الطاغوت في اللغة مشتق من الطغيان وهو مجاوزة الحد، ومجاوزة الحق إلى الباطل، ومجاوزة الإيمان إلى الكفر وما أشبه ذلك، والطواغيت كثيرون، وكل طاغوت فهو كافر بلا شك. والطواغيت كثيرون ولكن رءوسهم خمسة كما ذكر ذلك العلامة ابن القيم وغيره. الأول: إبليس -لعنة الله- فإنه رأس الطواغيت. والثاني: من عبد من دون الله وهو راضٍ بذلك، فإن من رضي أن يعبده الناس من دون الله فإنه يكون طاغوتًا، كما قال تعالى : { وَجَعَلَ مِنْهُمُ الْقِرَدَةَ وَالْخَنَازِيرَ وَعَبَدَ الطَّاغُوتَ} [المائدة:60]. والثالث: من ادعى شيئًا من علم الغيب. والرابع : من دعا الناس إلى عبادة نفسه، وهذا كما يفعل بعض أصحاب الطرق الصوفية والمخرفين [وبعض الملوك والرؤساء] الذين يسيطرون على عباد الله، ويجعلون لأنفسهم مقام الألوهية في أنهم ينفعون ويضرون، وأنهم إلى آخره، ويستغل العباد ويترأس عليهم بالباطل. والخامس : من حكم بغير ما أنزل الله عز وجل؛ لأن الله سبحانه وتعالى يقول: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُواْ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَن يَتَحَاكَمُواْ إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُواْ أَن يَكْفُرُواْ بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُضِلَّهُمْ ضَلاَلاً بَعِيدًا * وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إِلَى مَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ رَأَيْتَ الْمُنَافِقِينَ يَصُدُّونَ عَنْكَ صُدُودًا} [النساء:60-61] ، فالذي يحكم بغير ما أنزل الله فهو يرى أن حكمه بغير ما أنزل الله أصلح للناس وأنفع للناس، أو أنه مساوٍ لما أنزل الله، وأنه مخير بين أن يحكم بما أنزل الله أو يحكم بغيره، أو أن الحكم بغير ما أنزل الله جائز، فهذا يعتبر طاغوتًا وهو كافر بالله عز وجل. أه. والعلماء والأمراء الذين يضلون الناس يعتبرون طواغيت ؛ لأنهم طغوا وزادوا ما ليس لهم به حق . وقد حذر الله تعالى من عبادة الطاغوت فقال: (لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لَا انْفِصَامَ لَهَا وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ) [البقرة:256]. وقال سبحانه: (وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ فَمِنْهُمْ مَنْ هَدَى اللَّهُ وَمِنْهُمْ مَنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ الضَّلَالَةُ فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ) [النحل: 36]، وقال عز وجل: (وَالَّذِينَ اجْتَنَبُوا الطَّاغُوتَ أَنْ يَعْبُدُوهَا وَأَنَابُوا إِلَى اللَّهِ لَهُمُ الْبُشْرَى فَبَشِّرْ عِبَادِ * الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ وَأُولَئِكَ هُمْ أُولُو الْأَلْبَابِ) [الزمر:18]. ولنرجع البصر إلى بلاد العرب هل عادت أدراجا إلى عبادة الأصنام والطواغيت؟! ..... اللهم سلم سلم. فعندما وصل حزب البعث السوري إلى الحكم على ظهر الدبابة رفعوا شعارات: (يا أخي قد أصبح الشعب إلها)، (لا إله إلا الوطن ولا دين إلا البعث) وقال شاعرهم: (آمنت بالبعث رباً لا شريك له * وبالعروبة ديناً ماله ثاني). وقال هالك آخر: هبوني عيدا يجعل العرب أمة وسيروا بجسماني على دين برهم سلاما على كفر يوحد بيننا وأهلا وسهلا بعده بجنهم وفي أحداث حماة التي انطلقت شرارتها في السابع من نيسان 1964م، تدخل الجيش البعثي الطائفي وجنوده يهتفون على ظهور الدبابات: "هات سلاح و خوذ سلاح * دين محمد ولّى و راح". وكذلك في أحداث 1882م دمرت المساجد الأثرية فوق رؤوس المحتمين فيها، وديست المصاحف بالأقدام، وكتبت على الجدران عبارات (لا إله إلا حافظ الأسد)، و (مات الله .. وعاش الأسد)، وهو ما يكتب اليوم لبشار وماهر نجلي الإله الراحل حافظ، وما يقال ويكال لهم في أبواق الإعلام الكاذبة، يقول المتصل: إني أعبده، فيتأول له مقدم البرنامج قائلا: إنها مبالغة من شدة الحب للقائد. إنها عبادة الطاغوت والطائفية المقيتة التي وصفها الحوراني معلقا على أحداث حماة: [إنني لا أشك أبداً بأن يداً سوداء خارجية كانت وراء ما تعرضت له مدينة حماة في المرتين من خراب وتقتيل وتنكيل وحشي، وإنه لمن دواعي الأسى والحزن أن يناضل الشعب السوري ويقدم التضحيات خلال أكثر من أربعين عاماً في عهدي الاستعمار الفرنسي والاستقلال في سبيل ترسيخ الوحدة الوطنية بين مختلف طوائفه