات وابنة كاتب قبطى معروف رفضت ذكر اسمها ترى فى مثل هذه التقارير «متاجرة بالورقة القبطية» التى لطالما تم استخدامها لتحقيق مكاسب ذاتية وإثارة الفتنة، فطلبات الهجرة إلى كندا وأمريكا اللتين تعتبران أهم قبيلتين يقصدهما المهاجرون الأقباط لا تنطوى على خانة للديانة، وبالتالى من الصعب حصر الأعداد الحقيقية لهؤلاء.

ومع ذلك فالصحفية القبطية تؤكد أنها تحتفظ بجواز سفرها الفرنسى لاستخدامه عند الضرورة، إذا ما شعرت بالغربة فى مصر. يرفض جبرائيل اتهام «المتاجرة بالملف القبطى» معللا بأنه استقى نتائج تقريره من واقع ما وصله من معلومات عبر التجمعات والكنائس القبطية فى الخارج ويقول: «إننا منظمة حقوقية تسعى لرصد انتهاكات حقوق الإنسان بصرف النظر عن العقيدة، فقد قمنا أيضا برصد تراجع عدد العمالة المصرية فى ليبيا وقت الثورة وكذلك جلد الأطباء المصريين فى السعودية، إلى ما غير ذلك»، يتفق مع جبرائيل مصدر قريب من الكنيسة رفض ذكر اسمه ويتساءل: «لماذا سيدعى الأقباط على وطنهم بالكذب بينما هم يجدون فى ربوعه الأمن والسلام؟ هل هذا تصرف منطقى يقبله العقل أم هو محاولة لتجاهل هموم الشعب القبطى ودفن الرأس فى الرمال كالنعامة؟».

من ناحية أخرى رفضت الكنائس القبطية الثلاث البيان الذى نشره جبرائيل حول تزايد هجرة الأقباط بعد الثورة، وصرح القمص سرجيوس سرجيوس وكيل الكاتدرائية الكبرى للأقباط الأرثوذكس بالعباسية فى تصريح له على موقع الأهرام الإلكترونى بأنه لا يوجد إحصاء محدد حول هجرة الأقباط، واستشهد بمقولة البابا شنودة الثالث «إن مصر وطن يعيش فينا وليست وطنا نعيش فيه».

خوف معلن وترقب حذر
بين مؤيد ومعارض، تحتفظ الجهات الرسمية بالحيادية، فوزارة الداخلية ليس لديها أى بيانات تؤكد أو تنفى صحة هذا التقرير، هذا بالطبع فى ظل حالة سائدة من التوتر والقلق لا يمكن إنكارها، فالجو ملبد بالغيوم والكثير من الأسر القبطية تعيش حالة ترقب فى انتظار ما سوف تنجلى عنه الأيام المقبلة. «لدينا مخاوف، ولها ما يبررها»، كما تقول جيهان، مصممة إعلانات وأم لطفلين. وتضيف: «المناورات التى قام بها السلفيون والإخوان المسلمون فى يوم الجمعة لاستعراض العضلات وإبراز القوة، أمر مخيف لأى قبطى يعيش على أرض مصر، فضلا عن أن تصريحات السلفيين فيما يخص دفع الأقباط للجزية وفرض الحجاب هو أمر شائك بالنسبة لنا»، لذا تتخذ جيهان التى لم تفكر يوما فى الهجرة إجراءات فعلية كشكل من أشكال تأمين الذات. وهى تروى مثلا كيف قامت باستخراج جواز سفر لأبنائها وتسعى للحصول على «الجرين كارد» الأمريكى، بواسطة بعض الأقارب هناك. «مجرد أوراق أريد أن أحتفظ بها فى دولابى، فقد أحتاج لها يوما لصالح أولادى، غادر بالفعل خلال هذا العام الدراسى أكثر من 11 زميلا قبطيا لأبنائى فى المدرسة».

