لقد أصبحنا في زمان كثر فيه الكلام , وغاب الصدق في اللهجة , وغلب الكذب في الحديث , فلم نعد نعرف الحقيقة إلا بعد مرور مزيد من وقت لتنكشف بعده الأمور , وربما عاش الإنسان منا ردحاً من الزمان ثم يموت وهو يظن – مثلاً – أن السادات هو من قتل المشير أحمد بدوي ورفاقه خلافاً للحقيقة التي تؤكد أن السادات برئ من هذه التهمة , ولقد عشنا عهوداً من الرؤساء أعلن كل واحد منهم أنه استلم البلاد عند نقطة الصفر وربما تحت الصفر , وفي نفس الوقت يؤكد أنه نهض بالوطن مستدلاً على ذلك بأرقام وتصريحات يدلي بها عن التنمية ومعدلاتها , وما أن يرحل حتى ينكشف المستور ويظهر كذب هذه التصريحات , ولقد كانت تصريحات المعارضين في عهد مبارك تتم بحساب دقيق مخافة الاضطهاد أو السجن إلا النذر اليسير منهم فقد عارضوا النظام بلا سقف محدد , ولكن بعد الثورة انطلقت التصريحات على أشدها , فليس هناك من رقيب أمني أو محاسب قانوني !! ولهذا كان هناك من التصريحات المتناقضة التي ظهرت في أعقاب التغيرات السياسية الحادة فنسي هؤلاء أن كل ما قيل مسجل عليهم بالصوت والصورة , ومما يلفت النظر أن بعض التصريحات التي صدرت من قيادات جماعات أو كيانات وقوى سياسية تسببت لهم في مشكلات كبرى لم تكن متوقعة , ومن ابرز هذه التصريحات ما أعلنته جماعة الإخوان المسلمين من أنها لن تقدم مرشحاً رئاسياً , ولن تسعى إلى أكثر من ثلث المقاعد البرلمانية , وبالتأكيد كانت الجماعة في غنى عن مثل هذه التصريحات , ولكنها قيدت نفسها بذلك فصار الناس ينتظرون منها الوفاء بما ألزمت به نفسها , بل واستعمل الخصوم هذه التصريحات الصوتية لكبار الإخوان في إثبات خلفهم للوعد وبالتالي كيف يقودون دولة وهم لا يحترمون كلمتهم ؟ ولما بدأت الجماعة الإسلامية في المفاضلة بين المرشحين الرئاسيين عقدنا جمعية عمومية للنقاش حضره الأمين العام لجماعة الإخوان , وتحمل الرجل هجوم كوادر الجماعة بشكل أشفقت عليه , ثم انحازت الجمعية في النهاية إلى الدكتور عبدالمنعم أبو الفتوح في الجولة الأولى ثم كان الاتفاق على الدكتور مرسي باعتباره أفضل المرشحين في جولة الإعادة , وتوقعت أن تضع جماعة الإخوان ملاحظات الجماعة الإسلامية نصب أعينها على أساس أنها نصائح من شركاء الوطن ولكن بقيت الشكاوى كما هي , بل وتحمل الدكتور/ محمد مرسي سلبيات جماعة الإخوان حيث لم تساعده كرئيس دولة بل تعاملت معه كأحد كوادرها في منصب الرئيس فحوصر الدكتور/ محمد مرسي بطاقم من الشباب بينما تم تجاهل كافة المساعدين والمستشارين من غير الإخوان حتى استقال معظمهم إعتراضاً على ذلك , ومما أخذه خصوم وزير الدفاع آنذاك الفريق أول عبد الفتاح السيسي أنه صرح عن عدم طموحه للسلطة إلا أنه تعرض لضغوط من مؤيديه أدت إلى ترشيحه لنفسه لموقع الرئاسة , فدخل في مرمى النقد والتجريح , وكنت أتمنى أن تبقى القوات المسلحة خارج المعادلة بوجودها مشرفاً عاماً على العملية السياسية إلى جوار الشرطة والقضاء , الأمر الذي كان سيُجنب البلاد كثيراً من المشكلات . وبالرغم من أن الصراع بين الحكومة الراهنة ومعارضيها لم يحل حتى الآن إلا أنني أستطيع القول أن المشكلة في طريقها إلى الحل إن عاجلاً أو أجلاً بوساطة إقليمية أو دولية , وبعدها سنبدأ جميعاً صفحة جديدة من الحوار والعمل الجاد , كما يجب علينا أن نراعي المصداقية والشفافية ونعالج سلبيات المرحلة الماضية مع إعلاء شأن الوطن والمواطن . والله المستعان