فاجأتنا السعودية بتشكيل التحالف العشري "عاصفة الحزم" لضرب ميلشيا الحوثي في اليمن. وأهم ما في هذا التحالف هو السرية الشديدة، فلم تتسرب أي معلومة عنه للإعلام، أو في الأحاديث الخاصة، حيث ظل طي الكتمان، وتشكيله ليس وليد اليوم الذي انطلقت فيه الطائرات في سماء اليمن، بل المؤكد أنه نتاج مباحثات وتخطيط وتنسيق استمر أسابيع. وحتى منتصف ليلة الخميس الماضي عندما انطلقت عشرات الطائرات من البلدان المشاركة في التحالف لتسيطر على أجواء اليمن وتقصف الأهداف الحوثية لم يكن أكثر المتفائلين بتحرك عربي بقيادة السعودية لإيقاف إسقاط عدن وابتلاع ما تبقى من اليمن في جوف الحركة المتمردة يتوقع أن يحدث هذا المشهد العسكري المعد والمخطط جيدا، لكنه حدث، ما يعني أن هناك إرادة عربية صلبة قادرة على فعل ما هو غير متوقع وفي اللحظة غير المتوقعة. في كل التحالفات العسكرية السابقة في منطقتنا كانت المشاركة العربية رمزية ولا تقترب من القيادة ولا تساهم في تشكيل التحالف، إنما كان يتم دعوة العرب ضمن آخرين، ودائما القيادة في أيدي أمريكا كما حصل في حرب الخليج الأولى، والثانية، وكما في الحملة على "داعش" حاليا، وفي حملة الناتو على ليبيا خلال عهد القذافي كانت القيادة في أيدي فرنسا، وهذه هى المرة الوحيدة التي يتشكل فيها تحالف عربي إسلامي خالص بقيادة عربية، والدور الأمريكي فيها يقتصر على الدعم المعلوماتي والاستخباراتي، وهو مهم لأنه يوفر معلومات ضرورية تساهم في نجاح العمليات العسكرية. العرب قادرون على الفعل إذا أرادوا لكن عليهم أن يخرجوا من خانة الشعور بالعجز والضعف وانتظار الأطراف الخارجية لتدافع عنهم أو تحل لهم مشاكلهم وأزماتهم. لا ينقص العرب أي شيء من الموارد والأموال والأراضي والبشر والعتاد العسكري والعقول وهم إذا أحسنوا استثمار ما تحت أياديهم فإنهم قادرون على أن يعمل العالم لهم ألف حساب ويقدرهم ويزيد من احترامه لهم. رحم الله الملك السعودي الراحل فيصل الذي استثمر سلاح النفط فارتفع سعره وعادات مدخولات مالية كبيرة للخزينة العربية وضغط به على الغرب المنحاز لإسرائيل ضد العرب وقضاياهم العادلة وكان دوره مهما في حرب أكتوبر عام 1973. تلك الواقعة هى واحدة من المحطات التاريخية في سجل العرب الحديث. وفي الألفية الجديدة سيسجل التاريخ حتى اليوم حدثين مهمين الأول هو الثورات العربية فهي فعل تاريخي عظيم جاء خارج سياق كل التوقعات وبغض النظر عن مألات الثورات إلا أنها نجحت في هز عروش عتيدة وأسقطت رؤساء معمرين عن كراسي الحكم وغيرت الشخصية العربية حيث نزعت الخوف عنها وحررتها من سجن الرعب الذي بنته الأنظمة التي مالت إلى الديكتاتورية بعد الاستقلال عن المستعمر الأجنبي. الربيع العربي لن يضيع هباء، ففي النهاية سيفرض الزمن العربي الجديد نفسه وعنوانه التغيير، وأن ما قبل الربيع العربي، لن يكون كما بعده. والحدث الثاني الأهم هو ذلك التحالف العسكري الذي ظهر في سماء اليمن ليلة الخميس ليقوم بقصف ليس فقط جماعة متمردة بل ليضرب الخوف الرسمي العربي من الإقدام على عمل كبير كهذا العمل الذي كان حكرا على القوى الكبرى، وكان دوما مطلبا عربيا من الغرب في أمور تخصهم وتهددهم، وهو رسالة شجاعة من العرب - رغم أنهم ليسوا في أفضل حالاتهم - لدولة إقليمية كبيرة هى إيران تغتر بقوتها وتغريها تلك القوة على إهانة العرب وممارسة الاستكبار عليهم والتوسع في أراضيهم عبر أذرعها المحلية واحتلال بلادهم وإدارة قصور الحكم في عواصمهم والتبشير بالزمن الإمبراطوري الفارسي القادم وأفول الزمن العربي والانتقام من التاريخ ومما جرى للإمبراطورية القديمة على أيدي الفاتحين العرب، ومن الحكمة أن تستوعب إيران هذا الدرس الذي ربما فاجأها أيضا. السعودية التي تصور البعض أنها ستظل محكومة بسياسات تقليدية متحفظة خالفت هذا التصور لما أيقنت أن الخطر بات في عمق أراضيها وأن التهديدات تشمل الخليج والمنطقة العربية عبر إيران والتنظيمات والميليشيات التابعة لها فلم تجد بد من إزالة التحفظات والخروج من عباءة التقليدية إلى جرأة المواجهة وسرعة التحرك، وهذه السلوك يجب ألا يكون لمرة واحدة وأقصد أن جوهر فكرة التحالف العسكري يجب أن يصبح متينا وقويا ومستمرا وواسعا لمواجهة أي تهديدات للبلدان العربية من أي طرف والإمساك بمقود القيادة للتدخل لحل الأزمات دون استدعاء الخارج وأن يكون نواة لفكرة القوة العربية الموحدة. نعم، جماعة الحوثي ليست دولة عظمى، ولا دولة عادية، بل هي ميلشيا مسلحة وسط أحزاب وجماعات وقبائل يمنية لا تجاريها في التسليح والتمويل والاستعداد، لكن المشكلة ليست في تلك الجماعة، إنما في إيران التي تقف وراءها وتدعمها وتتخذها ستارا لتنفيذ مخططاتها انطلاقا من اليمن، ومن هنا فإن الرسالة موجهة بالأساس إلى طهران بأن تفيق، وإيران صباحا أرغت وأزبدت في رفض العملية العسكرية، ثم في المساء تراجعت وطالبت بالحوار لحل الأزمة، فهل الرسالة وصلت؟. عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.