قضت المحكمة الدستورية العليا بعدم دستورية المادة الثالثة في قانون تقسيم الدوائر، وهذا يعني تأجيل الانتخابات، والعودة إلى نقطة الصفر مجددا في العملية الانتخابية كلها ليضيع وقت جديد ثمين دون أن يكون هناك برلمان منتخب يمثل إرادة الشعب في الرقابة على السلطة التنفيذية وفي التشريع الذي سيظل حتى إشعار آخر في أيدي السلطة التنفيذية ولجان غير منتخبة، وهذه هي المحصلة عدم دستورية أحد قوانينها. كان هناك طعنان آخران في قانوني مباشرة الحقوق السياسية ومجلس النواب وقد رفضتهما المحكمة لأسباب شكلية لأن أصحاب الدعاوى ليس لهما مصلحة، وبالتالي عندما يتوفر صاحب المصلحة ويطعن عليهما فالاحتمال الوارد أن تقرر المحكمة بطلان مواد أو فقرات في مواد بأحدهما أو في الاثنين معا، وهذا يعني أن رقبة مجلس النواب حتى بعد انتخابه ستظل تحت سكين عدم الدستورية لأن الأداء في إعداد القوانين دون المستوى. التقدير للمحكمة الدستورية الموقرة التي تكشف العوار والمطاعن وترعى صحة وسلامة تطبيق الدستور والالتزام به في القوانين الجديدة، والمحكمة تدرء الخطر مسبقا كما حصل بالأمس، أو لاحقا بعد دخول القوانين حيز التنفيذ، والمشكلة عند من يضعون القوانين في الغرف المغلقة ولا يتحرون دقة مطابقتها للدستور إما تسرعا، أو للضعف في القدرة والكفاءة، أو لا أعرف لماذا يحدث هذا التخبط ؟، وهو ليس قاصرا على واضعي القوانين في تلك المرحلة، بل نفس الخلل تواجد بعد ثورة 25 يناير لدى واضعي قانون الانتخابات الذي قضت المحكمة بعدم دستورية فقرة في أحد مواده وبناء عليه تم حل أول برلمان منتخب بعد الثورة سريعا جدا، وبعد استهلاك كثير من الوقت وإنفاق كثير من الأموال ليذهب كل ذلك سدى، كما أن الضعف في إعداد القوانين يعود إلى عهد مبارك أيضا حيث قررت المحكمة الدستورية مرتين بطلان مواد في قوانين انتخاب البرلمان ولذلك تم حل برلمانين متتالين. عند الفراغ من إعداد القوانين ونشرها على العموم فإن الأحزاب والمتخصصين وكل ذوي الشأن والمصلحة يتناولونها بالقراءة والمراجعة والفحص ويكشفون الخلل والمطاعن فيها لكن لايتم غالبا الاستجابة لهم وتتمسك اللجان التي وضعتها بما توصلت إليها نكاية أو عناد بأنها لا تخطيء أو تتجاوز وأن العقل الذي أنتجها لا يدانيه عقل آخر، وإذا كانت العزة بالنفس تأخذ أعضاء تلك اللجان فإن القوانين تذهب لهيئات قضائية معتبرة - مجلس الدولة - لمراجعتها فكيف لاتقف هي الأخرى على جوانب الخلل فيها، أم أن الحكومة في نهاية الأمر لاتستجيب لكل ملاحظات أو تعديلات تلك الهيئات؟. هنا نعود إلى طرح ما سبق وطرحه كثيرون بضرورة المراجعة المسبقة للقوانين الأساسية والمفصلية والمكملة للدستور على المحكمة الدستورية قبل تفعيلها لكشف مابها من مطاعن أو التأكد من سلامتها حتى عندما تدخل التطبيق يكون هناك اطمئنان بعدم مخالفتها للدستور ويكون كل ما يترتب عليها من انتخابات أو إجراءات تنفيذية صحيحة ونستفيد من الوقت والجهد والمال فيما هو مفيد. الحكم الجديد يقطع بأن المحكمة الدستورية لا تخضع لأي تاثيرات سياسية بل هي المؤتمنة على صحة تطبيق الدستور وأنه لا يعنيها من يجلس في السلطة ولا أي جدل سياسي خارج جدرانها ،وبالتالي فإن من شككوا في تلك المحكمة يوما عليهم أن يراجعوا أنفسهم فهي مثلا في عهد مبارك أصدرت أحكاما تاريخية على غير هوى النظام وهي طوال أدائها لا تتأثر بالأجواء السياسية ولا يتصور أن تأتيها توجيهات أو تعليمات من أي جهة تنفيذية. لا أريد الذهاب إلى نظرية المؤامرة بأن النظام لايريد إجراء انتخابات البرلمان حتى تظل السلطة التنفيذية تحتكر سلطة التشريع ولا يكون هناك برلمان خشية أن يأتي على غير هواها فيكون لها بالمرصاد وتقديري أن السلطة تعاني ارتباكا وضبابية في الأداء وغياب رؤية واضحة ولاندري كيف تعمل الإدارة في هذه المرحلة ولن أطيل في هذه النقطة لأن الزميل محمود مسلم كفاني في الحديث عنها في مقاله بالمصري بعنوان "بطلان الانتخابات.. التقدم بالعلم والكفاءة.. وليس بالأغانى والإساءة!!"، وعلى غير العادة شن هجوما عنيفا على الأداء العام وهذا يعكس حالة من الغضب لدى أشد مؤيدي النظام من نمط عمله وغموضه وضبابيته ومن يستعين بهم من معاونين ومساعدين لدرجة تجعل الحليم والداعم حيرانا. اتمنى أن يتم الالتزام بتوجيه الرئاسة بتعديل قانون تقسيم الدوائر في غضون شهر واحد، بل وأن يتم مراجعة قانوني مجلس النواب ومباشرة الحقوق السياسية لتلافي المطاعن فيهما حتى عندما يتم انتخاب البرلمان يكون هناك اطمئنانا لصحته وسلامة التشريعات التي ستصدر عنه. أخيرا جاء الحكم وتأجيل الانتخابات فرصة جديدة للاحزاب والقوى السياسية الجادة لتكسب مزيدا من الوقت لتقديم عناصر جيدة للترشح وإعداد قوائم مكتملة قوية لتكون الانتخابات منافسة جادة وحقيقية وليس مجرد عرس شكلي ولمواجهة قوى قديمة وعناصر المال والنفوذ وقوى العصبية والقبلية التي تريد السيطرة على البرلمان ليأتي على غرار برلمانات ما قبل ثورة يناير، وكأننا لانتقدم للأمام، بل نصر على العودة للماضي. عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.