تتفق معها شيرين، السيدة الثلاثينية، التى توجهت بدورها للسفارة الكندية وبدأت فى إجراءات الهجرة، موضحة: «أخشى أن تتحول مصر إلى دولة دينية كالمملكة العربية السعودية، وفى مناخ كهذا سيصعب على الأقباط التعايش، ناهيك عن موقف الإسلاميين من قطاع السياحة الذى يعمل به زوجى». شيرين تحاول إقناع زوجها بفكرة الرحيل لكنه يأبى أن يهاجر ويبدأ من الصفر فى أرض جديدة، فى حين أنه يمتلك شركة سياحية بمصر.

وما يزيد الأمر سوءا، أن بعض المواقع السلفية على شبكة الانترنت لا تكف عن ترديد التحذيرات للنساء الأقباط من أن تتعرضن للعنف فى الشارع نظرا لعدم ارتداء الحجاب. تقول جيهان: «نصحنى بعض الأصدقاء أن آخذ معى غطاء للرأس فى السيارة، لكننى رفضت الفكرة من أساسها». وهناك أيضا قنوات فضائية قد أدرجت عددا من أسماء الشخصيات القبطية العامة على قائمة المطلوبين التى أعدها بعض السلفيين، بحسب نجيب جبرائيل الذى يوضح: «القائمة تحوى اسمى واسم رجل الأعمال نجيب ساويرس». وكل هذه الأمور، إضافة إلى أحداث حرق الكنائس دون تعقب للجناة أو محاسبة المذنب يدعم شعور الأقباط المتصاعد بالخوف.

لكن الإخوانى أحمد بركة المستشار القانونى لحزب الحرية والعدالة، يرى أن سريان الشائعات بهذا الشكل أمر طبيعى فى أعقاب الثورات. ويبرر أن ذلك ينتمى «لكلام بعض النخب بهدف تحقيق أهداف سياسة والوقيعة بين شقى الأمة وإحكام القبضة الأمريكية الصهيونية على مصر»، مضيفا: «جماعة الإخوان المسلمين منذ اندلاع الثورة لم تصرح بأى شىء ضد الأقباط، كما أن لدينا برنامجا حزبيا واضحا مثل كل الأحزاب الأخرى، وليس لدينا نية للتمييز ضد الأقباط، كما أن هناك العديد من الأقباط الذين يعربون بصراحة عن تأييدهم للجماعة»، فهؤلاء يرون ربما أن جماعة الإخوان تعرضت لفترة طويلة للإقصاء وبالتالى قد يشعر أعضاؤها أكثر بما يعانى منه الأقباط، كما يستند هذا الفريق لتجربة الإخوان داخل النقابات ومجالس إدارة المؤسسات أو النوادى للتأكيد على عدم ممارسة الجماعة تمييزا ضد الأقباط. ويعلق شريف، المثقف القبطى: «لا أعتقد أن للتيار السلفى فى مصر ثقلا شعبيا، رغم المناورات الحالية، أما الإخوان فحتى لو وصلوا للحكم، فإنهم لن يتعرضوا للملف القبطى لأنهم اذكى بكثير من أن يظهروا أمام العالم بشكل غير لائق».

العدل هو الحل
الشارع تغير بعد الثورة وأصبح التمييز سافرا، هذا ما يردده الكثيرون، فبعض السيدات يؤكدن أنهن حريصات على احتشام ملابسهن ومع ذلك دائما ما يجدن من يبادرهن قائلا: «استغفر الله العظيم!» وكأنهن يسيرن عاريات وسط الطريق. أما المصدر القريب من الكنيسة فيعلق: «رجل الشارع فى طريقه للتشبع بفكرة أن المسيحى كافر، نتيجة لتصاعد حدة التعصب فى الخطاب الدينى والذى انفلت زمامه بعد الثورة»، فرغبة الأقباط فى الهجرة، وفقا للمصدر نفسه، تعكس خوفا من تكرار سيناريو السودان وأفغانستان والجزائر، فنرى مثلا أن السيدات يجلدن لمجرد ارتدائهن البنطلون.

