أجدني أمسك القلم بصعوبة، وأتردد كثيرًا في كتابة مقال الأسبوع، الأحداث تتسارع وتتصاعد بشكل غير مفهوم، وبدأ البعض يفقد حماسه للعمل والإنتاج، فيما كثر الحديث في أوساط المجتمع عن جدية ما حققته الثورة من إنجازات، وسط ترقب وقلق واضح مما تحمله الأيام القادمة من مفاجآت. في هذه الأجواء المضطربة قررت أن أتحدى كل العوائق النفسية، وأقف ضد التيار حاملاً شمعتي، التي أحرص أن تظل مضيئة في الظلام، مهما هبت العواصف، أو اشتدت الرياح، لن أخذلكم أبدًا، ولن ننكسر أمام حادث أو فتنة، قررت أن أذكركم وأؤكد لكم بأننا فعلنا المستحيل، وأننا قادرون على عبور أي محنة مهما كانت صعوبتها. أستأذنك عزيزي القارئ أن ترجع بالذاكرة عشرة شهور، وتضبط عداد الزمن عند اللحظة التي أعلنت فيها نتائج انتخابات مجلس الشعب، وفوز الحزب الوطني بالأغلبية الساحقة بعد مهزلة كبرى، وتزوير مروع لم يحدث له مثيل من قبل، كنا نتوارى خجلاً من فضيحة مصر أمام العالم كله، وسمعتنا التي أصبحت أضحوكة الجميع، أرجوك أن تبحث في "اليوتيوب" عن المؤتمر الصاخب الذي عقده "أحمد عز"، و"صفوت الشريف"، و"علي الدين هلال" للإعلان عن الطريقة الجهنمية التي مكنت الحزب الوطني من تحقيق الأغلبية، وكيف التف المصريون جميعًا حول مرشحيه، قد تضحك من قلبك الآن على تلك المشاهد، ولكن من دون شك فإن هذا لم يكن حالك في تلك الأوقات، التي كان الدم يغلي في عروقنا، وفقد الكثيرون الأمل تمامًا في حدوث أي تغيير، ألا تتفق معي أن الصورة كانت أكثر من سوداوية، وكان المستقبل يبدو أكثر ظلامًا، وبالرغم من ذلك لا زلت أذكر أني كتبت يومها مقالاً لم أتناول فيه الانتخابات البرلمانية، تم اتهامي بأني أغرد خارج السرب، وأعزف منفردًا بعيدًا عن واقع الجغرافيا والتاريخ، كان من السهل للغاية أن أكتب فيما جرى من فضائح يندى لها الجبين، شهدها القاصي والداني، وما أكثرها، أو أن أنضم إلى ركن المحبطين الذين شعروا بالقرف مما يحدث في البلاد، ولكني اخترت الطريق الأصعب، وقررت أن أتحدث عن المستقبل، وأن أتابع المشهد بعيون مختلفة، ترى فيما حدث فرصة مميزة للتغيير، وإيجابيات عديدة تفتح باب الأمل، وتساهم في إغلاق باب الإحباط. نعم.. كشف المؤامرات ومحاربة الفساد هو جزء مهم للغاية في طريق الإصلاح، وبدونه لا يمكن أن تستمر الحياة، ولكن أن يتحول الأمر إلى لطم الخدود، والبكاء على اللبن المسكوب، من دون أن يصحب ذلك أي فعل إيجابي أو رؤية واضحة للبناء، فإن ذلك يصيب المجتمع بالإحباط ويدفعه إلى اليأس، عندما يتلقى المواطن المصري يوميًا هذه الجرعة المكثفة من أخبار الفساد والحوادث والبلطجة السياسية، فإن الصورة تصبح سوداوية، وبالتالي تقل جرعة الأمل التي يتعاطاها المجتمع، ويصبح الرضا بالواقع والتسليم بالحالة البائسة التي نعيشها هو شعار المرحلة للجميع. صدقوني.. إن أخطر التحديات التي تواجه ثورتنا الآن؛ هو شعور الإحباط، أو اليأس من تغيير الأوضاع، وانصراف الناس عنا، لقد كان أحد أهم أهداف النظام هو أن نصاب باليأس من الإصلاح، ونبتعد عن المشاركة والتأثير، ولكننا نجحنا وأثبتنا أننا شعب حي، لا ينكسر ولا يموت، ليس لأحد منا في ذلك فضل، فلله الفضل والمنة، هو الذي قيض لهذه الأمة الثورة، وكانت إرادته ومشيئته أن تستمر وتنجح، وأن يتخذ النظام السابق كل القرارات الخاطئة التي تؤدي لاشتعال الثورة واستمرارها، إن شئت أن تعتبرني من الدراويش.. فلك ذلك، ولكني على يقين كامل بأن هذه البلد محروسة، وأن عين الله ترعاها، ولن يخذلنا أبدًا فهو صاحب الجود والفضل. من المهم أن نتحدث عما يحدث حاليًا في البلاد، ولكن الأهم من ذلك أن نفكر في بناء المستقبل، وما هي الأدوار التي يمكن لكل منا القيام بها، حتى نصل لما يحلم به الجميع من حياة وواقع مختلف، هل فكرت فيما يمكن أن تقدمه من فعل إيجابي، بديلاً عن مصمصة الشفاه، وانتقاد أحوالنا التي لا تسر؟ أرجوك لا تحدثني عن تقصير الآخرين، أو عن المؤامرة وفلول النظام السابق، كما أرجو منك ألا تلقي بالمسئولية على تخاذل الشعب وسلبية المجتمع، ولكني أطلب منك أن تخبرني عن دورك الفردي الذي ستحاسب عنه، وتسأل أمام الله، وعن مساهمتك التي قدمتها لبناء مصر المستقبل، هل شعرت أنك تشارك في المسئولية عن الأوضاع الحالية؟ وبالتالي أدى ذلك أن يتولد لديك طاقة إيجابية للبناء والتنمية. لماذا لا ننظر إلى الصورة من زاوية مختلفة؟ أنا أشاهد ضوء الفجر بوضوح رغم كل العتمة، وأرى مستقبل رائع ومتميز لمصر، تتبوأ من خلاله صدارتها وريادتها المنتظرة، لا أتحدث عن عشرات السنين؛ وإنما أعدكم- وكلي ثقة في الله- أن المسألة هي سنوات معدودة، وأذكركم بأن البرازيل وتركيا بدأت في عام واحد (2002) مرحلة جديدة من التنمية، مع قيادة كانت لديها الإرادة لسياسية لإحداث التغيير فتحققت المعجزة في أقل من خمس سنوات، لسنا أقل من تركيا أو البرازيل، ولكن من المهم أن يفكر كل منا في تطوير إمكانياته، وكيف يسهم من خلالها في بناء الوطن، فكر في رسالتك التي ترغب أن تعيش من أجلها، فتصنع التنمية والبناء في وطنك، فقط ما تحتاجه.. أن تقرر ذلك، وأن تتولد لديك الرغبة والإرادة الجادة في فعل إيجابي، وعندها تأكد بأنك لن تعدم وسيلة للتغيير. [email protected]