استهل الرئيس عبد الفتاح السيسي حكمه، بطمأنة الدول العربية، والخليجية على وجه التحديد، بأن مصر جاهزة للدفاع عنها، حال تعرضت أي منها للخطر أو للتهديد، وقال كلمته الشهيرة "مسافة السكة". يوم 31/3/2015.. وبعد أيام من عملية "عاصفة الحزم" ضد "الحوثيين الإيرانيين" باليمن، وفي "تثقيفية الجيش" رقم 16، تراجع الرئيس فجأة عن عرضه "مسافة السكة"، وقال: "الجيش لمصر فقط"!! واللافت أيضًا هنا أن هذه اللغة الغاضبة، وهذا التراجع عن العرض المصري، جاء عقب انتهاء فعاليات القمة العربية بشرم الشيخ ال 26، يومي 28، 29 مارس 2015. فما الذي حدث؟! تراجع الرئيس "الجيش للوطن فقط"، جاء بالتزامن مع حملة عاتية ل"إعلاميي الأجهزة" على السعودية، ليفضى إلى محصلة مفادها: وجود أزمة حقيقية بين القاهرةوالرياض.
البعض يعتقد أن الانتقادات الإعلامية الجارحة للسعودية، جاءت في سياق اجتهادات ورؤى إعلامية مستقلة، وهذا يمكن أن يكون صحيحًا، حال كان موقف "الاتحادية" مختلفًا.. غير أن الرئيس قال كلمته "الجيش لمصر فقط.. ثم نصبت بعدها بساعات، منصات إطلاق الانتقادات القاسية على المملكة بلغت حد معايرتها ب"تكية الحجاز".. في إشارة للمَن والأذى الرخيص لدولة شقيقة ومهمة.
لا شك أن التسريبات المسيئة لدول الخليج، والمنسوبة لقيادات رفيعة في مكتب السيسي، قد عصفت نسبيًا ب"شهور العسل" بين القاهرة وعواصم خليجية، مثلت الحاضنة المالية للاقتصاد المصري المتدهور، وأنقذت نظام حكم الرئيس السيسي من الانهيار، غير أن الرؤية السعودية التي أعلنت رسميًا إثر جدل التسريبات الصاخب "بأنها تدعم استقرار مصر"، بغض النظر عن هوية النظام الحاكم.. صحيح أن هذه الرصانة في رد الفعل السعودي، أثلجت صدور المصريين، غير أنها لم تفصح عن مشاعرها إزاء السيسي بعد التسريبات التي أساءت إليها.
ولا شك أن الأزمة ليست عارضة، بل إنها تفاقمت بالتراكم، حيث زادت شقة التباين والخلافات بين الرياضوالقاهرة في كثير من الملفات الماسة بالأمن القومي السعودي نفسه، خاصة ملفي سوريا واليمن.. فضلا عن الموقف المصري الملتبس و"الرخو" إزاء إيران.. واتجاه مصر لبناء تحالف جديد مع موسكو، في حين تعتبر الأخيرة أكبر داعم لعدو الرياض اللدود بشار الأسد.
ولعل ذلك ما يفسر، التصريحات الخطيرة التي أدلى بها المفكر السعودي الشهير جمال خاشقجي، في تغريدة له كتبها على حسابه ب"تويتر".. قال فيها: "الجزائر بلد مريح، تختلف معنا بكل وضوح فنتعامل معها باحترام لوضوحها رغم العتب، المشكلة مع "حليف" يبطن ما لا يظهر.
كثير من المتابعين والمهتمين بالملف السعودي المصري، يعتقدون أنه يقصد مصر.. والمعروف أن خاشقجي يحتفظ بعلاقات وثيقة مع صناع السياسات بالسعودية، وهو ما يضفي على تصريحاته مسحة خطورة لا يمكن تجاهلها.. خاصة أن المملكة بدأت تستعين بقوات عسكرية من باكستان.. وسط ضبابية وعدم وضوح الموقف المصري من أزمة اليمن، من حيث حجم القوات ونوعها التي من المفترض أن تكون مشاركة في "عاصفة الحزم".. ما يحملنا على التساؤل: هل خرجت مصر من الحسابات السعودية؟! عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.