وزارة الخارجية العراقية استدعت السفير المصري في بغداد وسلمته احتجاجا رسميا على بيان فضيلة الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر بشأن تحذيره من عمليات القتل واستباحة الدماء للمدنيين السنة من جانب قوات "الحشد الشعبي" في القرى والمدن التي يتم استعادتها من تنظيم "داعش". بدل ذلك الاستدعاء الغريب والمستهجن، كان واجبا على وزارة الخارجية والحكومة العراقية دراسة وفهم واستيعاب بيان الإمام والعمل بما فيه لمنع سفك دماء بريئة، حيث ينبههم في لغة راقية إلى خطورة الانتهاكات التي تزيد نيران الطائفية وترفع منسوب الحقد الأعمى في العراق، والأدهى أنها تخلق حواضن جديدة ل "داعش" وتعيد التعاطف مع التنظيم بينما الأرض تميد من تحت أقدامه وزمن أفوله قادم. ماذا سيقول سنة العراق؟، وماذا سيقول غيرهم خارج العراق عندما يجدون قوات "الحشد الشعبي" ، وهى كلها شيعية، تقتحم قرى ومدن السنة فتعيث فيها فسادا وتمارس عمليات تصفية وإعدام للمدنيين واعتداء على المحارم وسلب ونهب للبيوت والممتلكات وحرق وهدم لبعض القرى؟، أليس ذلك يضاعف الألم والكراهية ، وألا يجلب ذلك متعاطفين مع التنظيم حيث سيظهر الأمر وكأن ميليشيات إسناد الجيش العراقي لا تستهدف "داعش" لذاته، إنما تستهدف طائفة بعينها وتحت راية الجيش؟. أهل تكريت والموصل والفلوجة والأنبار وغيرها من قرى ومدن ومحافظات العراق ذات الغالبية السنية يقولون الآن إن تنظيما دمويا يذهب وتأتي تنظيمات مثله ، وبالتأكيد سيدفع ذلك كل المرهوبين والمرعوبين والخائفين والمكلومين بضحاياهم إلى مزيد من العزلة، أو مزيد من التطرف، أو مزيد من الانقسام المجتمعي الذي يمنع التعايش والاندماج ويعمق الطائفية، ويضرب المواطنة في العمق. كان الأمل أن تقدم قوات "الحشد" صورة راقية للشعارات الإسلامية التي ترفعها، حتى لو كانت مذهبية ، لكنها تقدم نفسها باعتبارها الوجه الآخر لتنظيم "داعش"، والفارق البسيط أن "داعش" يتفاخر ويتباهى بجرائمه فيتلقفها العالم ويروج لها على أوسع نطاق، لذلك تحول التنظيم إلى العدو الأول للإنسانية والحضارة والمدنية، أما ميليشيات الحشد فهي ترتكب الجرائم، لكن في الكتمان، وما يتسرب منها يكشف جانبا من الاستهانة بحياة البشر. الإمام الأكبر يتصدى بكل قوة وشجاعة ل "داعش" وجرائمه، ويصدر البيانات والتصريحات ضد التنظيم، ويتصدى لكل جماعات وحركات التطرف والعنف والإرهاب التي ترفع شعارات الإسلام، وتتحدث باسم أهل السنة، والإسلام والسنة منها براء، ويستحيل أن يعتبر أحد الإمام طائفيا أو مذهبيا، بل هو مسلم كما يجب أن يكون المسلم الذي يدافع عن قيم الإسلام الأصيلة، وعن شرائعه السمحة، وعن اعتداله ووسطيته بغض النظر عن الطائفة أو المذهب أو اللون أو العرق أو الجنس أو القومية، وبالتالي كما ينتقد ويعري ويكشف جرائم من ينسبون أنفسهم لأهل السنة والجماعة، فإنه من حرصه على الإسلام الجامع وصورته أمام