ومذاهبه؛ ثم تستيقظ هذه العصبيات الموءودة بعد الثامن من آذار بشكل مجنون]. وفي آذار/مارس من عام 1982م خطب الإله المزعوم الفريق أول حافظ الأسد قائلاً: "ما حدث في حماة حدث وانتهى". وهكذا لخص القائد البعثي الملهم شهرا كاملا من المعارك الطائفية، والمذابح الجماعية حيث يدفن الناس أحياء لخص الإبادة الشاملة، وانتهاك أعراض الحرائر، والتمثيل بالموتى، وبقر بطون الحوامل، ودهس الناس بالدبابات والمجنزرات، وسرقة الأموال والممتلكات والمتاحف والآثار، وتفجير المساجد والكنائس، وبتر أطراف السيدات وقطع الأذنين من أجل أخذ الحلي، وتغيير معالم مدينة من أقدم مدن التاريخ، لخص كل ذلك في كلمة واحدة. ولا غرو فمن قبله الزعيم الخالد المهم عبد الناصر اعتبر هزيمة 67 التي نقاسي ويلاتها إلى اليوم نكسة وإنها محاولة استهدفت قلب نظام الحكم في مصر، وقد فشلت طالما ظل الحكم راسخا رسوخ الجبال. فقط دمرت الأسلحة الحربية ونحو مائة ألف جندي مصري، وغيرهم من الأسرى ساقوهم اليهود ليحفروا قبورهم بأيديهم ويدفنوا فيها أحياء، بينما آلاف الأبرار والأشراف في غياهب السجون منهم من قضى نحبه تحت التعذيب وسجن في صحراء المقطم ومنهم من ينتظر. فقط أحرق سلاح الطيران على الأرض، بينما المشير عامر في سهرة حمراء. كل ذلك لا يهم! المهم أن الزعيم باق وأن الشعب الواعي خرج إلى الشوارع رافضا التنحي. ولا غرو أيضا، فزعيم الأمة صدام حسين من قبل أباد الناس بالأسلحة البيولوجية كما تباد الحشرات وفجر المعارضين بالديناميت، وأهلك الحرث والنسل، ولما خر تمثاله (الصنم) صريعا أقبل إليه عُبَّادُه يقبلونه!. في بلاد العرب يقتل المواطن السوري بدم بارد إذا رفض أن يسجد لصورة بشار القط أو يقبلها، ويجبر على قول الكفر قول: (لا إله إلا بشار)، بما يذكر بأبي جهل وعتاة الجاهلية الأولى وهم يضطهدون المؤمنين ويجبرونهم على النطق بالكفر قائلين: اذكر آلهتنا بخير، اذكر اللاة والعزى ومناة وهُبَل، سب محمدا نرفع عنك العذاب، فيجيب المؤمن: أحد أحد، والله لوددت أن أقطع إربا إربا ولا يصاب محمد بشوكة وهو في مكانه!. في بلاد العرب قام المؤيدون برفع صور بشار ووضعوها في الميادين وسجدوا لها، وهتفوا: (الله .. سوريا .. بشار وبس)، تماما كما فعل المؤيدون مع مبارك، رفعوا الصور وسجدوا عليها وقالوا: (جزمتك على راسنا وراس مصر يا ريس)، وكما فعلوا في ليبيا حيث قالوا: (الله .. ومعمر .. وليبيا وبس)، ولاحظوا أن معمر قبل ليبيا فضلا عن رفع اسمه مع الله تعالى، وهو ما لم يحدث لأحد من البشر خلا النبي صلى الله عليه وسلم في قولنا: (لا إله إلا الله محمد رسول الله)، وكانت منة من الله لنبيه فقال: (ورفعنا لك ذكرك)!. في بلاد العرب يتأله الأشخاص فتوضع صورة الزعيم في المعتقلات ويؤمر سجين الرأي بالسجود لها والطواف حولها، والتسبيح والتقديس بحمده، ويحظر المصحف ويحرق ويقطع ويداس في دورات المياه، فيقطعه المسجون بنفسه ويبتلعه ليحفظ لنفسه نسخة يخرجها من جوفه لاحقا ليقرأ فيها!. في بلاد العرب يتأله الحاكم حتى يقول البسيوني لسجنائه في حقبة عبد الناصر: (لا جنة إلا جنة ناصر ولا نار إلا نار ناصر)، ثم يتحدى الله في صفاقة عجيبة واغترار بحلم الله على عباده فيقول: (لو نزل الله لسجنته معكم)!. في سجون مصر قال العقيد للسجين: أنا أرزقك. قال صاحبنا: بل الله هو الرزاق المتين، فأجبره عقيدنا على أخذ صحفة ثم يقف في الشمس يقول: يا رب ارزقني أرزا، فلما لفحته الشمس ولم يرجع بشيء، قال العقيد الملحد: تعال أنا أعطيك الأرز، فقط قل: يا فلان ارزقني!. وآخر كان يعذب الناس ويقول: أنا أبو لهب. وإذا فرغ من تعذيبهم أو مل ختم عمله اللا إنساني متهكما قائلا: أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم لي ولكم. في بلاد العرب يكافح الأذناب من عبدة الطاغوت من أجل بقاء طواغيتهم على الكراسي، ومن أجل حفنة مال، من أجل ذلك يرخص في أعينهم النفيس فيسفكون دم شعوبهم ويدفعون بلادهم إلى الهاوية والتدخل الأجنبي ويغطون في نوم وأحلام "محاربي الإمبريالية" المزعومين ممن أورثوا الأمة الخزي والعار، كعبد الناصر والقذافي وصدام (بغض النظر عن خاتمته .. الله أعلم بها) والأسد أبا وابنا. ويا ليت شعري متى يهدي الله المنتفعين من دجاجلة الإعلام والصحافة ومدعي الثقافة الذين ينافحون عن الطواغيت، ومن جنود الطغاة الذين يقتلون شعوبهم؟! متى تنتهي عبادة الطاغوت؟.