لكن هناك من يرى فى الهجرة «تخاذلا»، ومنهم ممدوح نخلة، المحامى والناشط القبطى الذى يرأس مركز الكلمة لحقوق الإنسان: «أحمل جواز سفر أمريكى منذ أكثر من خمس عشرة سنة، لماذا أرحل اليوم بينما مر الأقباط فى فترات زمنية سابقة بضغوط أكبر بكثير، فقد شهدت الفترة ما بين 1991 إلى 1997 حالة من الاحتقان الشديد حتى حادثة الأقصر، ومع ذلك بقينا. كناشط يجب أن أبقى للحصول على حقوقى ولا يجب أن اختار الحل السهل. قد يكون الرحيل حلا لمن اختاروا ألا ينافقوا المسلمين»، فهناك ازدواجية فى الخطاب لدى البعض تشى بالكثير من الضغائن والمشكلات، إذ يبدى بعض المسيحيين رضاءهم عن المسلمين فى العلن، ويشتمونهم خلف ظهورهم! والعكس صحيح.

وهذا العبء المعنوى الكبير قد يدفع إلى فكرة الهجرة التى لا ترحب بها الكنيسة كما يعرب المصدر الذى رفض ذكر اسمه: «لا نشجع فى الواقع الهجرة كما يزعم البعض، وليس صحيحا أن الكنيسة تسهل إجراءات الرحيل لأن ذلك ببساطة ليس من مصلحتنا. فعدد الأقباط فى مصر يقدر حاليا بثلاثة عشر مليونا، ومن مصلحة الكنيسة أن تبقى على العدد لتقاوم، لكن فكرة الهجرة تشتت قوة الشعب القبطى، ومع ذلك فقد نمد يد العون للجاليات القبطية التى أصرت على الرحيل».

تتردد أسرة ماهر فرج، (39 سنة) على سفارة كندا كل أسبوع، فهو يبحث عن المستقبل والأمان ويرى أن مستقبله هنا ليس مضمونا، بل ويشعر أن ابنه يتعرض للمضايقات من زملائه المسلمين بالمدرسة الذين قد يتجنبون التعامل معه لمجرد أنه مسيحى الديانة. أما زوجته فقد تعرضت أيضا للتمييز فى عملها، على حد قوله، قبيل الثورة. هى مدرسة تعمل بمعهد للتعليم الفنى الثانوى بشبرا الخيمة، بينما هم يقطنون جسر السويس، وعندما تقدمت بطلب نقل لتكون أقرب لمحل عملها وافقت الإدارة المسئولة مؤكدة احتياجها لمدرسات، لكن مديرها رفض التوقيع على الأوراق بمجرد قراءة اسمها! الهجرة قبل الثورة كانت مجرد فكرة أما اليوم فماهر فرج مصر على الرحيل بسبب ما يلحظه اليوم من تراخٍ إزاء الاعتداء على الأقباط دون قصاص عادل، سواء كان ذلك فى منشأة ناصر أو فى أسوان أو قنا.. وهو يطرح سؤالا: «لا أدرى هل هناك مجاملة للتيارات الإسلامية من قبل مؤسسات الدولة على حساب الأقباط؟».

الرحيل فى كل المواسم
طبقا لتقارير المنظمة القبطية الأمريكية، اتخذت هجرة الأقباط دائما شكل الموجات فى مواسم بعينها، مثلا فى السابق كانت السفارات تشهد تزايدا فى طلبات الهجرة بعد حوادث بعينها، أما حاليا فقد تغير الوضع ويفضل الأقباط الاحتفاظ «بقدم لهم داخل مصر وأخرى خارجها».

يرسم نجيب جبرائيل، رئيس منظمة الاتحاد المصرى لحقوق الإنسان، سيناريو الرحيل ويقول: «عادة ما يذهب الأفراد للسفارة للحصول على تأشيرة سياحية وبمجرد وصوله إلى هناك يطلب حق اللجوء الدينى. أكثر ما يحزن فى موجة الهجرة الحالية أننا نشهد تغييرا جذريا فى نوعية المهاجرين، فلم يعد راغبو الهجرة من الشرائح الدنيا للمجتمع الذين يرحلون أساسا لكسب العيش بل من أصحاب المستويات الاجتماعية والاقتصادية العليا والذين ليس لديهم مشكلات ترتبط بتحقيق ذاتهم فى مصر»، فوفقا لجبرائيل يأتى الأطباء والصيادلة على رأس قائمة المهاجرين، ومعظم الأطباء يذهبون للولايات المتحدة الأمريكية بينما تستقطب كندا واستراليا الصيادلة. ويضيف أن أعمار المهاجرين تتراوح ما بين 25 و37 سنة، موضحا أنه هو نفسه قد خاض معركة لمنع أبنائه من الرحيل دون جدوى! فقد خشى ابنه أن ينال المتطرفون من الصيدلية التى يمتلكها بسبب اسم «مايكل» الذى كتب على اللافتة.