العالم وقيمه الإنسانية ومن دوره كمرجعية إسلامية سامية ينبه ويحذر من الجرائم التي ترتكب بحق طائفة من المسلمين، وعلى أيدي طائفة أخرى من المسلمين، وللأسف يتم ذلك تحت رايات مذهبية تزيد الانقسام والفرقة وتعمق الأحقاد والكراهيات والحروب الدينية. كان الأمل أن يكون حيدر العبادي رئيس الحكومة الجديدة في العراق هو البديل الوطني لرئيس الحكومة السابق نوري المالكي الطائفي، وأن يكون قائدا لكل العراقيين يجمعهم تحت راية واحدة عنوانها العراق بلا طائفيات ولا مذهبيات ولا قوميات، لكن يبدو أنه غير قادر على فعل ذلك حتى الآن، وربما هناك قوى تمنعه من ذلك، وتدفعه للسير على طريق سلفه الذي أورث العراق كل تلك المهالك، ولذلك يصعب أن تقوم للعراق قائمة، أو يصبح وطنا جامعا للعراقيين، بل يقود نفسه إلى التقسيم طالما استمر في تلك الحالة الخطيرة. جرائم فرق في "الحشد الشعبي" تتحدث عنها أطراف كثيرة بعضها من داخل البيت الشيعي نفسه، وهنا نسأل: ألم تصل لوزارة الخارجية ورئاسة الحكومة تصريحات المرجع الديني والسياسي السيد مقتدى الصدر ضد تلك الميليشيات، وإلى حد وصفه لبعضها بأنها "وقحة" تشوه المذهب، وألم تصل لأسماع الخارجية والحكومة بيانات المرجع الأعلى السيد على السيستاني ضد تلك الجرائم، والسيستاني هو صاحب فتوى تأسيس تلك الميليشيات، ويبدو أنها سارت في طريق غير الذي أراده لها، وألم تصل لأسماعهم خطبة وكيل السيستاني الأسبوع الماضي وطلبه عدم التعرض للمدنيين، وألم تصل لأسماعهم تحذيرات رئيس الأركان الأمريكي من الانتقام والثأر من السنة، وحدوث توترات طائفية، ولذلك توقفت أمريكا عن شن طلعات جوية على تكريت ضد "داعش" لأن الحرب صارت طائفية بحتة، وأمريكا تنأى بنفسها أن تدعم طرفا ضد آخر، وألم تصل لأسماعهم تقارير منظمة "هيومن رايتس وواتش" وهى موثقة من أرض الواقع، وتعتبر ما يحدث بأنه يرقى لجرائم حرب. لماذا بيان فضيلة الأمام فقط الذي تحتج بشأنه خارجية العراق، وتتجاهل إعلاما عربيا ودوليا يسلط الضوء على الفظائع، ولماذا تتجاهل كل ردود الأفعال من داخل العراق، ومن خارجه، مثل هذا السلوك الانتقامي ليس في صالح تحرير المناطق المستهدفة، بل هو يعيد بعض الحياة ل "داعش"، حيث يجعل الأهالي يحاربون بأنفسهم دفاعا عن قراهم ومدنهم وأرواحهم وأعراضهم وممتلكاتهم خشية ما ستفعله معهم الميليشيات لو دخلت مناطقهم. من الأصل لم يكن يجب أن تكون هناك ميليشيات مذهبية تحارب "داعش"، فهي وظيفة الدولة وجيشها الذي يجب أن يحارب ويطرد التنظيم ويسترد الأرض ويقيم العدل وينشر الأمن والاستقرار وسط الناس، هذا هو دور الدولة، وليس دور المليشيات. على الدولة المصرية ألا تسكت عن استدعاء سفيرنا في بغداد، وألا تسكت عن الإساءات في الإعلام الطائفي، وعلى الألسنة الطائفية ضد الأمام الأكبر. كرامة شيخ الأزهر، هى من كرامة الدولة المصرية. عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.