«بدأ أيضا بعض رجال الأعمال من الأقباط فى تصفية أعمالهم»، على حسب وصف المصدر القريب من الكنيسة، موضحا: «ما حدث مع رجل الأعمال نجيب ساويرس يدق ناقوس الخطر (حين نشرت على موقعه بإحدى الشبكات الاجتماعية صورا ساخرة اعتبرها البعض مسيئة للإسلام). استغلت الشركات المنافسة النعرات الطائفية من أجل تحقيق مصالحها الشخصية. ففى الإسكندرية، توجد بحى سيدى بشر لافتة لدى أحد موزعى المحمول تنادى بنصرة الإسلام ومقاطعة شركة ساويرس. ما يحدث هو هراء وسوف يتضرر الجميع لأن رجال الأعمال الأقباط يسيطرون على حوالى 25 فى المائة من الاقتصاد المصرى».

ولكن هل تشبه هجرة الأقباط اليوم رحيل اليهود فى أعقاب ثورة 52؟ يرد نجيب جبرائيل: «لا أعتقد، فعدد الأقباط اليوم أكبر بكثير من عدد اليهود فى هذه الفترة». أما الناشط كمال زاخر فيوضح أن الأقباط فى مصر يعانون شكلا من أشكال التمييز الذى لا يرقى لمستوى الاضطهاد، كما أن هذا التمييز ليس «ممنهجا»، على حد قوله، فالدولة لا تلتزم نهجا رسميا للتمييز ضدهم، وذلك لا يتنافى مع أن المسيحيين فى مصر يعانون من عدة مشكلات لا يمكن السكوت عنها أو عدم مواجهتها.

«لماذا نستبق الأحداث؟ رغم كل شىء لازلت أشعر أننى أعيش فى أمان هنا، فكرة الرحيل غير مطروحة على الإطلاق بالنسبة لى»، تقول أميرة ذلك وتشير لعبارة يرددها ابنها كريم (11 سنة) للرد على رحيل أصدقائه الأقباط منذ بداية العام: «لن أترك بلدى أبدا. فليس لى بلد آخر!».

خريطة الجهات الأربع
رسمت منظمة الاتحاد المصرى لحقوق الإنسان خريطة تحدد الجهات الأربع التى يقصدها المهاجرون من الأقباط: 16 ألفا إلى ولاية كاليفورنيا، ونحو 10 آلاف إلى نيوجيرسى، وحوالى 8 آلاف إلى نيويورك، و8 آلاف تقريبا إلى باقى الولايات الأمريكية، فضلا عن 14 ألفا لأستراليا، وتسعة آلاف لمونتريال بكندا، وحوالى 8 آلاف لتورنتو، وحوالى 20 ألفا لجميع أنحاء أوروبا، خاصة هولندا وإيطاليا وإنجلترا والنمسا وألمانيا وفرنسا.

وتعتبر كندا حاليا هى قبلة المهاجرين، إذ تشير الإحصاءات السكانية الرسمية هناك إلى أن عدد المهاجرين الأقباط بكندا يصل إلى 0 5 ألف نسمة، مقارنة بعشرة آلاف عام 2001 خمسة 5 آلاف عام 1991.

وقد تباينت الآراء بين القيادات القبطية بشأن المخاوف من زيادة أعداد المهاجرين بين مسيحيى الشرق الأوسط فى أعقاب الثورات العربية، وتضاربت البيانات الصادرة بهذا الشأن، بينما استمر الكثيرون فى استصدار جوازات السفر وترتيب الأوراق تحسبا للرحيل أو لمجرد الشعور بالأمان.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.